غورباتشيف.. الرجل الذي قضى على الاتحاد السوفياتي عن غير قصد

13 : 04

تثير وفاة ميخائيل غورباتشيف آخر زعيم للاتحاد السوفياتي، عن 91 عاماً مساء الثلثاء في روسيا، إشادات كثيرة اليوم الأربعاء في الدول الغربية تحيي إصلاحاته الديموقراطية ودوره الحاسم في إنهاء الحرب الباردة.


توفي غورباتشيف مساء الثلثاء بعد معاناته من "مرض عضال وخطر"، على ما أفاد "المستشفى المركزي العيادي" التابع للرئاسة الروسية حيث كان يعالج.


ويحظى غورباتشيف الذي وصل إلى السلطة في 1985، باحترام كبير في الدول الغربية فيما يأخذ عليه جزء من الروس مساهمته في انهيار الاتحاد السوفياتي.

وكان غورباتشيف آخر زعيم لا يزال على قيد الحياة من حقبة الحرب الباردة التي يتردد صداها راهناً منذ قرار الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا في 24 شباط الماضي.


وقبل وفاته لم يعلن الراحل عن موقف علني من الغزو الروسي لأوكرانيا. وهذا النزاع الذي اتّسم بضراوة غير مسبوقة في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يُنظر إليه في الغرب على أنّه مؤشر لمحاولة إحياء الإمبراطورية الروسية.


أمضى غورباتشيف القسم الأكبر من العقدين الماضيين على هامش الحياة السياسية في روسيا، وكان يدعو بين الفينة والأخرى كلاً من الكرملين والبيت الأبيض إلى إصلاح العلاقات الأميركية - الروسية بعدما تصاعدت التوترات بين واشنطن وموسكو إلى المستوى الذي كانت عليه خلال الحرب الباردة منذ ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم في 2014 ثم غزوها أوكرانيا في شباط الماضي.



رجل سلام

كان غورباتشيف الحائز جائزة نوبل للسلام العام 1990 تقديراً لخفضه حدة المواجهة بين الشرق والغرب بشكل كبير، احتفظ بتقدير كبير في الدول الغربية. قد استدعت وفاته ردود فعل مشيدة.


فرأى الرئيس الأميركي جو بايدن في غورباتشيف "رجل دولة قل مثيله" فيما اعتبره الفرنسي إيمانيول ماكرون "رجل سلام".


وأشادت الصين الأربعاء بالدور الذي لعبه آخر رئيس للاتحاد السوفياتي في التقارب بين بكين وموسكو بعد قطيعة استمرت ثلاثة عقود.


وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو ليجيان أمام الصحافيين إن "غورباتشيف كانت له مساهمة إيجابية في تطبيع العلاقات بين الصين والاتحاد السوفياتي".


وكتب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في تغريدة: "في زمن عدوان بوتين على أوكرانيا التزامه الدائم لانفتاح المجتمع السوفياتي يبقى مثالاً نحتذي به جميعاً".


كذلك أشاد الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير بغورباتشيف شاكراً "مساهمته الحاسمة في توحيد ألمانيا".


وقال شتاينماير في بيان اليوم إن غورباتشيف أثبت بأفعاله أنه "رجل دولة كبير" يمتلك "الشجاعة الكافية للانفتاح الديمقراطي وبناء جسور بين الشرق والغرب" وإحلال السلام في أوروبا، مضيفا أن هذا الحلم "انهار، حطمه هجوم روسيا الوحشي على أوكرانيا".



إلا أن إرث غورباتشيف في روسيا لا يحظى بالتقدير نفسه.



فرغم انه سمح بانتشار حرية التعبير، يرى الكثير من الروس أن الراحل هو المسؤول في النهاية عن انهيار الاتّحاد السوفياتي وخسارة روسيا وضعها كقوة عالمية عظمى والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تلت ذلك.



وفي موسكو وبعدما قدم بوتين "تعازيه الحارّة" لأسرة الراحل فجر اليوم، عاد الرئيس الروسي ليؤكد أن غورباتشيف كان له "تأثير كبير على مسار التاريخ في العالم".



وأضاف بوتين في برقية تعزية نشرها الكرملين أنه "قاد بلادنا خلال فترة من التغييرات المعقدة والمؤثرة وتحديات سياسية كبيرة خارجية واقتصادية واجتماعية".



وأكد أن غورباتشيف "أدرك جيدا أن الإصلاحات ضرورية وجهد لاقتراح حلوله الخاصة للمشاكل الداهمة".



تفكك الاتحاد السوفياتي


ولد غورباتشيف العام 1931 في عائلة متواضعة الحال في جنوب غرب روسيا وقد ارتقى سريعاً في الحزب الشيوعي السوفياتي وصولاً إلى زعامة الاتحاد السوفياتي في 1985.

حتى استقالته في العام 1991 التي شكلت نهاية الاتحاد السوفياتي، أطلق سلسلة إصلاحات سياسية واقتصادية عرفت باسمي "بيريسترويكا" (إعادة الهيكلة) و"غلاسنوست" (الشفافية) هدفت إلى تحديث الاتحاد السوفياتي الذي كان يعاني من أزمات حادّة.



وواجه ازمات هائلة مثل كارثة تشرنوبيل (1986) وحركات انفصالية في أرجاء الاتحاد السوفياتي قمعها بشكل جزئي. وحاز العام 1990 جائزة نوبل للسلام مكافاة على "إنهائه الحرب الباردة سلمياً".


ويقف كذلك وراء انهاء الغزو السوفياتي لأفغانستان فيما لم يعترض مسار سقوط جدار برلين.



إلا ان السنوات التي تلت تفكك الاتحاد السوفياتي في 1991، أصابت الروس بصدمة لا تزال راسخة في الأذهان مع فقر مدقع وفوضى سياسية وحرب دامية في الشيشان.


ومع وصول فلاديمير بوتين والذي يعتبر انهيار الاتحاد السوفياتي "أكبر كارثة جيوسياسية" في القرن العشرين إلى السلطة في 2000، أخضعت الدولة المجتمع الروسي وسعت إلى إعادة فرض روسيا كقوة عظمى على الساحة الدولية.


وبقيت العلاقات بين غورباتشيف وأسياد الكرملين الجدد معقدة إن كان مع أول رئيس روسي بوريس يلتسين (1991-1999) خصمه اللدود أو مع فلاديمير بوتين الذي انتقده رغم انه رأى فيه فرصة لتطوير روسيا بشكل مستقر.


وبعد محاولة فاشلة للعودة إلى السياسة في تسعينات القرن الماضي، كرس غورباتشيف جهوده لمشاريع انسانية.


وكان أحد الداعمين الرئيسيين لصحيفة "نوفايا غازيتا" المستقلة الرئيسية التي اضطرت في آذار إلى تعليق صدورها في خضم حملة قمع لمنتقدي الهجوم على أوكرانيا.



في الأسابيع الأخيرة ذكرت وسائل إعلام روسية أن غورباتشيف يعاني من مشاكل صحية متكررة.


ونقلت وكالة "إيتار تاس" للأنباء عن مصدر لم تسمه إنه سيدفن في موسكو بجوار زوجته رايسا التي توفيت العام 1999. 

MISS 3