أوليفر ستونكيل

ماذا لو بقي بولسونارو في السلطة؟

4 تشرين الأول 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

أحد مؤيدي الرئيس البرازيلي بولسونارو | البرازيل ، أيلول 2022
تزامناً مع الانتخابات الرئاسية في البرازيل، واجه البلد أكبر التحديات التي تُهدد ديمقراطيته منذ تأسيسه قبل 37 سنة. فاز جايير بولسونارو، وهو نقيب سابق في الجيش، بالرئاسة في العام 2018، وسط موجة من المشاعر المعادية للسلطة، لكنه متأخر اليوم أمام الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في استطلاعات الرأي. أمام احتمال الهزيمة، أطلق بولسونارو سلسلة مزاعم لا أساس لها حول تزوير الانتخابات، وأعلن أن الطريقة الوحيدة التي تسمح للمعارضة بمنعه من الفوز بولاية ثانية هي سرقة الانتخابات. بدأ هذا الخطاب يلقى رواجاً وسط مناصريه: من أصل 50 مليون برازيلي مستعد للتصويت لصالح بولسونارو، يُعتبر ربعهم متطرفاً لدرجة أن يُبلِغوا منظّمي الاستطلاعات بأن الرئيس يجب ألا يعترف بالنتيجة إذا خسر.

زاد الوضع سوءاً لأن قيادة الجيش البرازيلي لم تستنكر خطاب الرئيس المعادي للديمقراطية، علماً أن هذه المؤسسة العسكرية اكتسبت نفوذاً سياسياً كبيراً خلال عهد بولسونارو. حتى أن وزير الدفاع، باولو سيرجيو نوغيرا، ذهب إلى حد تأييد اقتراح بولسونارو الذي يدعو الجيش إلى احتساب الأصوات بنفسه، مع أن هذه الخطوة تخالف حُكم القانون وقد تطلق أزمة دستورية في البرازيل.

حصلت أول جولة من التصويت يوم الأحد الماضي. بلغ عدد المرشحين 11 شخصاً، لذا لم يحصد بولسونارو ولا لولا 50% من الأصوات على الأقل. لهذا السبب، ستحصل جولة ثانية من الانتخابات في 30 تشرين الأول. إذا خسر بولسونارو ورفض التنازل، ستواجه البرازيل ثلاثة سيناريوات محتملة. قد يُصِرّ الرئيس على سرقة الانتخابات لكن من دون أن يحاول وقف العملية الانتقالية. قد يستوحي بولسونارو تحركاته أيضاً من قدوته السياسية، الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ويحاول تكرار نسخة برازيلية من أحداث اقتحام مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني 2021، ما يعني أن يحرّض على الفوضى لكن من دون إعاقة العملية الانتقالية الديمقراطية. في أسوأ الأحوال، قد يشارك مناصروه في العنف السياسي وتفشل القوات المسلحة في حماية الديمقراطية، ما يعيق أي مرحلة انتقالية طبيعية.

حاولت الحكومة الأميركية أن تمنع مسبقاً نشوء أزمة بعد الانتخابات البرازيلية. كُلّف وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بهذه المهمة. يبدو اختيار أوستن قراراً ذكياً، نظراً إلى غياب التقارب بين الرئيس الأميركي جو بايدن وبولسونارو. كان الرئيس البرازيلي آخر من هنّأ بايدن على فوزه بالرئاسة الأميركية من بين قادة العالم، إذ من المعروف أنه من أشرس مؤيدي ترامب، وقد تكلم في مناسبات متكررة عن سرقة الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2020.

