ريتا ابراهيم فريد

في اليوم العالمي للوقاية من الإنتحار

المعالجة النفسية جويل جابر: لا تتردّدوا في طلب المساعدة

10 أيلول 2022

02 : 01

أحياناً، تكفي لحظة واحدة لينتهي كلّ شيء. تكفي لحظة ضعف أو غضب أو إحباط، كي نترك خلفنا أحبّاء وأصدقاء مفجوعين برحيل الى غير رجعة. الإنتحار هو نوع من الموت الذي يمكننا تجنّبه، حيث أثبتت الدراسات أنّ عدداً كبيراً من الذين يقدمون على هذه الخطوة، إنما هم يرغبون بالتخلص من الألم المرتبط بوضع معيّن. لذلك فالتدخّل في الوقت المناسب وتقديم الدعم النفسي، سيساعدهم على تخطّي هذه الفكرة. وفي اليوم العالمي للوقاية من الإنتحار الذي يصادف 10 أيلول من كل عام، تواصلت "نداء الوطن" مع جويل جابر، المشرفة على الخط الساخن 1564، والمعالجة نفسية في عيادة "إمبرايس" للصحة النفسية، التي شدّدت على أهمية كسر الصمت حول موضوع الإنتحار وعدم التردّد في طلب المساعدة.

كيف يمكن وصف مرحلة الذروة التي يبلغها الإنسان كي يفكّر بإنهاء حياته؟

لطالما حاول العلماء أن يدرسوا ظاهرة الإنتحار لفهم الأسباب التي تدفع بالإنسان كي ينهي حياته. الإنسان الذي يفكّر بالإنتحار هو شخص يشعر بألم كبير، وألمه أكبر من قدرته على تحمّله. يصل الى مرحلة يشعر فيها أنّ الإنتحار هو الوسيلة الوحيدة التي يمكنه من خلاله أن يضع حدّاً لأوجاعه. تبيّن من خلال الدراسات، إضافة الى ما نلاحظه في تعاطينا مع بعض الحالات في جمعية "إمبرايس"، أنّ الإنتحار ليس مرتبطاً بعامل واحد، بل هناك عوامل عدّة تجتمع وتتفاعل قبل أن تدفع بالإنسان للتفكير بالرحيل. قد تكون عوامل بيولوجية، عوامل نفسية، إجتماعية وإقتصادية... من هُنا، لا بدّ لمسألة الوقاية من الإنتحار أن تطال مختلف الصعد. مثل الدعم النفسي، الروابط الإجتماعية التي شهدت تفكّكاً خلال السنوات الثلاث الأخيرة، الأمان الإقتصادي والإجتماعي، البيئة الحاضنة، فرص العمل والتعليم، السياسات التي تحمي من العنف والاضطهاد، علاجات نفسية متاحة لكافة الشرائح الإجتماعية من دون أي تمييز، وتعليم الأطفال مهارات حياتية في سنّ مبكرة. الشباب اليوم يتعرّضون لضغوطات مختلفة تتفاعل كي يصل الإنسان الى ألم لا يٌحتمل وعتمة يشعر أنّه عاجز عن الخروج منها.

من المعروف أن الشخص الذي يفكّر بالإنتحار، قد يرسل إشارات أو رسائل عن الأفكار التي تراوده. ما هي أهمّ التحذيرات التي يجب أخذها على محمل الجدّ؟

صحيح، هناك قسم كبير من الذين يفكّرون بإنهاء حياتهم، يُظهرون بعض الإشارات التي نسميها warning signs أو علامات تحذيرية، والتي يجب أن تؤخذ دوماً على محمل الجدّ، لأنها تشير الى أنّ هذا الشخص يحتاج الى المساعدة. وهي تتضمّن شقّاً عاطفياً، مثل الشعور بفقدان الأمل، أو الشعور بأنه مسجون ومقيّد وغير قادر على التحرّر، إهتمام لافت بالموت، تقلّبات مزاجية، فقدان لأي رغبة بالحياة. الشقّ الثاني مرتبط بالتصرّفات، مثل التخلي عن الممتلكات، التصرّف بتهوّر، كتابة وصية، الإنسحاب من النشاطات اليومية، تراجع في أدائه في العمل أو الدراسة. والشقّ الثالث مرتبط بإهمال النفس، إهمال الصحة أو المظهر الخارجي، إضافة الى تغيّرات في الوزن أو في الشهية على الطعام.






