إيفون أنور صعيبي

تعميم "الحاكم"... "تأميم" ظالم لدولارات الفوائد

كلّ "الضروب" تؤدي إلى "جيوب" المودعين

5 كانون الأول 2019

02 : 00

المركزي" سيدفع الفوائد على الودائع لأجل بالدولار بنسبة 50% بالعملة الخضراء و50% بالليرة"

لمن لم تتسنَّ له الملاحظة، فإن مصرف لبنان أصدر أمس تعميمين، الأول كناية عن المسوّدة غير الموقّعة من الحاكم والتي تمّ استدراك الفضيحة في المادة الرابعة منها لناحية تجميد الفائدة بالليرة على الودائع بالدولار لمدة لا تقل عن سنة. عمليّاً يبرهن ذلك النهج المعتمد منذ العام 2016، حيث كانت المصارف تُغري العملاء لتجميد ودائعهم بالليرة بفوائد مرتفعة. اليوم ستكون الفوائد على الودائع المجمّدة بالدولار 50% بعملة الحساب، والذي لا يمكن للمودعين سحبه، أما الفائدة بالليرة فستُجمّد بـ"القوة"، وهذا يعني تقييداً لأموال المودعين، وفيه مخا لفة للقانون الذي ترك للعميل حرّية التصرف بالفوائد. أما التعميم الثاني فاستدرك الخطأ وشطب الفقرة الثانية من المادة الرابعة.

كان يمكن لتعميم مصرف لبنان أن يكون مفيداً للاقتصاد ككل لو صدر في أيّام "فورة" السيولة بالعملة الخضراء. ولكن بعدما جفّت الموارد الورقية، لا بل استُنزفت حتى آخر رمق، فإن تخفيض الفائدة على "بقايا" الدولارات ليس بالأهمّية التي يتم تصويرها، فهذه الخطوة قد أتت متأخرة. صحيح أن من شأن خفض الفوائد على ودائع المصارف لدى مصرف لبنان أن تخفّض الأكلاف الهائلة التي يدفعها مصرف لبنان من ميزانيته والتي قُدّرت بنحو 6 مليارات دولار سنوياً. ولكن الأهمّ يبقى في عدم التطرق الى القروض الاستهلاكية التي أفرطت المصارف بتسويقها لتورّط بها الغالبية الساحقة من المواطنين الذين يجدون أنفسهم اليوم عاجزين عن تسديد مستحقاتهم لهذه المؤسسات المالية. قيل إنّ خطوة المركزي "المتلكّئة" ستُتيح استعمال قسم من الودائع في عمليات تمويل الاقتصاد، ولكن عن أي اقتصاد يتحدّثون؟

خطوات خاملة

نصَّ التعميم في مضمونه على "تقيّد المصارف فوراً بالحد الأقصى لمعدّل الفائدة بنسبة 5% على الودائع بالعملة الاجنبية و8.5%على الودائع بالليرة اللبنانية". وفي التفاصيل، سيقوم مصرف لبنان، استثنائياً، بدفع الفوائد على الودائع لأجل بالدولار الأميركي المودعة لديه من المصارف العاملة في لبنان بنسبة 50% بالدولار الأميركي و50% بالليرة اللبنانية.

هذا، ويقوم "المركزي"، مشدداً على "استثنائياً"، بدفع فوائد شهادات الإيداع بالدولار الأميركي المصدّرة منه التي تملكها المصارف العاملة في لبنان بنسبة 50% بالدولار الأميركي و50% بالليرة اللبنانية.

