رفيق خوري

حرب الإفقار أخطر من الحرب الأهلية

7 كانون الأول 2019

14 : 49

بول فولكر كان مع آلان غريسنبان من أبرز الذين تولوا رئاسة بنك الإحتياط الفيديرالي الأميركي. فولكر الشاب في خمسينات القرن الماضي كان موظفاً في فرع البنك في نيويورك، فقال لزوجته: "لا أمل في ترقية لأن قيادة البنك تضم مصرفيين ومحامين وصاحب مزرعة خنازير في أيوا، وليس هناك اقتصادي واحد". ومن قبل، قال رئيس للبنك اسمه وليم مارتن الذي كان سمسار أسهم: "لدينا عدد قليل من الإقتصاديين نضعهم في الطبقة التي تحت الأرض. هم في المبنى لأنهم يطرحون أسئلة جيدة، وتحت الأرض لأنهم لا يعرفون حدودهم". لكن فولكر أعاد الإعتبار إلى الإقتصاديين في البنك بعدما تولى رئاسته. وهو يقول من باب خبرته الطويلة أنه "ما من مصرف مركزي يستطيع أو يجب أن يدير سياسة نقدية لمدى طويل بعيداً من الأساس والأهداف المستمرة للنظام السياسي".

وليس غريباً على مزاج المقاول أن يقول الرئيس دونالد ترامب: "مشكلتنا ليست الصين بل بنك الإحتياط الفيديرالي". لماذا؟ لأن رئيس البنك جيروم بويل الذي اختاره ترامب يمارس الإستقلالية الكاملة المكرسة عن كل السلطات، ويرفض طلب البيت الأبيض خفض معدل الفائدة بقوة وسرعة. فماذا في لبنان بالمقارنة مع ذلك؟ ولماذا تضع الثورة الشعبية أهل السلطة والمال من تركيبة سياسية ومصرف مركزي ومصارف في سلة واحدة؟

السلطات متداخلة في لبنان وتدار بالتحالف بين أمراء الطوائف والأوليغارشية وأغنياء الحرب والسلطة. مصرف لبنان بلا اقتصاديين في قيادته. حاكمه جيء به من "مريل لينش". نواب الحاكم انتهت مدتهم من دون تعيين بدائل. التركيبة السياسية الحاكمة استمرت منذ التسعينات في ممارسة سياسة مالية واقتصادية خاطئة بالقصد. والمصرف المركزي استمر في تنفيذ سياسة نقدية جامدة صارت مثل بديل من السياسة المالية والإقتصادية. لا بل اقترض من المصارف بدل أن يتولى إقراضها.

والنتيجة؟ أزمة نقدية ومالية واقتصادية وسياسية ووطنية تهدد الوطن الصغير بالإنهيار. وليست أزمة السيولة سوى جزء من الأزمة الشاملة. والمسؤولية تقع طبعاً على أهل السلطة والمصرف المركزي والمصارف. فهم مارسوا سياسات و"هندسات" زادت في إثراء الأمراء والأوليغارشية، وأفقرت الطبقة الوسطة وزادت في فقر الطبقة الفقيرة. وهم يتنصلون من المسؤولية، ولا يجدون حرجاً في تحميل الضحايا المسؤولية وإذلالهم وحجز أموالهم في المصارف. ولا شيء يوحي أنهم تعلموا أي درس. لا من قوة الأزمات. ولا من قوة الثورة. فالمحاصصة مستمرة، ولو تغيرت وجوه في الحكومة المفترضة. وحرب الإفقار والإستئثار بالسلطة ليست أقل خطورة من الحرب الأهلية.


MISS 3