سامي نادر

صندوق النقد الملاذ الصعب

16 كانون الأول 2019

12 : 00

قطعت السلطة على نفسها كل الطرق لتلافي الإنهيار. أسقطت الخيار تلو الآخرعندما كانت الخيارات ما زالت متاحة، عندما كان الخروج من الأزمة قليل الكلفة يتطلب بعض الإصلاحات الأساسية لضبط عجز الخزينة، ووضع الأسس لسياسة نقدية تنقل البلاد من الإقتصاد الريعي إلى اقتصاد الإنتاج. لم يوفر أركان نظام المحاصصة فرصة للإصلاح إلا وفوّتوها. وفي المحصلة وضعوا أنفسهم اليوم أمام خيار واحد لا ثاني له لتلافي الإنهيار: صندوق النقد الدولي.

ليس سهلاً الذهاب إلى صندوق النقد الدولي والقبول بنوع من أنواع الوصاية على القرار السيادي في مجالات حيوية كالإقتصاد والمال وشبكة الأمان الإجتماعي. بالإضافة إلى أن الإصلاحات والتدابير التي يفرضها صندوق النقد على البلد كشرط لمساعداته ليست من دون كلفة خاصة على الطبقات الفقيرة. ولكن يبقى السؤال، ما البديل وقد فرغت صناديق الخزينة وجيوب المواطنين، وقُنّنت الودائع في المصارف واستفحلت أزمة السيولة، ومن أين سوف يأتون بالمال لدفع المستحقات وهي كثيرة من رواتب وخدمة دين وكهرباء؟ مداخيل الدولة، وكما تشير بيانات وزارة المالية، الى تراجع ومنذ قبل 17 تشرين، وهي الى مزيد من الإنحسار بفعل تعمق الركود والتدابير المصرفية الأخيرة القاضية بتجميد تمويل قطاعات الإنتاج.

كان البديل عن صندوق النقد وديعة من دول الخليج كما جرت العادة في السابق. ولكن من دون مساعدة من هذا النوع هناك عقبات كبيرة ليس أقلها إنكشاف لبنان على الصراع في الإقليم وخروجه عن مبدأ النأي بالنفس. وكيف لا نلحظ في هذا الإطار غياب السعودية عن مؤتمر الدول الداعمة للبنان الذي انعقد في باريس الاسبوع الماضي؟ فوّت النظام فرصاً كثيرة للإصلاح حينما كانت قليلة الكلفة وكبيرة المردود، وكيف لنا أن ننسى "سيدر" وإصلاحاته الناعمة، وكم حاول أركان النظام الإلتفاف عليه تارة عبر تجاهل إصلاحاته وطوراً من خلال البحث عن مصادر تمويل أخرى لا تشترط الإصلاحات.

ولكن لنقلها بصراحة، وضع المالية ووضع القطاع المالي المصرفي بحاجة إلى "تطهير" من الأساس، وإصلاح جذري من دونهما لا يمكن إستعادة الثقة، الحجر الأساس في أي بنيان إقتصادي. أولى الخطوات المطلوبة هي AUDIT شامل للمالية العامة ولمصرف لبنان، وهي في جميع الأحوال أولى الخطوات التي يُقبل عليها صندوق النقد قبل الشروع بالإصلاحات وضخ الأموال، وذلك لتبيان واقع الأمور في التفاصيل، بعدما علا أكثر من صوت من الجهات الدولية الداعمة، يطالب بشفافية أكبر في أوضاع لبنان المالية والنقدية.

قد تكون الإصلاحات وترشيد الإنفاق الحسنة الأساسية للذهاب إلى صندوق النقد الدولي. لأن الدولة في لبنان عبر نظامها التشغيلي تمر في أزمة مشروعية حادة. فقدت ثقة اللبنانيين الذين ملأوا الساحات غاضبين يريدون إسقاط نظام حكم أفقرهم. كما وفقدت ثقة المجتمع الدولي الذي لا يفوت فرصة إلا ويبدي إستعداده لمساعدة لبنان إذا ما أراد هذا الأخير مساعدة نفسه. ولكن يبقى الأهم أن أي مساعدة لن تكون من دون ثمن. ثمن في السياسية وفي الإقتصاد معاً. فقدَ لبنان مقوّمات سيادته حينما سمح باستشراء الفساد وأساء إدارة ماليّته العامة.