جوزيفين حبشي

مغمورون ومشاهير... موت على الطرقات وبالطريقة نفسها

29 آب 2022

02 : 01

تعدّدت الأسباب والموت واحد في لبنان: مرض، شيخوخة، خطأ طبي، حروب، تفجيرات، انتحارات او جرائم أو حوادث سير. نعم، حوادث السير في لبنان معظمها جرائم سير. كيف لا، والأسباب الكثيرة التي ذكرتها منظمة الصحة العالمية للحوادث في العالم (سرعة، القيادة تحت تأثير الكحول، استخدام الهواتف المحمولة، الإرهاق والغفو اثناء القيادة، او حتى بسبب عمل مدبّر، رغم النسبة المتدنية لهذا الاحتمال) كلّها موجودة في لبنان، ولكنها ما كانت لتكون "قاتولية"، لو أنّ هناك إقراراً لقانون سيرٍ يراعي ادنى معايير السلامة العامة.

للأسف، الموت على الطريق وبالطريقة نفسها واحد في لبنان. وتندرج حوادث السير في خانة الجريمة "المقصودة". المجرم العادي قد يضع السمّ في كأس من يرغب بقتله، أما المسؤولون عن طرقات الموت في لبنان، فيضعون فاصلاً اسمنتياً في منتصف طريق دولي، من دون انارة او حتى إشارات ضوئية. فقط في لبنان حوادث السير جريمة ومرتكبها معروف. اما الضحية فقد يكون شخصاً عادياً أو "معروفاً"، إذ لا فرّق عند شحطة الفرامل والارتطام، بين غني أو فقير، عجوز أو شاب، عادي أو مشهور. والمغني اللبناني جورج الراسي آخر ضحايا المشاهير ولن يكون الأخير للأسف.

جورج الذي كانت ترافقه منسّقة اعماله زينة المرعبي، لم يغفُ اثناء القيادة كما قيل، بل وقع ضحية جريمة فعلية، فيما كان يقود سيارته على أوتوستراد يفترض أنه طريق دولي وبديهي إذاً أن يكون معبّداً من دون وجود فاصل اسمنتي يستحيل على السائق رؤيته خصوصاً مع غياب الانارة في بلدٍ سمّي "منارة الشرق". ومن سخرية القدر ان الراحل قدّم سابقاً "فيديو - كليب" بالتعاون مع جمعية "اليازا"، للاضاءة على مخاطر حوادث السير، تضمّن مشهداً لارتطام سيارته بحائط، وها هو اليوم ضحية اهمال دولة متهالكة ادخلته وادخلتنا كلنا "في الحيط"...

ليس الراسي المواطن والفنان اللبناني الوحيد الذي رحل نتيجة جريمة الاهمال، ففجر الاحد 12 نيسان 2015، لقي الممثل عصام بريدي مصرعه في "جريمة سير" مشابهة على جسر الدورة. بريدي ابن الـ 35 ربيعاً، كان يقود سيارته وسط ظلام حالك بسبب غياب الانارة. فجاة ارتطمت سيارته بالفاصل الوسطي على جسر الدورة وانقلبت من اعلاه. كذلك توفي الممثل والمخرج المسرحي اللبناني حسام الصبّاح في أيار 2021 في جنوب لبنان. لم تكن وفاته نتيجة اصطدام سيارته بسيارة أخرى او بأحد المارة بل سببها عدم رؤية حدود الطريق.



ولا ننسى طبعاً حادث السير الذي تعرّض له النجم وائل كفوري ليل 15 تشرين الأول 2021، ونجا منه بأعجوبة على أوتوستراد جبيل - حالات، بعدما اصطدمت سيارته بالحواجز الإسمنتية على الطريق السريع. كفوري كان محظوظاً، ولكن الجرة لن تسلم كل مرة وسيكون الحبل على الجرار اذا لم نلتزم معايير حماية انفسنا مع غياب أي نية لتطبيق قانون السير.



واذا كان السبب الرئيس للموت قتلاً بحوادث سير هو وضع الطرقات الغارق في العتمة وقلة الصيانة في لبنان فتختلف الأسباب في مصر. نتوقف هنا عند حدثين وحادثي سير شهيرين، ذهب ضحيتهما نجمان شابان، دارت حول ظروف موتهما الغامضة اشاعات تحدّثت عن قتل متعمّد: الأول هو الحادث الذي تعرّضت له المطربة أسمهان في 14 تموز 1944، وادّى الى وفاتها في ربيعها الـ32. يومها كانت أسمهان منهمكة بتصوير فيلم "غرام وانتقام"، وشعرت بحاجتها الى الراحة. طلبت من المخرج وبطل الفيلم يوسف وهبي إجازة قصيرة، فكان لها ما ارادت. انطلقت مع صديقتها في رحلة الى رأس البر في سيارتها التي كان يقودها سائق. فجأة سقطت السيارة في "الترعة" وغرقت اسمهان مع صديقتها على الفور. حتى يومنا هذا، ما زالت الشائعات تعتبر الحادثة جريمة، وتحوم شكوك بشأن عملية مدبّرة انتقاماً منها لعملها مع المخابرات الإنكليزية. كما نال كل من زوجها احمد سالم وكوكب الشرق أم كلثوم نصيبهما من الاتهامات، الاول لخلافاته معها لغيرته الشديدة عليها، والثانية لكونها منافستها فنياً.



