شربل داغر

بين المثقف والسلطة

16 كانون الأول 2019

11 : 40

أقل ما يُقال في علاقة المثقف بالسلطة في هذه البلاد هو أنها صعبة ومأزقية. لا السلطة أكيدة في شرعيتها، ولا المثقف متمكن من دوره. هذا ما يجعل العلاقة مهتزة، تخضع لتقلبات، وربما إلى مشاكل قمع وسجن وغيرها.

ما نفتقر إليه، في المقام الأول، هو قيام المؤسسات الوسيطة في المجتمع، التي تكفل عادة، في المجتمعات الديموقراطية، قيام كل طرف في موقعه، المستقل وفق مقادير، وقيام السلطة في موقعها، متمكنة من أسباب شرعيتها، الماثلة في الانتخابات الديموقراطية.

أما في هذه البلاد فيبدو إمكان التواسط والتحاور والتفاعل والتباين بين الطرفين غير ممكن، لهذا لا يتاح لهما سوى التبعية، أو الصدام، أو التجاهل المشترك. ويعود غياب أو تراجع دور المؤسسات الوسيطة إلى كون الأحزاب والنقابات والهيئات التمثيلية حقاً – التي لها أن تحيي الحوار والتفاعل والتباين بين أي قطاع اجتماعي وبين السلطة – معطلة أو مجيرة أو محدودة الفعل والتأثير.

هكذا تصبح العلاقة بين المثقف والسلطة علاقة وجاهية، قد تبلغ العنف أحياناً، أو علاقة تحكمية، ما يبطل أو يضعف من الاستقلالية النسبية التي للمثقف أن يتمتع بها، وأن تسعفه في تنمية الثقافة في مجتمعه. أو قد تصبح العلاقة بينهما علاقة من التماهي، تطلب التطابق، بدل التنوع والتعدد والتفاعل بينهما.

هكذا يتحول بعض هذه المؤسسات الوسيطة إلى مؤسسات مفرغة، أو معطلة، أو محدودة الدور والفعالية. وهكذا يتحول المثقف إلى منتفع أو معارض صدامي... وربما في انتظار الانتفاع بدوره.إذا كان قيام هذه المؤسسات الوسيطة يقع، في بعضه، على الدولة، ويتعين في كيفيات إدارتها للشأن العام، بما فيه الشأن الثقافي، فإن بعضه الآخر تقع مسؤوليته على القوى الاقتصادية المختلفة، التي لها أن تتكفل بالتواسط بدورها، أي أن تنشئ دورة تداول نشطة وفعالة للثقافة. كما يقع بعض هذا الدور على المفكر والمثقف في توليد الأفكار الخلاقة والفعالة في موقعة الثقافة في المجتمع، وفي التخلي عن بعض التطلعات والمشروعات في أن تكون الثقافة بديلاً عن السلطة، وعن حياة الأحزاب والنقابات.


MISS 3