قوة الجيش

عبّر بولسونارو عن حنينه إلى الدكتاتورية العسكرية التي حكمت البرازيل بين العامين 1964 و1985. فــــي مرحلة معينة، تألف ثلث حكومة بولسونارو تقريباً من ضباط عسكريين متقاعدين أو مستمرين في خدمتهم. خلال عهده، قاد أعضاء حاليون أو سابقون من القوات المسلحة وزارات البنية التحتية، والمناجم، والطاقة، والدفاع، وشاركوا في الرد الحكومي المثير للجدل على أزمة كورونا، وساهموا في إطلاق محاولة فاشلة لمحاربة إزالة الأشجار في غابات الأمازون، وأثروا على علاقات بلدهم مع دول مثل الصين. في غضون ذلك، اكتسب هؤلاء نفوذاً سياسياً هائلاً وأشرفوا على أجزاء كبرى من الميزانية الفدرالية.

لا يعني ذلك أن بولسونارو يفرض سيطرة كاملة على الجيش، إذ يلتزم معظم الجنرالات البرازيليين بحماية الديمقراطية علناً، لكنّ هذا الوضع قد لا يمنع الرئيس من التدخل في العملية الديمقراطية.

أطلق بولسونارو وحلفاؤه محاولات لتخريب الانتخابات عبر التشكيك بنظام التصويت الإلكتروني في البرازيل، مع أن الخبراء يعتبرونه معاصراً وآمناً. أكد الرئيس مثلاً أن المحكمة العليا البرازيلية تمنع تطبيق ضمانات إضافية وغير محددة لمنع التزوير. برأي بولسونارو، يقضي الحل بجعل الجيش البرازيلي يشرف على الانتخابات، مع أن الدستور يخلو من البنود التي تسمح للقوات المسلحة بالاضطلاع بهذا الدور. كذلك، لا يتمتع المسؤولون العسكريون بالخبرة اللازمة لأداء هذه المهمة. في شهر آب الماضي، قدّم وزير الدفاع نوغيرا، وهو جنرال أيضاً، طلباً "عاجلاً" أمام المحكمة الانتخابية العليا، فأثبت بذلك جهله لأبسط تفاصيل النظام الانتخابي المحوسب في البرازيل. أصبحت البيانات التي طالب بها وزير الدفاع متاحة منذ تشرين الأول 2021، بما في ذلك الشيفرة المصدرية لآلات التصويت.

في شهر تموز، طمأن نوغيرا وزير الدفاع الأميركي أوستن حول دور القوات المسلحة في ضمان انتخابات آمنة. لكنّ هذه التطمينات ليست مرادفة لاحترام إرادة الناخبين البرازيليين. يجب أن تضغط إدارة بايدن على نوغيرا وقادة عسكريين آخرين لدفعهم إلى تجاوز الالتزامات المبهمة بحماية الديمقراطية وتشجيعهم على احترام نتائج الانتخابات التي تعلنها المحكمة الانتخابية العليا في البرازيل، بغض النظر عن هوية الفائز.

على صعيد آخر، يجب أن توضح الحكومة الأميركية أنها مستعدة لإضعاف تعاونها الأمني مع البرازيل إذا تدخّل الجنرالات العسكريون في العملية الانتخابية، ما يعني احتمال تجريد البرازيل من مكانتها كحليفة أساسية من خارج حلف الناتو (حصل البلد على هذا التصنيف خلال عهد دونالد ترامب في العام 2019)، والحد من تقاسم المعلومات الاستخبارية بين القوات المسلحة في البلدين. كذلك، يُفترض أن تنسّق وزارة الخارجية الأميركية جهودها مع الحلفاء الغربيين للاعتراف جماعياً بنتائج الانتخابات فور الإعلان عنها من جانب المحكمة الانتخابية العليا. ستدرك القوات المسلحة حينها أن التشكيك بالنتيجة قد يؤدي إلى عزل البلد عن الغرب. قد تشمل الجهود الدبلوماسية اللاحقة مجموعة من المكافآت والعقوبات: يجب أن يقنع صانعو السياسة الأميركية الجنرالات البرازيليين بأن تقبّل النتيجة يسمح بتطوير التعاون الأمني بين البلدين.

