رواد مسلم

"أف 16" لن تُقرّب نهاية الحرب الأوكرانية

23 آب 2023

02 : 00

زيلينسكي واقفاً أمام «أف 16» في قاعدة للقوات الجوية الدنماركية في سكريدستروب الأحد (أ ف ب)

الجمود القتالي أو خلو المعارك الحاسمة بين الجيشين الروسي والأوكراني على كافة الجبهات الشرقية والجنوبية، تقابله حرب مسيّرات بوتيرة عالية، وتخطيطات للحرب المستقبلية من جهة التسلّح، عقد إتفاقات التدريب، زيادة أعداد التطويع، وزيادة الإنتاج العسكري للمصانع الروسية والغربية، إضافة إلى التصعيد الإعلامي والحروب النفسية من الطرفين. لذلك، من الواضح أنّ الحرب مستمرّة لوقت طويل يمكن أن تزيد عن الثلاث سنوات أي موعد إستلام أوكرانيا معظم الأسلحة الغربية الموعودة، إلّا إذا اقتنع الطرفان بالتفاوض لوقف الحرب مع تقديم تنازلات، التي ستكون بالطبع على حساب الأوكرانيين الذين سيخسرون الأراضي حتى لو تنازل الروس عن قسم من الأراضي المحتلّة. لذلك من مصلحة الأوكرانيين متابعة حرب الإستنزاف مع تطوير القدرات القتالية الهجومية والدفاعية بمساعدة الحلفاء.

هذا الجمود والتعثّر الواضح للهجوم الأوكراني المضادّ، دفع الولايات المتحدة إلى تسريع موافقتها على تزويد أوكرانيا الطائرات المقاتلة الأميركية الصنع «أف 16 أم أي بلوك 20» من هولندا التي تمتلك 42 مقاتلة من هذا النوع والتي تريد استبدالها بمقاتلات «أف 35»، والدنمارك التي تمتلك 24 مقاتلة منها وتريد استبدالها بمقاتلات «أف 35»، والدنمارك أعلنت تزويد أوكرانيا بـ 19 مقاتلة بعد إنتهاء تدريب الدفعة الأولى من الطيارين الأوكرانيين الثمانية ونحو 60 عنصراً فنّياً في الدنمارك. وبحسب تصريح رئيس الوزراء، من المتوقّع وصول أوّل دفعة من 6 مقاتلات من الدنمارك بداية العام 2024 و8 مقاتلات خلال العام المقبل، وأخيراً تسليم 5 مقاتلات بداية العام 2025، مقابل عدم وضوح التواريخ والأعداد بالنسبة إلى هولندا، لكن المؤكّد أنها ستحتفظ بعدد قليل منها للتدريب.

ليست جميع مقاتلات «أف 16» الـ 4600 التي صدّرتها الولايات المتحدة لأكثر من 25 دولة، بذات الإمكانات القتالية، فقد مرّت هذه المقاتلة بمراحل تحديث منذ 1979، الأولى «أف 16 أي» بلوك 1 و5 و 10 وصولاً إلى بلوك 70 وغيرها اللواتي تعتبر من الجيل الرابع حتى وصلت آخرها «أف 16 فايبر» عام 2015 الأقرب إلى الجيل الخامس من المقاتلات. الدنمارك، هولندا، النرويج، بلجيكا، البرتغال، الأردن وباكستان تمتلك «أف-16 أي أم» بلوك 20 المعدّلة بموجب برنامج مزدوج بين الدنمارك، هولندا، النرويج، بلجيكا والولايات المتحدة، فهي ليست الأكثر تطوراً، وتعتبر من الجيل الرابع «زائد»، وهي تعديل «أف 16 أي» بلوك 20 والتي تعتبر الأقرب لـ»أف 16 سي» بلوك 50.

من مميّزات هذه المقاتلة بمواجهة مثيلتها «سو 35» الروسية (تمتلك روسيا أكثر من 100 مقاتلة منها قبل الحرب)، فيُمكن لرادار «أف 16 أي أم» رصد 10 أهداف جوية عن بُعد 155 كلم، مقابل قدرة الرادار الروسي على رصد 15 هدفاً جوياً عن بُعد 140 كلم. أمّا بالنسبة إلى الصواريخ المضادة للطائرات، فلروسيا اليد العليا مع تفوقها بمدى الصاروخ «آر 37 أم» بما يزيد عن 200 كلم عن الصاروخ الأميركي «أيم 120 د». كذلك في ما خصّ القنابل الموجهة البعيدة المدى ضدّ الأهداف الأرضية، فالمقاتلة الروسية يُمكنها إطلاق صاروخ «كاليبر» بمدى 1500 كلم، مقابل الصاروخ الأميركي «أي جي أم 158 بي» بمدى 370 كلم ووزن 450 كلغ من المتفجرات، فضلاً عن تفوّق قدرة المقاتلة الروسية بالصواريخ المضادة للسفن. ومع ذلك لم نشهد أي طلعات جوية روسية فوق الأراضي الأوكرانية، هذا بفضل المضادات الجوية الأوكرانية المقدّمة من الغرب، أو بسبب الأسرار الروسية التي يُمكن أن تكون تخفي بعض الإخفاقات في أجهزة المقاتلات، أو عدم قدرتها بالأساس على مواجهة هذه المضادات عكس ما يتمّ الإعلان عنه من إمكانيات فائقة.

من الواضح أنّ وصول مقاتلات «أف 16» إلى أوكرانيا لن يقلب الموازين بشكل دراماتيكي، فميزان القوى الجوية الآن هو 9 للجيش الروسي الذي يمتلك أكثر من 950 طائرة مقاتلة ومعترضة، مقابل 1 للجيش الأوكراني الذي يمتلك أقل من 176 طائرة مقاتلة «ميغ 29» و»سو 27» القديمة من الجيل الثالث. لذلك وصول 6 مقاتلات في 2024 أو في أحسن الأحوال 61 مقاتلة خلال 2025، لن تستطيع بمفردها مواجهة القوّة الجوية الروسية إلّا إذا حصلت على أعداد هائلة منها (أكثر من 200 مقاتلة من تحالف الطائرات المؤلّف من 11 دولة بقيادة الدنمارك وهولندا). لكن إذا استخدمت بمساعدة المضادات الجوية الأوكرانية وبمساعدة طائرات الإستطلاع الغربية، واستخدام قدرة المقاتلة «أف 16 أي أم» على الحرب الإلكترونية بمواجهة المسيّرات الروسية والصواريخ الموجهة البعيدة المدى المطلقة من الأرض أو الجوّ والتي تستخدم الليزر للتوجيه أو نظام تحديد الموقع الجغرافي، فستتمكّن من حماية الأجواء الأوكرانية بنسبة عالية جدّاً، وستُحقّق بالتأكيد التفوّق الجوي المحلّي، أي فوق الأراضي الأوكرانية فقط، إضافةً إلى حماية القوات البرّية خلال عمليات الهجوم المضادّ.


MISS 3