8 كتب تنقلك إلى عالم آخر

02 : 00

يحمل الهوس جانباً أدبياً بامتياز. غالباً ما تكون تجربة قراءة الروايات مرادفة للانغماس في أفكار الآخرين وحصر التركيز بصفحات الكتاب أمامنا. سواء كانت الشخصيات التي نتابعها مهووسة بالمعرفة أو الحب، لا مفر من أن ينجذب القراء إلى ما سمّاه الكاتب جيمس بالدوين "قوة نياغارا"، فنتخبط ونندفع ونغوص في عمق القصة إلى أن نصل إلى العبارة الأخيرة. تستكشف الكتب الثمانية التالية أبعاداً مختلفة للهوس، منها التعنّت المُسبّب لتدمير الذات. تستنتج هذه الكتب أن الهوس قد يصبح في الوقت نفسه عادة محفوفة بالمخاطر وأداة ضرورية للتحكم بأحداث قد تخرج عن السيطرة، لكنها تكشف بشكلٍ أساسي أن القصص لا يمكن سردها من دون درجة معينة من الهوس.

Michael Kohlhaas بقلم هاينريش فون كلايست






كان كلايست شاعراً رومانسياً، وكاتباً مسرحياً، وروائياً، وفيلسوفاً، وصحفياً، وقد أشاد به كتّاب حداثيون من أمثال فرانس كافكا وروبرت والسير. يعجّ كتابه بتناقضات قدرية، ومفارقات قاسية، ومحاولات عقيمة لفهم واقع غير متماسك. يكون "مايكل كولهاس"، بطل روايته العظيمة، تاجر خيول يتعرض اثنان من حيواناته للسرقة وسوء المعاملة على يد أحد النبلاء الفاسدين. يطالب "كولهاس" بمبلغ للتعويض عن سوء وضع الحيوانَين، لكن يرفض الرجل النبيل طلبه. ثم يُصَعّد تاجر الخيول المشكلة ويرفع دعوى ضده لكن يُرفَض طلبه أيضاً. ثم يهاجم قصر المعتدي، ويقتل أفراداً من أسرته، ويجمع جيشاً ويسير نحو "فيتنبرغ". بفضل الأسلوب الساخر النموذجي الذي عُرِف به كلايست، تتحول سرقة بسيطة إلى حركة تمرد فوضوية وسط الفلاحين. لكن ألم يكن "كولهاس" محقاً في ما فعله؟ لقد سرقوا أحصنته في نهاية المطاف. يكتب كلايست أن "مفهومه عن العدالة هو الذي حوّله إلى سارق وقاتل".



Zama بقلم أنتونيو دي بينيديتو






يخصّص الكاتب الأرجنتيني أنتونيو دي بينيديتو روايته الأولى لـ»ضحايا التوقعات»، ثم يستنتج أن الحياة التي يعيشها الناس سعياً لتأمين مستقبلهم ليست حياة حقيقية. تدور الأحداث في القرن الثامن عشر، حيث يريد الضابط الاستعماري الإسباني «دون دييغو دي زاما» أمراً بسيطاً: أن يتم نقله من مركزه المعزول في باراغواي إلى حياة جديدة ومعاصرة في إحدى المدن. سنقرأ مناجاة فردية طويلة حيث يُعبّر «زاما» عن مكنوناته ويُحدد خطته المضمونة للتحرر من المستعمرة. لكن حالما يتخذ أول خطوة للمغادرة، تنهار الخطة كلها دوماً. في تلك المرحلة، تتخذ الجوانب الكوميدية في قصة دي بينيديتو منحىً مأسوياً قبل أن تتصاعد الأحداث في الفصول الأخيرة وتصل إلى رؤية مفجعة عن الوضع البشري. في النهاية، يعكس تركيزه المفرط على مهمة واحدة وبسيطة ورغبته غير المُحققة في إتمامها تجربة شائعة جداً ومأسوية لأقصى حد.

