رفيق خوري

الرئاسة والجمهورية: لعبة الوراثة المزدوجة

31 آب 2022

02 : 00

مشهد "التضاريس السياسية" في لبنان تجاوز السوريالية: قمة البؤس السياسي، أعمق أودية البؤس المالي والإقتصادي والإجتماعي، وأعلى الأصوات في غطرسة القوة المهيمنة على السلطة الضعيفة. ولا شيء يوحي أن المسؤولين الذين أوصلوا اللبنانيين الى هذا المشهد يتخوفون من أية محاسبة أو يترددون في إجبار الضحايا على دفع الثمن. فهم يبحثون في كل المخارج غير الدستورية بدل الذهاب مباشرة الى الإستحقاق الدستوري. وما يعملون له ليس الحل بل الهرب منه الى المزيد والأخطر من الأزمات.

والكل يعرف ما يصطدم به اللعب خارج أصول اللعبة الدستورية: حكومة مستقيلة محكومة بتصريف الأعمال بالمعنى الضيق بوجود رئيس للجمهورية لا تستطيع ممارسة صلاحيات رئيس غائب. رئيس الجمهورية يصبح مغتصب سلطة إذا أصر على البقاء في قصر بعبدا بعد نهاية ولايته الدستورية. وحكومة كاملة الصلاحيات قادرة على أن تمارس صلاحيات الرئيس ليست الحكومة المستقيلة التي يتم ترميمها، ولا الحكومة التي يتم تأليفها خارج التوازنات النيابية الجديدة كأن الإنتخابات الأخيرة لم تحدث.

والمشكلة، فوق كل الأزمات، أن لبنان يبدو أسير حسابات لاعبين يصران على شراء أو استنزاف الوقت. واحد لا يرى في الدنيا ما هو أهم من أن يرث الرئاسة. وآخر يعمل بهدوء لكي يرث الجمهورية. لكن الظروف ليست ناضجة ولا ملائمة حالياً، لا لوراثة الرئاسة، ولا لوراثة الجمهورية. لا في الجانب الداخلي، ولا في الجانب الخارجي من لعبة السلطة أو من مخطط الذهاب الى لبنان آخر. فما العمل؟ الشغور الرئاسي هو "الإنقاذ". الشغور أفضل من مجيء رئيس آخر بالنسبة الى من يريد وراثة الرئاسة لأنه يعطيه فرصة للأمل في تغيير الظروف والحظوظ. وأفضل بالنسبة الى من يعمل لوراثة الجمهورية من مجيء رئيس ليس من خياره، على أمل أن تنضج الظروف الداخلية والخارجية. لكن الفراغ الحكومي ليس ملائماً مع الشغور الرئاسي، بحيث يحتاج اللاعبان الى حكومة كاملة الأوصاف يمسكان بالقرار فيها.

وتلك هي المسألة والمشكلة في آن. فاللعبة ليست محصورة بلاعبين فقط في الداخل. ولا هي مرتبطة بقوة إقليمية أو دولية واحدة في إطار الصراع الجيوسياسي في المنطقة. أطراف الداخل مختلفون على الأعداء والأصدقاء والجمهورية والرئاسة، وسط الإجماع في الخطاب على أن إسرائيل عدو. أميركا عند طرف مرتبط بإيران "عدو" والسعودية "خصم". إيران "عدو" عند طرف يراهن على الصديق الأميركي والشقيق السعودي. وأطراف الخارج مختلفون على أمور أكبر من لبنان، كما على دور لبنان وموقعه وإدارة النظام فيه. وليس الحديث عن إدارة الفراغ سوى وهم سيكتشف أصحابه عبثية الدوران في الفراغ.

يقول المؤرخ نيال فيرغوسون في كتاب "أقدار مشؤومة: سياسة إدارة الكوارث" إنه "نادراً ما نحصل على الكارثة التي نتوقعها". غير أننا في لبنان حصلنا على الكارثة التي نتوقعها، وأغلق الذين صنعوها طريق الخروج منها.