قام السياسيون البرازيليون بواجبهم لحماية نزاهة الانتخابات المحلية بشكلٍ يستحق الثناء، فشكّلوا تحالفاً داعماً للديمقراطية. اجتمع عدد من الخصوم وقرروا أن يضعوا خلافاتهم الشخصية جانباً ويدعموا ترشيح لولا علناً، منهم الناشطة البيئية والمرشّحة السابقة للرئاسة مارينا سيلفا، ورئيس البنك المركزي السابق هنريكي ميريليس الداعم للسياسات المالية المحافِظة، وعدد من السياسيين الذين دعموا عزل ديلما روسيف التي اختارها لولا بنفسه كي تخلفه في منصب الرئاسة. وفي خطوة ذكية لتهدئة مخاوف الناخبين الوسطيين أو اليمينيين الوسطيين، اختار لولا حاكم ساو باولو السابق، جيرالدو ألكمين، شريكاً له في السباق الرئاسي، وهو سياسي وسطي ومحافِظ اجتماعياً وكان خصمه في أحد الاستحقاقات سابقاً. في بلدٍ تُعتبر فيه محاولات العزل شائعة، تحمل هذه المبادرة أهمية كبرى. إذا اعتبر المجلس الوطني البرازيلي لولا متطرفاً أكثر من اللزوم، سيكون الخيار الاحتياطي اسماً جديراً بالثقة. ألكمين هو كاثوليكي ملتزم، وقد بذل قصارى جهده للتقرب من الناخبين المحافظين، والإنجيليين، وقادة الأعمال التجارية الزراعية، والجيش. يبدو أنه حقق نجاحاً نسبياً مع هذه الجهات كلها باستثناء الجيش.

نحو المجهول؟

قد تسوء الأوضاع بعد 2 تشرين الثاني رغم هذه الجهود كلها. في ظل الانقسامات الحادة التي تشهدها البرازيل اليوم، حتى أبسط الحوادث قد تزعزع الاستقرار الهش. قد تتأثر العملية الانتخابية سلباً بسبب فيديوات مزيفة لإثبات وجود خلل مزعوم في آلات التصويت، أو نتيجة تأخير إعلان النتائج، أو حوادث عنف في يوم الانتخابات. يكفي أن نفكر بما حصل خلال انتخابات بوليفيا في العام 2019، فقد أجّجت المزاعم المرتبطة بشوائب التصويت احتجاجات شعبية حاشدة، ما دفع القوات المسلحة المحلية إلى إجبار الرئيس إيفو موراليس على الاستقالة، مع أنه كان يستعد حينها لإعادة انتخابه. هذا الحدث أطلق مرحلة مطولة من الاضطرابات السياسية.

لكن تحمل نقاط التشابه المؤسفة بين محاولات ترامب تخريب الانتخابات الأميركية في العام 2020 ومساعي بولسونارو لإضعاف الديمقراطية جانباً إيجابياً، فهي تمنح الحكومتَين البرازيلية والأميركية فرصة قيّمة لتكثيف التعاون بينهما بهدف حماية الديمقراطية مستقبلاً. يحتاج البلدان إلى إحراز التقدم في الحرب ضد الأخبار الكاذبة التي تمعن في إضعاف الديمقراطية. كذلك، سلّطت المرحلة التمهيدية للانتخابات البرازيلية الضوء على طرق التعاون بين دول أميركا اللاتينية لتحديد المعايير التي تكبح دور الجيش والشرطة في الحُكم.

كانت الانقسامات الحادة وأحداث 6 كانون الثاني 2021 كفيلة بتشويه صورة الولايات المتحدة أمام العالم، لكن يشكّل هذا البلد حتى الآن قدوة مؤثرة في جانب أساسي واحد على الأقل: في ذروة أسوأ أزمة سياسية شهدتها الولايات المتحدة منذ أكثر من قرن، لم يشكك أحد يوماً بدعم الجيش الأميركي للديمقراطية الأميركية.