جويل الفغالي

منصور: تصحيح الأجور "تسمية شعبوية" أما في الإقتصاد فتسمّى "وهْم المال"

التضخّم سيأكل الزيادات على الرواتب والأجور سريعاً

7 تشرين الأول 2022

02 : 01

الزيادات على الرواتب والأجور ستموّل من طباعة الليرات
في الوقت الذي يستمر فيه تراجع الليرة اللبنانية مقابل الدولار، ويتفاقم «نزيف» انهيار القيمة الشرائية للرواتب والاجور، التي فقدت لغاية الآن نحو 95 في المئة من قيمتها، أُقرت موازنة 2022 وأصبحت واقعاً. ولعلّ أبرز من تضمنته كان زيادة رواتب موظفي القطاع العام المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين، سيمول جزء منها بإضافة رسوم وضرائب جديدة. فما هي تداعيات هذه القرارات؟ وهل تفي بمتطلبات وشروط صندوق النقد الدولي؟





تحاول قوى السلطة فعل كل ما تستطيع للايفاء بالشروط والمتطلبات التي فرضها صندوق النقد الدولي. ولا شك أن أركانها يظنون أن القرارات التي جرى تمريرها في موازنة 2022 هي بمثابة «إنجاز» يستحقون التقدير عليه. ولكن في الواقع، هذه القرارات ما هي سوى «ترقيع»، وكإعطاء «حقن مورفين» لمريض السرطان، تسكّن الوجع لفترة قصيرة ولكنها لا تزيل المرض العضال.

أبرز قرارات موازنة 2022

إذاً، بموازنة 2022، نبدأ بـ»زيادة رواتب موظفي القطاع العام المدنيين والعسكريين والمتقاعدين وكافة الأجراء في الدولة بمعدل 3 مرات على الراتب الأساسي، على ألا تقل الزيادة عن 5 ملايين ليرة ولا تزيد عن 12 مليون ليرة. فعلى سبيل المثال، فإن أساس راتب موظف بقيمة 5 ملايين ليرة، سيُصبح 15 مليون ليرة. هنا، فإن الزيادة كانت 10 ملايين ليرة، وبالتالي لم تتعدّ مبلغ الـ12 مليوناً. أما في حال كان أساس راتب موظف بقيمة 10 ملايين ليرة لبنانية، فإنه لن يُصبح 30 مليوناً، بمعنى أنه لن يزداد 3 مرات، والسبب هنا أن قيمة الزيادة ستكون 20 مليون ليرة فوق الراتب الأساسي، وهي تفوق رقم 12 مليون ليرة الذي حددته الموازنة كحدّ أقصى للزيادة. ولهذا، فإن الموظف الذي يبلغ أساس راتبه 10 ملايين، سيحصل على زيادة 12 مليون ليرة فقط، أي أن أساس راتبه سيُصبح 22 مليون ليرة وليس 30 مليوناً». وكذلك نصت الموازنة على «رفع الدولار الجمركي من 1507.5 ليرات إلى 15000 ليرة، ورسوم أخرى أهمها ما ورد في المادة 69 لجهة زيادة 3 في المئة على البضائع الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة، والمادة 72 التي أقرت زيادة بنسبة 10 في المئة على جميع الأصناف المستوردة، والتي ينتج مثيل لها محلياً بكميات تكفي السوق».

تصحيح الأجور أو وهْم المال؟

«تصحيح الاجور، هذا ما يسمى في السياق الشعبي، أما في الاقتصاد المالي فيسمى وهْم المال»، تقول د. ليال منصور، وهي متخصصة في الاقتصاد النقدي، «وذلك لأننا نوهم الشعب بزيادة الرواتب والأجور في وقت الإنهيار، أي ليس عن طريق ازدهار الصناعة والتجارة، وزيادة الصادرات أو عن طريق هبات ومساعدات للبنان، بل عن طريق طباعة المزيد من العملة الورقية اللبنانية، الامر الذي سيؤدي الى زيادة التضخم الى مستويات اعلى من قيمة ارتفاع الرواتب. وتحاول السلطة زيادة الرسوم والضرائب لتسديد دفع الرواتب، ولكنها لن تكفي وستتجه حكماً نحو طباعة المزيد من العملة الوطنية.» وأكدت منصور أن «زيادة الرواتب والاجور ليست الحل الأنسب في عزّ الانهيار، خاصة وأن القدرة الشرائية للمواطن تنخفض مع انهيار العملة الوطنية، ويجب التمييز بين نوعين من التضخم:

- الأول ناتج عن ازدهار ونمو اقتصادي في البلد، فقرار زيادة الرواتب في هذه الحالة يكون في مكانه المناسب.

- والثاني ناتج عن انهيار اقتصادي، حيث يجب اولاً وقف الانهيار في البلد، ومن ثم يتم تحفيز الاقتصاد».

القرار الصح في الوقت الخطأ!

أما في ما يتعلق بإقرار الموازنة زيادة بنسبة 10 في المئة على الأصناف المستوردة والتي تنتجها الصناعات المحلية بكميات كافية، فتعتبر منصور أن «من أهم الخطوات المعتمدة لحماية الصناعة المحلية في الكتب، وعلى القلم والورقة، هي وضع ضرائب ورسوم على السلع المستوردة. ولكن على أرض الواقع، لا يمكن اتخاذ قرارات عشوائية، كقرار زيادة الـ10 في المئة، دون تأمين بيئة سليمة للمواطن وأرضية اقتصادية مناسبة لصفقات الصناعة والتجارة والاستثمار، وتسهيل عمليات التصدير، وتأمين البنى التحتية اللازمة، كالكهرباء مثلاً، ليتمكن من تخفيض كلفة انتاجه وبالتالي خلق قدرة تنافسية. لذلك، فإن هذا القرار الصح إن لم يُتخذ في الوقت المناسب، فيصبح خطأ».

هل ترضي الموازنة صندوق النقد الدولي؟

تتمحور الإشكالية حول موقف صندوق النقد الدولي من هذه الموازنة، خصوصاً مع تشديده على عدم منح لبنان أي دعم مالي ما لم تباشر الحكومة بالاصلاحات الضرورية. ومما لا شك فيه أن «لبنان يحاول إرضاء صندوق النقد الدولي»، تقول منصور، «ولكن استبعد أن يوافق. فما هي الانجازات التي قام بها لبنان؟ وهل هي ضمن الشروط التي وضعها البنك الدولي للإصلاح؟ الجواب هو حتماً لا. فهناك عجز كبير في الموازنة، ولا أعتقد ان صندوق النقد الدولي فعلاً سيوافق على هذا العجز. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فان البنك الدولي طالب بتطبيق التقشف، ولكن بطريقة مدروسة. كما أن لبنان لم يقر قانون الكابيتال كونترول والخلاف ما زال مستمراً على قانون تعديل السرية المصرفية الذي أقره البرلمان وأرجعه رئيس الجمهورية».

الى متى ستبقى القرارات في لبنان تُتخذ بشكل عشوائي دون النظر الى مصلحة المواطنين والاقتصاد؟ فتداعيات هذه القرارات لن تؤدي إلاّ الى المزيد من التضخم والانهيار، وبدلاً من البدء من الصفر، اي بمعالجة المشكلة الاساسية في لبنان «الانهيار»، نراهم يضعون الخطط ويتخذون قرارات تحفيزية ليست بوقتها.