رفيق خوري

أزمة حكم ونظام: أي "مؤتمر تأسيسي"؟

14 أيلول 2022

02 : 00

كان هنري أدامز، وهو من رعيل الإستقلال الأميركي، يقول: "السياسة هي التنظيم المنهجي للحقد". أما في كتب العلوم السياسية، فإنها "فن إدارة شؤون الناس". وأما في لبنان، فإنها فلتان الحقد وفن إدارة الفساد والسطو على المال العام والخاص. فضلاً عن سياسة العمل بالمقلوب في أيام المحنة. بدل ترتيب تسوية ما لمشكلة الحكومة، نذهب الى أزمة حكم. بدل إعطاء الأولوية لإخراج لبنان من "جهنم" ندفعه الى طبقة أعمق في الجحيم. وبدل ترك المحقق العدلي طارق البيطار يكمل تحقيقاته في تفجير المرفأ لكشف الحقيقة وإنصاف الضحايا بتقديم المجرمين الى العدالة، نكبل يديه بدعاوى الرد والخصومة في أكبر تعسف في إستعمال الحق ونقطع الطريق على بت الدعاوى، عبر إمتناع وزير المال من دون حق ولسبب مفتعل عن توقيع التشكيلات المتعلقة برؤساء محاكم التمييز، ثم نعيّن خلافاً للقانون والتقاليد القضائية محققاً رديفاً بحجة النظر في مسألة الموقوفين.

لكن على الذين يأخذوننا الى أزمة حكم، سواء بالخطأ أو بالعناد أو بالقصد، أن يدركوا أنها تقود حتماً الى أزمة نظام. فكيف نواجه أزمة النظام؟ بالذهاب الى "مؤتمر تأسيسي" بعد ثلاثة عقود من مؤتمر الطائف الذي أنتج على أيدي النواب والرعاية العربية عبر اللجنة الثلاثية والمتابعة الدولية إتفاق الطائف، الذي صار دستوراً وأوقف حرب لبنان الطويلة؟ أليس تطبيق الطائف هو الأفضل والأسهل؟ ثم من هم الذين سيذهبون الى المؤتمر التأسيسي؟ إنهم أهل الأزمة العاجزون عن تأليف حكومة وإنتخاب رئيس، ولن يصبحوا قادرين على تأسيس نظام جديد. والأهم هو القراءة في موازين القوى وموازين المصالح. فالخلل كبير في الموازين الداخلية. والإهتمامات مختلفة وتتركز على قضايا عدة في المنطقة والعالم عند أصحاب الموازين الإقليمية والدولية. والطرف القوي عسكرياً وديموغرافياً هو الذي سيفرض شروطه في بلورة نظام آخر للبنان آخر. وهذه نهاية لا بداية.

ذلك أن الدرس مكتوب على الجدار في قصة الدولة والدويلة. أصحاب الأحلام الرومنطيقية يطالبون بنوع من التفاهم على تفكيك الدويلة ليصبح ما يسمى قرار الحرب والسلم في يد الدولة. وبعضهم يطلب تفكيك الدويلة بلا إتفاق لأن الوصول اليه مهمة مستحيلة. أما أصحاب الدويلة، فإنهم يراهنون على القوة التي في يدهم، والمحور الإقليمي الذي هم جزء منه، وعلى تفرّق خصومهم، لتفكيك الدولة ودمجها في الدويلة التي هي نواة "الدولة".

وليس ما نعيشه سوى ضجيج حول معركة رئاسة لجمهورية غائبة. جمهورية يتلاعب المتسلطون عليها بأزمة حكم مفتعلة في مباراة على ما يسمونها إدارة الفراغ وهي مجرد دوران في الفراغ. نوع من الرهان على "الجنرال فراغ" لربح وقت يمكن أن يعطيهم بديلاً من فرصة ضاعت. والجنرال فراغ يقاتل عملياً ضد لبنان الذي عرفناه وليس حليف الضعفاء.

ألم يقل لينين "إن ما يحتاجه المرء لإسقاط نظام ليس منظمة قوية بل منظمة ثوريين؟".


MISS 3