كوكب الأرض في حالة طوارئ حان وقت إنقاذ المناخ!

11 : 46

يكشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة حديثاً أن حصر الاحتباس الحراري بدرجة ونصف الدرجة المئوية (1.5) قد يكون هدفاً مستحيلاً. يحذر الباحثون الآن من بلوغ نقطة مفصلية في المعركة القائمة ضد التغير المناخي. لا يوجد أدنى شك بعد الآن: يتسارع إيقاع التغير المناخي بكل وضوح. من بين أسخن 20 سنة تم توثيقها في السجلات الرسمية على الإطلاق، سُجّل 19 منها منذ العام 2000، أبرزها في آخر خمس سنوات.



شهد صيف العام 2019 حرارة قياسية جديدة بلغت 41.6 درجة مئوية في ألمانيا و46 درجة في فرنسا. وتشير النتائج الأولية إلى تسجيل أعلى حرارة في العالم خلال أشهر حزيران وتموز وأيلول وتشرين الأول من هذه السنة.

وحده العام 2016 الذي تأثر بظاهرة النينو يتفوق على غيره من الأعوام، فقد ارتفعت الحرارة خلاله بسبب هذه الظاهرة الطبيعية التي تزيد سخونة شرق المحيط الهادئ كل بضع سنوات. لكن قد يتفوق العام 2019 على 2015 ويحتل المرتبة الثانية، وسبق وتجاوز العامين 2017 و2018 وكل واحدة من السنوات الألف السابقة.بعيدون عن الهدف...

حذر الباحثون في "تقرير فجوة الانبعاثات" الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في 26 تشرين الثاني من خطورة الوضع، معتبرين أن احتمال الالتزام بعتبة الدرجة ونصف "يكاد يصبح مستحيلاً". يحلل التقرير تدابير تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يُفترض أن تتخذها البلدان بالأهداف المُحققة على أرض الواقع.

إتّضحت التناقضات الهائلة في التقرير. حتى لو نجحت البلدان في تحقيق جميع الأهداف المرتبطة بالتغير المناخي حتى الآن، سيتجاوز الاحتباس الحراري عتبة 3 درجات مئوية بحلول العام 2100، ما يؤدي إلى ارتفاع مستوى البحر بمعدل نصف متر. في هذه الحالة، قد تبرز الحاجة إلى إخلاء مدن مثل ميامي أو شانغهاي.لكن للالتزام بعتبة الدرجة ونصف، يجب أن تضاعف بلدان العالم جهودها وتضمن تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فيها بمعدل 32 مليار طن بحلول العام 2030. يذكر تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن عتبة الدرجتين أيضاً تتطلب انخفاضاً سريعاً في مجموع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بمعدل 15 مليار طن.هذا الهدف ليس مستحيلاً لكنه بالغ الصعوبة. يقول الباحثون الذين شاركوا في إعداد تقرير الأمم المتحدة إن الالتزام بعتبة الدرجة ونصف يفرض على كل بلد أن يُخفّض انبعاثاته بنسبة 7.6% سنوياً، بين العامين 2020 و2030. لبلوغ عتبة الدرجتين، يجب أن تصبح نسبة التراجع 2.7% سنوياً. لكن يلخّص بيتري تالاس، الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، الوضع القائم قائلاً: "نحن بعيدون جداً عن تحقيق الهدف الذي حدده اتفاق باريس". في غضون ذلك، تكلمت رئيسة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إينغر أندرسون، عن ضرورة إحداث "تحولات جذرية" في الأنظمة الاقتصادية والمجتمعات تمهيداً لتحقيق نتائج مستدامة، وإلا سنصبح أمام "كوكب متبدّل للغاية تحت تأثير التغير المناخي". ما من خيار ثالث.ينتقد تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة قلة التدابير التي اتخذتها البلدان حول العالم رغم الوعود التي أطلقتها. عند صدور النسخة الأولى من "تقرير فجوة الانبعاثات" في العام 2010، تعهدت بلدان كثيرة بإلغاء الدعم الحكومي للوقود الأحفوري، لكن لم يحصل أي تقدم منذ ذلك الحين. وتعهد آخرون بوقف ظاهرة إزالة الغابات، لكن لم تتحول تلك الوعود إلى إجراءات ملموسة في معظم الحالات.

تحــث المنظمة مجموعة العشرين الآن على تبني سلسلة من التدابير الصارمة. يجب أن يوقف الاتحاد الأوروبي توليد الطاقة من الفحم مثلاً ويتخلى عن تركيب خطوط أنابيب الغاز من روسيا. كذلك، يتعين على أوروبا أن تلغي استعمال محرك الاحتراق، وتُسرّع تشييد المباني تزامناً مع توفير الطاقة المستعملة، وتُوسّع وسائل النقل العام المحلية في كل مكان.أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية الجديدة، أورسولا فون دير لاين، عن "الصفقة الخضراء الأوروبية" يوم الأربعاء، واعتبرت المفوضية أن هذا الاتفاق يتطلب استثمارات تفوق قيمتها التريليون يورو، فضلاً عن تدابير إضافية لحماية المناخ بحلول العام 2030. تهدف هذه الخطة في الأساس إلى تجريد القارة كلها من انبعاثات الكربون في العام 2050. لكنّ التدابير التي تسمح بتحقيق هذا الهدف لن تكون على الأرجح بمستوى متطلبات برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

يتخذ تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة منحىً متشائماً عموماً، ومع ذلك يشمل مقاطع تدعو إلى التفاؤل. تراجعت كلفة إنتاج الطاقة المتجددة بوتيرة أسرع مما توقعه الخبراء منذ بضع سنوات. انخفضت كلفة الطاقة الشمسية مثلاً بأكثر من 75% منذ العام 2010، بينما تراجعت كلفة الطاقة الهوائية بنسبة 35%.

