خالد العزي

هل تنطلق شرارة المنافسة على خلافة بوتين؟

15 أيلول 2022

02 : 01

علامات استفهام كبرى بدأت ترتسم حول المستقبل السياسي لبوتين (أ ف ب)

إنقضى الشهر السادس على الحرب الأوكرانية الروسية وما ترتب عليها من عقوبات وخسائر للطرفين، ولكن قيادة روسيا لم تُعزّز سلطتها أو توحد الجماعات السياسية والاقتصادية المؤثرة حولها.

لو كان الرئيس فلاديمير بوتين حقق النصر سريعاً لكان واضحاً تغيّر أمور كثيرة. لمّا أطلق بوتين «عمليته الخاصة» اعتمد على مخزونه الشخصي ضدّ كييف التي صمدت ودُعمت خارجيّاً، ما أطال أمد الحرب، بحيث اضطرت النخب الروسية للتفكير بمستقبلها وايجاد مكان لها في روسيا القادمة.

لا يزال بوتين يُسيطر على السلطة بقبضته الحديدية، ولذا باتت النخب وحلفاؤه المحتملون يراقبون كل دافع عسكري له، وباتوا يرون أن لا مكان له بعد الحرب، بل يجب أن يقتصر دوره بترشيح خليفة له ومغادرة مسرح الأحداث.

لم تخل الصالونات السياسية في روسيا في السنوات الأخيرة من النقاشات التي تبقى طي الكتمان، ولكن حاليّاً أصبحت التصريحات الصاخبة والمبادرات السياسية الواضحة هي السائدة.

الإدارة الرئاسية تعمل بصمت للبقاء في السلطة، بينما حصر كبار المسؤولين في حزب «روسيا الموحدة» الحاكم بأنفسهم صلاحية في الإدلاء بوعود تتعلّق بالسياسات الاجتماعية. ويمكن أن نرى حملة المنافسة بين الصقور التي يمثلها كل من:

- دميتري ميدفيديف، الرئيس السابق الذي انشغل بالإدلاء بالتصريحات المتشددة المبالَغ فيها المتعلّقة بقضايا السياسة الخارجية والإهانات الموجهة للقادة الغربيين، فالمتاعب الداخلية سببها الأعداء الخارجيون.

- سيرغي كرينكو، رئيس الوزراء السابق والمشرف على الجمهوريات المنفصلة في دونباس. وقد أصبح أحد أبرز السياسيين في العهد الجديد منذ أن أصبح مبعوثاً رئاسيّاً في مطلع القرن الحالي، ولم يظهر مطلقاً أي ميل للأضواء.

كرينكو الذي يرتدي الزي الكاكي ويتحدّث بصوت عالٍ عن الفاشيين والنازيين والمهمة الفريدة للشعب الروسي، أصبح يتصدر الأحداث العامة. وهو لم يُشارك بصورة مباشرة بالحملة العسكرية، وقد نجح بوضوح أن تكون له مكانة لدى بوتين.

- فياتشيسلاف فولودين، رئيس مجلس الدوما. فمنذ انتقاله من الكرملين (كنائب أوّل لرئيس ديوان الرئاسة) إلى مجلس الدوما، كثّف فولودين من تواجده العلني بإدلائه بالعديد من التصريحات الاستفزازية وبفرض حظر على استخدام كلمات أجنبية على واجهات المحال، ودعوته للإبقاء على عقوبة الإعدام في الجمهوريتين الحديثتين.

وهناك مسؤولون تبنّوا استراتيجية مختلفة تماماً، بحيث اختاروا الابتعاد قدر الإمكان عن موضوع «العملية الخاصة» والإعلام، وهذا الجناح يمثل الحمائم في الحزب الحاكم مثل:

- رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين وعمدة موسكو سيرغي سوبيانين، وكلاهما كانا يعدّان من المنافسين لخلافة بوتين قبل الحرب، والتزما الصمت. إن التفسير المنطقي لصمتهما، هو أن الحرب أمر موَقت، وأن العلاقات مع الغرب وحتى مع أوكرانيا، سيتعيّن استعادتها لاحقاً. لم يوجه أي منهما إهانات لـ»الدول المعادية»، ولم يُشاركا بصورة مباشرة بالحملة العسكرية.

وتعكس الاستراتيجيتان بتوجهات الصقور والحمائم في حزب «روسيا الموحدة» في طرح المبادرات العالية الصوت والصمت المطبق، والمواقف والافتراضات المختلفة ممن ينتهجونها. فالصقور يتصرّفون على أساس أن بوتين هو الذي سيختار خليفته، لذلك فهم يقلّدون تصرّفاته محاولين كسب ودّه. أمّا من يلتزمون الصمت، فإنهم يعتمدون على سيناريو مختلف للخلافة، يتمثل بانتخاب النخب لخليفة بوتين.

وتُعدّ إدارة الرئاسة للانتخابات في 2024، ومن الواضح من الذي سيكون له الدور المركزي. فالحرب واحتمال ضم المزيد من الأراضي يحولان دون أن تكون هناك حاجة ليُقدّم بوتين برنامجاً من أي نوع. فهو يريد أن يشارك في الانتخابات باعتباره الرجل الذي هزم النازية (بغض النظر عن النتائج الفعلية للغزو).

يبقى الاهتمام لسباق الخلافة من جانب معظم كبار أفراد النخب الذين يريدون مناقشة و»رؤية» مستقبل ما بعد بوتين. ومهما كان شكل ذلك المستقبل، يبدو أن فرصة بوتين فيه ضئيلة للغاية.

السؤال المهم الذي يطرح نفسه أمام الرأي العام الدولي والمحلي: هل سيقبل الغرب بهذه الشخصيات للتعامل مع السلطة القادمة وتعويم دورها المخفي مجدّداً، كما تعامل مع بوتين الذي دعم من الغرب لأجل ضمان الاستقرار في الدولة؟

ولكن مع اغتيال داريا دوغين ابنة فيلسوف البلاط ألكسندر دوغين، والانتكاسة التي حصلت للجيش الروسي في مناطق الجنوب والشرق الأوكراني، وبعد مطالبة 17 منطقة من موسكو وسانت بطرسبورغ بتاريخ 10 أيلول الحالي عبر توقيع نوابها على بيان، بوتين، بالاستقالة، بعد الانتخابات الفرعية التي جرت، هل باتت المواجهة تأخذ دورها الآخر في إطار توسيع النزاع بصورة جديدة تسيطر عليها الاغتيالات وحرب الاستخبارات؟


MISS 3