من جهة أخرى، ألزم "المركزي" المصارف العاملة في لبنان بالتقيّد بالحدّ الأقصى لمعدّل الفائدة الدائنة على الودائع التي تتلقاها أو تقوم بتجديدها بعد تاريخ 4-12-2019 على الشكل التالي: 5% على الودائع بالعملات الأجنبية (دولار أميركي أو غيره من العملات الأجنبية) و8.5% على الودائع بالليرة اللبنانية. عن الموضوع يوضح مصدر مصرفي أنّ "تخفيض الفائدة مفيد، ولم يكن من الممكن خفضها في وقت سابق لأنها كانت ستشكل خطورة على التحويلات المتأتّية من الخارج كما أنها ما كانت لتشجّع المودعين الكبار على تجميد أموالهم. وما يحصل اليوم كناية عن تقييد محدود للرساميل (semi capital control)". ويتوقع المصدر أن "تشهد الايام المقبلة انخفاضاً اضافياً للفوائد والتي ستعيد تحريك العجلة الاقتصادية. الى ذلك، فإنّ المركزي من خلال اعطاء الفوائد على الودائع 50% بالدولار و50% بالليرة اللبنانية يحاول أن يحافظ على ما تبقّى من سيولة بطريقة تُجنّب إفلاسات المصارف والمودعين على حدّ سواء. ولو لم يقم "المركزي" بهذه الخطوة، لما تبقّى سيولة كافية للمصارف. ثمّ إنّ تحويل الفوائد جزئياً الى الليرة اللبنانية يُقلّل الخدمة على الدين مع الوقت. لكن هذه الخطوة بحاجة الى استكمال كما أنّ إقناع المودعين بتجميد أموالهم يتطلّب ليونة لناحية السحوبات، فعلى المركزي ضبط الموضوع لئلا تبقى هذه المسألة قضية استنسابية لكلّ مصرف على هواه".

فائدة... "بلا فائدة"

في اتصال مع "نداء الوطن" يوضح المحامي عماد الخازن أن "مصرف لبنان قسّم الفوائد التي يعطيها على اليوروبوندز ليصبح نصفها بالدولار والنصف الآخر بالليرة، بينما تخفيض الفوائد المصرفية أو وضع سقف لها فهي على إيداعات العملاء والتي حدّد سقفها الأعلى بـ 5% على الدولار و8.5% على الليرة على أن تسدد الفوائد على الودائع بالعملة الاجنبية بين 50% بحساب العملة و50% بالليرة. وقد تتقلّص الاعباء على المصارف نتيجة خفض الفوائد ولكن ليس بالضرورة أن تزيد ربحيتها كما أنّ تخفيض الفوائد لا يعني أن جميع المقترضين من المصارف سيستفيدون من تخفيض مماثل على فوائد قروضهم وذلك لعدة حسابات متعلقة بنوع القرض وتاريخه وطبيعته وجدوله، ومدة تسديده للمصرف وما اذا كان مرتبطاً بأي فائدة مرجعية كالـ BRR (beirut reference rate) او غيرها، اضافة الى نسبة استثمارات كل مصرف خارج إطار سندات الخزينة واليوروبوندز، وعليه سيتوجب أخذ كل مصرف على حدة لمعرفة ان كان سيسجل أرباحا أم خسائر". ويضيف الخازن" لو لم يتم شطب الفقرة المتعلقة بتجميد الفائدة بالليرة اللبنانية والتي وردت في مشروع القرار الذي تم تسريبه قبل اعادة نشر القرار النهائي الموقع من حاكم مصرف لبنان، لورّط ذلك المصارف مع عملائها وعرّضها لدعاوى ومطالبات قانونية بغض النظر ان كانت ستُجدي نفعاً أم لا، وذلك ان المصارف لن تقوم بحجز الفائدة خلافاً للعقود الموقّعة ودون أخذ موافقة العملاء المسبقة، ففي ذلك مخالفة لقانون النقد والتسليف ولقانون الموجبات والعقود". بعد اجتماع بعبدا أُشيعت قضية تخفيض الفوائد بنسب 50% وظنّ الناس أن هذا الخفض سيشمل قروضهم لكن ذلك غير صحيح فالقرار يشمل الودائع المجمدة التي تسقط مدتها بعد التعميم. أما الاتفاقيات السابقة فتبقى خاضعة لمفعول الفائدة القديمة ومعدلاتها. في ظلّ هذه المعمعة، يبقى ذوو الطبقة المتوسطة المتلاشية بلا حلول ملموسة فالذين استبشروا خيراً بخفض الفوائد على قروضهم، استهلاكية كانت أم سكنية، او حتى بطاقات اعتمادهم لن يستفيدوا، ولو حصل ذلك، بحسب عدد من المتابعين، فسيقتصر على إعادة جدولة للديون أو تمديد فرصة التسديد، ليبقى هؤلاء وحدهم هم الذين سدّدوا فواتير الهندسات المالية عبر اقتراضهم بنسب فوائد "مجنونة"... ووحدهم دفعوا ثمنها.


MISS 3