في مناطق كثيرة من العالم، أصبحت الطاقة المتجددة من أرخص مصادر الطاقة أصلاً. لذا يتم إغلاق عدد مفاجئ من محطات توليد الطاقة العاملة بالفحم في مرحلة مبكرة أو لا تُبنى من الأساس. يتوقع المشرفون على التقرير وجود فرصة كبيرة وواقعية لتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2030 في مناطق توليد الطاقة الخضراء وإعادة التحريج والتنقل الكهربائي وقطاعات توفير الطاقة. مع ذلك، لا يمكن أن نقول إن عصر الطاقة المتجددة بدأ بالكامل!

نقاط مفصلية

نشر برنامج الأمم المتحدة للبيئة وشركاؤه، منهم "معهد ستوكهولم للبيئة"، تقريراً آخر لتحليل كمية الوقود الأحفوري التي سيتم استخراجها من الأرض في المستقـبـل المنظـور بنـاءً عـلى قرارات أو رخص سابقة أو التزامات بالاستثمار.ما لم تتدخل الحكومات على نطاق واسع، من المتوقع أن تكون الكميات المُستخرجة والمحروقة من النفط والفحم والغاز أكبر بخمسين في المئة من الكميات المسموح بها تحت عتبة الدرجتين مئويتين، وأكثر من ضعف الكميات الموصى بها وفق عتبة الدرجة ونصف.




في الوقت الراهن، يرتفع متوسط درجة الحرارة العالمية بمعدل 0.2 في كل عقد. ما لم يحصل أي تغير مفاجئ، يسهل أن نفترض ارتفاع حرارة كوكب الأرض بمعدل درجة ونصف في العام 2040 مقارنةً بحقبة ما قبل الصناعة، أي قبل 60 سنة من توقعات اتفاق باريس للمناخ.

هذا النوع من الاحتمالات يثير قلق بعض الباحثين في مجال المناخ، لأن ارتفاع الحرارة عالمياً يتزامن مع تسارع وتيرة الوصول إلى "النقاط المفصلية" في النظام المناخي. عند تجاوز هذه العتبات، قد تنشأ عمليات ذاتية وغير قابلة للتغيير وتؤدي إلى تفاقم الاحتباس الحراري.

بدأت هذه الظاهرة تتّضح في جليد البحر في القطب الشمالي. بما أن الجليد ساطع جداً، يستطيع أن يعكس كميات كبيرة من الطاقة الشمسية نحو الفضاء مجدداً. لكن إذا ذاب الجليد بسبب الاحتباس الحراري، كما يحصل أصلاً خلال أشهر الصيف، سيمتص البحر تلك الطاقة الشمسية ثم ترتفع حرارته ويذيب كمية إضافية من الجليد. كذلك، تؤدي زيادة سخونة القطب الشمالي إلى ذوبان الجليد السرمدي بدرجة إضافية، ما يسمح بتسرب كميات هائلة من الميثان (نوع قوي من غازات الدفيئة) إلى الغلاف الجوي. في المقابل، قد يستمر ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد في "غرينلاند". ثم تنسكب تلك المياه العذبة في المحيط الأطلسي، فترتفع مستويات البحار حول العالم ويتغير تيار الخليج، أي تيار المحيط القوي الذي يُسَخّن غرب أوروبا وشمالها.

يتحرك تيار الخليج بشكلٍ أساسي تحت تأثير المياه المالحة السميكة والثقيلة على طول ساحل "غرينلاند". عنــد تخفيف هذه المياه بكمية كافية من المياه العذبة، قد يضعف التيار ويضطرب دوران المحيطات حول العالم.في المجلة العلمية "ناتشر"، يحذر باحثون من معهد "بوتسدام" لأبحاث تأثير المناخ ومنظمات أخرى من هذه النقاط المفصلية وسواها. من المنطقي أن تتلاحق هذه النقاط واحدة تلو الأخرى مثل أحجار الدومينو. وعند بلوغ عتبة حرجة، قد تتغير تركيبة الأرض بشكلٍ مفاجئ.

أصبح كوكب الأرض أكثر سخونة مما كان عليه أصلاً وقد يقترب من تلك النقاط المفصلية الخطيرة. يبقى هذا الاحتمال نظرياً، لكنه يعكس "حالة طارئة على مستوى الكوكب كله ويطرح تهديداً وجودياً على الحضارة"، برأي مؤسس معهد "بوتسدام" هانز يواكيم شيلنهوبر وزملائه.

يمكن اعتبار هذا الاحتمال إنذاراً خطيراً طبعاً، مع أن باحثين آخرين في مجال المناخ يشكّون بأن تكون تلك النقاط المفصلية وشيكة لهذه الدرجة. لكن ماذا لو كانت كذلك؟


MISS 3