The Face of Another (الوجه الآخر) بقلم كوبو آبي





تتّسم أعمال كوبو آبي بتحولات متلاحقة. في هذه الرواية، يتعرض السيد «أوكوياما»، عالِم في مجال البلاستيك، لحروق مريعة خلال حادث صناعي، فيتشوّه وجهه بالكامل. في المرحلة اللاحقة، يبدأ زملاؤه بتجنبه وتشعر زوجته بالنفور منه، ويكون رفضه جنسياً آخر مرحلة من زوال هويته القديمة. سرعان ما يبدأ بابتكار وجه جديد لنفسه، فيجمع المواد التي يحتاج إليها بأصعب الطرق، ويقيم في شقة جديدة، ويختبر القناع الذي اخترعه في أنحاء المدينة. وعندما يقرر «أوكوياما» وضعه على وجهه، يبدأ بالتصرف بطرقٍ مفاجئة، وكأن وجهه الجديد منحه هوية جديدة، فأصبح شخصاً مختلفاً بالكامل. يتأثر «أوكوياما» بالاحتمالات الجديدة التي يقدمها له هذا الوجه لدرجة أن يبدأ بعيش حياة موازية ويقرر في النهاية إغواء زوجته الحقيقية، فيخدعها ويستبدل نفسه بنفسه. لكن لا مفر من أن يندهش القراء بهذه الأحداث ويتساءلوا: هل يمكن أن يتغير الناس بهذه السهولة.

Season of Migration to the North (موسم الهجرة إلى الشمال) بقلم الطيب صالح






في هذه الرواية للكاتب والمذيع السوداني الطيب صالح، يعود شاب من جامعة إنكليزية إلى بلدته المطلة على نهر النيل. هو «رجل متجوّل»، وقد عاد إلى دياره وهو مُحَمّل بالمعارف وبثقة عارمة بالنفس بعد حقبة الاستعمار. لكنه يتزعزع بالكامل حين يقابل «مصطفى سعيد» الذي اتخذ المسار نفسه، فانتقل من وطنه إلى عاصمة استعمارية قبل أن يعود إلى دياره مجدداً. كانت الفترة التي أمضاها «مصطفى» في إنكلترا كارثية، فقد اضطر لتغيير شخصيته كي يتماشى مع قيم الإمبريالية الإنكليزية، وقد ترك هذا التحول ندوباً روحية فائقة لديه. هو يعتبر حياته «كذبة» ويقرر الانتقام من مجموعة نساء إنكليزيات، فيعمد إلى إغوائهنّ والتلاعب بهنّ قبل أن يتجاهلهنّ ويدفعهنّ إلى الانتحار. لكن لتنفيذ هذه العملية، سيضطر لتحقير نفسه مجدداً، فيُحقق رغباتهنّ الاستعمارية ويتخلى عن هويته الحقيقية.

In the Eye of the Wild (في عين البرية) بقلم ناستاسيا مارتن





في العام 2015، هاجم دب عالِمة الأنثروبولوجيا الفرنسية، ناستاسيا مارتن، حين كانت تجري الأبحاث عن شبه جزيرة «كامتشاتكا» الروسية وكاد الهجوم يودي بحياتها. هذه المذكرات هي أشبه بهلوسات شخصية، وتقدّمها الكاتبة بصيغة المتكلم. تبدأ الأحداث في تلك اللحظة العنيفة وتُرافق مارتن خلال الجراحة التي خضعت لها ثم مرحلة تعافيها، حيث حاولت أن تفهم الشخص الذي أصبحت عليه. تتكل مارتن على خلفيتها في علم الأنثروبولوجيا وصداقاتها في «كامتشاتكا»، لكنها ترتكز أيضاً على شعورٍ يؤكد لها أنها تغيرت بدرجة معينة بعد ذلك الهجوم. هي تغوص في أعماق حالتها الجديدة، فتتحول إلى امرأة تعيش بين عالمَين: عالم البشر والدببة. لا تكف راوية القصة المهووسة عن البحث عن معنى ما أصابها، لكن من الواضح أن الدب الذي هاجم مارتن هو من اختار الوضع الذي وصلت إليه.