بدوره رحل عازف الغيتار الشهير عمر خورشيد فجر 29 أيار من العام 1981 عن عمر 36 عاما، نتيجة حادث سير قيل إنه مدبّر. يومها انهى خورشيد استعراضه في أحد فنادق شارع الهرم. استقلّ سيارته بصحبة زوجته، وانطلقت وراءهما الممثلة مديحة كامل في سيارتها. لحظات وبدأت سيارة مجهولة بمطاردة سيارة خورشيد، وقام من فيها بتوجيه الشتائم له ولزوجته. استفزه الامر فطارد السيارة ما تسبّب بانحرافها واصطدامها بعمودٍ كهربائي وانقلابها ومصرع خورشيد جراء اصابة في عنقه. وتسببت وفاته بموجة شائعات منها انّ موته جاء انتقاماً من سفره مع الرئيس السادات خلال توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل وقيامه بالعزف داخل البيت الأبيض.



المطاردة التي تعرّض لها "أمير الغيتار" تذكّرنا بمطاردة أخرى انتهت بدورها بمأساة: مطاردة مصوّري الباباراتزي لاميرة القلوب ديانا وصديقها دودي الفايد التي انهت حياتها عن 36 عاماً فقط، في 31 آب 1997، داخل نفق جسر ألما في باريس. ورغم أن اللوم وجّه للمصورين الذين طاردوا السيارة أولاً، الا أن تقريراً فرنسياً صدر العام 1999، كشف أن السائق هنري بول هو المسؤول الوحيد عن الحادث بعدما فقد السيطرة على السيارة أثناء قيادته بسرعةٍ عالية، وهو ثمل وتحت تأثير الأدوية. ورغم ذلك ما زالت الشائعات تحوم حول العائلة المالكة في بريطانيا، خصوصاً بعدما اتهمها محمد الفايد بشكلٍ مباشر بسعيها للتخلص من ديانا.






كانت ديانا في سنة زواجها الأولى عندما شاركت في دفن اميرة أخرى، هي اميرة موناكو واميرة السينما، غرايس كيلي التي حامت الشبهات أيضاً حول وفاتها. في 13 أيلول من العام 1982، فقدت اميرة موناكو السيطرة على سيارتها وسقطت هي وابنتها ستيفاني من على سفح الجبل. نجت ستيفاني ولكن غريس اسلمت الروح باليوم التالي في المستشفى. التقرير الرسمي اعلن انها أصيبت بسكتة دماغية ما أدى الى فقدانها الوعي وانحراف السيارة، ولكن الاشاعات لم تتوقف عند التقرير، خصوصاً ان غرايس كانت معروفة بعدم حبها لقيادة السيارات وكانت تعتمد على سائقٍ خاص. لكنها في ذلك اليوم قادت سيارتها بنفسها، ما اثار شبهات حول إمكان ان تكون ستيفاني ابنة الـ 17 عاما من كانت تقود السيارة. قيل كذلك أن مشادة وقعت بين غريس وابنتها التي اعلمتها بنيتها الزواج من صديقها بول بلموندو، ابن النجم جان بول بلموندو، ما اغضب الاميرة وجعلها تفقد السيطرة. السرعة التي هي القاتل الثاني او الثالث للسائقين اللبنانيين، هي "القاتل الأول" لسائقي السيارات خارج حدود وطننا.



السرعة كانت وراء مقتل النجم جايمس دين في 30 أيلول 1955 عن عمر 24 عاماً. يومها كان في طريقه للمشاركة في سباق للسرعة، فلاحظ قرابة الفجر سيارةً متوجهة شرقا بأقصى سرعة، فأدرك أن حادثاً على وشك الوقوع. حاول أن يناور من دون التخفيف من سرعته، فتصادمت السيارتان وطارت سيارة دين قبل أن تسقط على منحدرٍ صخري. السرعة قضت أيضاً على بول والكر نجم سلسلة أفلام السيارات السريعة والمتسابقة Fast & Furious. النجم الذي لم يكن قد تجاوز الأربعين لقي مصرعه في حادث سيارة بورش في 30 تشرين الثاني 2013، اثناء توجهه مع مدير اعماله الى حفلةٍ خيرية لجمع تبرعات إعصار هايان في الفيليبين. اصطدمت السيارة بعمود إنارة وشجرة واشتعلت فيها النيران، وتوفي الرجلان على الفور.


الموت حقٌّ هذا صحيح، ولكن الموت قتلاً على الطرقات وبهذه الطريقة البدائية، ليس من حق احد، وخصوصاً ليس من حق أجهزة الدولة التي سارت بنا نحو الهاوية في كافة القطاعات، وجعلتنا نصطدم في قعر القعر، بينما من ادنى واجباتها ان تحمينا بالقوانين وتقدم لنا ابسط حقوقنا بالعيش والوصول الى برّ الأمان.