ماذا عن نظرية أن من يرسل هذه الإشارات يرغب فقط في لفت الأنظار والحصول على الاهتمام؟

كما ذكرنا منذ قليل، هذه العلامات يجب أن تؤخذ دوماً على محمل الجدّ. فهي ليست أبداً دليلاً على الرغبة في لفت الأنظار، بل دليلاً على ألم كبير وطلب للمساعدة.

إذاً كيف يمكن لنا كأصدقاء أو أقرباء أن نتدخّل لمساعدة الشخص الذي يرسل هذا النوع من الإشارات؟

علينا أن نظهر اهتمامنا بأوجاعه، وأن نصغي الى أفكاره وأحاسيسه، وأن نعرف كيف يفكر والى ماذا يحتاج. وفي حالات معيّنة، يمكننا أن ننصحه باللجوء الى مساعدة إختصاصي، سواء كان طبيباً نفسياً أو معالجاً.

البعض يعتبر أنّ الحديث الدائم عن الإنتحار من شأنه أن يشجّع على القيام بهذه الخطوة عبر تقديمها كحلّ للمشاكل. ما رأي علم النفس في هذا الموضوع؟

الحديث عن الإنتحار أو كسر الصمت حوله هو أوّل وسيلة للوقاية منه. علماً أنّ وصمة العار تشكل أحد أبرز الأسباب التي تمنع الناس من اللجوء الى المساعدة. أظهرت إحدى الدراسات أنّ 53% من الراشدين اللبنانيين يؤكّدون أنّ وصمة العار هي السبب الأساسي الذي يمنعهم من اللجوء الى العلاج، الذي يشكّل بدوره خطراً كبيراً عليهم. من الضروري كسر الصمت في موضوع الإنتحار، وهُنا نعود الى الشعار الذي أطلقناه في جمعية "إمبرايس": الحكي بيطوّل العمر.

مع كل حالة انتحار جديدة تخرج الى العلن، تضجّ مواقع التواصل بالخبر. لكننا بتنا نشهد ظاهرة تناولها كعملٍ بطوليّ أو وسيلة للتحرّر. ما خطورة هذا الأمر؟

هذا ما يُعرف بـ"عدوى الإنتحار". ويكون خطيراً عندما يتمّ الحديث عن الإنتحار كوسيلة للراحة وللخلاص. من جهة أخرى، يشكّل التداول بالوسائل المستخدمة للإنتحار خطراً على الأشخاص ذوي الميول الإنتحارية. فمن الضروري التنبّه لهذا الأمر، والتعامل معه بوعي.

كشابة لبنانية ناشطة في مجال الصحة النفسية، هل من رسالة للشباب اللبناني الذي يشعر اليوم باليأس والإحباط؟

أقول لهم: نحن نشعر بكم. "نحنا سامعينكن". ونحن الى جانبكم في أوجاعكم. أدعوهم ألّا يتردّدوا في طلب المساعدة، وأن يتحدّثوا عن هذا الألم الكبير الذي يشعرون به. فهو ثقيل جداً، ونحن نعلم ذلك، وأثقل من قدرتهم على تحمّله بمفردهم.






كلمة عن أهمية المشاركة في مسيرة الفجر السنوية لـ"إمبرايس" لكسر الصمت ورفع الوعي حول الوقاية من الانتحار؟

مسيرة الفجر هي رمز للأمل الذي نتمسّك بوجوده رغم كل التحدّيات والأزمات المتتالية. ونسير كي نؤكّد لكلّ من يشعر أنّه متعب أو محبط، أننا الى جانبه كي نساعده على رؤية الضوء والأمل.

في العام 2021، فقد لبنان 145 شخصاً جراء الانتحار، بمعدّل 7-16 شخصاً في الشّهر الواحد. ومن الجدير ذكره، أنّ نسبة الانتحار في العام 2021 كانت أعلى لدى فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و27 عاماً (بمعدّل 39%). وبالتالي، لبنان يخسر قسماً كبيراً من أبنائه، خصوصاً من الفئة الشبابية.

لمناسبة اليوم العالمي للوقاية من الإنتحار، تدعو أسرة Embrace الى مسيرة تنطلق فجر يوم الأحد 11 أيلول 2022، عند الساعة 5:00 صباحاً. اللقاء أمام بيت ورد – الروشة. آخر نقطة بالقرب من موقع صخرة الروشة.


MISS 3