Atmospheric Disturbances (اضطرابات جوية) بقلم ريفكا غالشين





في أول رواية كتبتها ريفكا غالشين، يعود الدكتور «ليو ليبنشتاين» إلى منزله ويكتشف أن زوجته «ريما» استُبدِلت بنسخة مطابقة عنها. قد تتصرف «ريما» المزيفة مثل الزوجة الأصلية على جميع المستويات وقد تُقسِم أنها زوجته فعلاً، لكنه يعرف أنها ليست هي لسببٍ ما. إنه مجرّد شعور ينتابه. سرعان ما يبحر «ليو» في رحلة مشينة إلى «بوينس آيرس»، ثم يتجه إلى جنوب «باتاغونيا» لاكتشاف حقيقة ما أصاب «ريما». لقد تغيّر جانب من زواجهما طبعاً، فترسّخ برود طفيف في علاقتهما وزادت المسافة بينهما. مع ذلك، يرفض «ليبنشتاين» تقبّل فكرة شائعة ومدمّرة عن احتمال ابتعاده عن زوجته. تُغلّف غالشين هذا الرفض بأجواء من التشويق ثم الكوميديا، لكن من دون الإغفال عن حجم اليأس الكامن وراء هذه الأحداث. يُصِرّ بطل القصة على أكثر الاحتمالات خيالاً ودراماتيكية، فيفعل كل ما يلزم لتجاهل احتمال أن يخسر حب زوجته.

Sweet Days of Discipline (أجمل أيام الانضباط) بقلم فلور جايغي





الهوس يُوجّه انتباهنا، فيدفعنا إلى التركيز على شخص واحد، أو فكرة واحدة، أو قصة معينة، لدرجة أن نتجاهل جميع العوامل الأخرى. في هذه الرواية المدهشة التي كتبتها جايغي عن الانتقال إلى مرحلة النضج، يدرس الراوي الذي لا يحمل اسماً محدداً في «معهد باوسلر». في أحد الأيام، تصل فتاة جديدة اسمها «فريديريك»، فينجذب الراوي إليها نظراً إلى دقة تركيزها، وخط يدها المميز، واستعدادها للبقاء وحيدة. تعجّ الرواية بأوصاف دقيقة على نحو صاخب. تحافظ «فريديريك» على مسافة من الراوي طوال الوقت. ثم يتّضح في الفصول الأخيرة من الكتاب أن تلك الفتاة أخفت حياتها الداخلية بالكامل عنه. هو يكتشف الحقيقة حين يقابل صديقها المقرب في شوارع باريس بعد مرور سنوات عدة.

The Longcut (المسار الطويل) بقلم إيميلي هول






قد يكون الأدب أفضل قناة لاستكشاف الهوس، لكن تكثر المواضيع التي يستطيع الفنانون من جميع القطاعات أن ينهوسوا بها، بما في ذلك طبيعة الفن الذي يقدمونه. ينطبق ذلك على الشخصية الرئيسية في أول رواية كتبتها إيميلي هول. تكون الراوية هذه المرة فنانة بصرية في طريقها لمقابلة مُنظّم معارض وتفسير طبيعة أعمالها. إنه موضوع شائك، وهي تعترف منذ البداية بأنها تتساءل دوماً عن حقيقة ما تفعله. ترتكز رواية هول على سلسلة من العبارات الطويلة والمتكررة والمفصّلة التي تحمل إشارة إلى الذات، فتعود إلى السؤال نفسه مراراً وتُكرر تفاصيل متشابهة لكن من زوايا مختلفة، وتُردّد العبارات نفسها لكنها تُغيّر الجوانب التي تُركّز عليها في كل مرة. سرعان ما يطغى هذا الصراع في طريقة صياغة الأفكار على الكتاب كله، ويتّضح ذلك في المواقف التي تستعمل العبارات نفسها. لكن مع اقتراب النهاية، تتوصل الراوية إلى جانب مختلف بالكامل وتُركّز على أسلوب النفي.