جان الفغالي

بين حسن خالد وعبد اللطيف دريان: اليقظة السنية في غياب مرجعياتها

26 أيلول 2022

02 : 00

بين قمة عرمون العام 1976 ولقاء دار الفتوى، أول من أمس، أقل من نصف قرن بقليل، فترة لا بأس بها وأكثر من كافية لتشهد تحولات هائلة على مستوى الطائفة السنية. لقاء دار الفتوى للنواب السنة، شكَّل في غايته المباشرة، تحديد موقف المرجعية السنية من انتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة، لكنه، في غايته الأبعد هدَف إلى إعادة تحديد «الشخصية السنية» أو «السنيَّة السياسية»، إذا صحّ التعبير، ولكن في غياب أركانها وقادة الرأي فيها، الذين غابوا والذين حضروا، من منح الصلح إلى رضوان السيد إلى غيرهم، فحُمِّل المفتي دريان مهمة إعادة البلورة في حضور نواب نجحوا في الإنتخابات الأخيرة، لكنهم في معظمهم من «شخصيات الدرجة الثانية» بعد تراجع أو انكفاء أو ابتعاد شخصيات الدرجة الأولى.

في قمة عرمون التي انعقدت في ذروة «حرب السنتين» في كانون الثاني من العام 1976، حضرت كل الوجوه المشارِكة في الحرب في وجه أحزاب «الجبهة اللبنانية»، من «منظمة التحرير الفلسطينية» إلى سوريا إلى «الحركة الوطنية»، وحضر رئيس الحكومة آنذاك رشيد كرامي ورؤساء حكومة سابقون أمثال صائب سلام وعبدالله اليافي، لكن الكلمة الأولى والأخيرة كانت لمنظمة التحرير ولعبد الحليم خدام وكمال جنبلاط.

مارس خدام يومها فوقية على المجتمعين، فعلى سبيل المثال لا الحصر، خاطب الرئيس صائب سلام بالقول: «كنتم موارنة يا صائب بك أكثر من الموارنة. ليست المارونية السياسية مقتصرة على الموارنة، اسمحوا لي أن أقول للسياسيين، كلكم مارستم الحكم، وكلكم بشكل أو بآخر خدمتم المارونية السياسية وكنتم موارنة بالمفهوم السياسي».

لم تكن الزعامات السنية التاريخية آنذاك، في موقع القدرة على الدفاع والرد، إذ كانت مطوَّقة من «مثلث» يفوقها قدرةً وسطوة: عبد الحليم خدام، كمال جنبلاط، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكان المفتي الشيخ حسن خالد يحاول الإمساك بالعصا من الوسط.

اليوم، وبعد قرابة نصف قرن على قمة عرمون، هناك محاولة لإعادة عصا القيادة إلى دار الفتوى بعد الشغور على مستوى كل المكوِّنات: من «التجمع الإسلامي» إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين إلى الزعامة الحريرية، إلى انكفاء البيوتات السياسية السنية، من آل سلام إلى آل كرامي إلى آل الصلح، فهل يكون الرهان على دار الفتوى لملء الفراغ ومعالجة الإنكفاء.

البيان الذي صدر عن المجتمعين، أعدَّ بدقة، لكن أهم ما فيه جملة مقتضبة تعكس ما يدور في وجدان الطائفة، بأن هناك مَن أخطأ بحقِّها، وردَّ البيان بالقول: «إنَّ العَمَلَ على إِنقاذِ لبنانَ مِمَّا هُوَ فيه، إلى مَا يَجِبُ أَنْ يَكونَ عليه، يَتَطَلَّبُ أولاً الاعترافَ بِالخَطَأ. وَيَتَطَلَّبُ ثانياً الرُّجُوعَ عن هذا الخطأ. وَيَتَطلّبُ ثَالِثاً مُحَاسَبَةَ المُرتَكِبِينَ أيًّا كانوا.

ثلاثية الخطأ في حق الطائفة السنية هو محور تحرك الطائفة السنية ومرجعيتها دار الإفتاء، فهل يلتقط الطرفان الآخران في المعادلة، الشيعة والمسيحيون، هذه الإشارة؟

لم ينسَ السنَّة إهانة عبد الحليم خدام لهم في قمة عرمون. لا يريدون أن تتكرر الإهانة بحقهم في وجود أكثر من «عبد الحليم خدام» لبناني!


MISS 3