جاد حداد

High Water... أسلوب جديد في عرض الكوارث الطبيعية

11 تشرين الأول 2022

02 : 01

تدور أحداث مسلسل High Water (المياه العالية) في بولندا، في العام 1997، حيث يواجه المسؤولون الحكوميون المحليون في "روكلو" قرارات مصيرية حين يُهدد فيضان مدمّر المدينة.

كان الفيضان الذي اجتاح بولندا في العام 1997 من أسوأ الكوارث التي واجهها البلد منذ الحرب العالمية الثانية. لكن لا يتعامل صانعو العمل مع هذا الموضوع بقوة كافية، وكأنهم لا يريدون استعطاف الجمهور بطريقة مباشرة. لا يشمل المسلسل أي لحظة "صاخبة" حيث نشاهد تدفق المياه بقوة مدمرة. ترتفع مستويات المياه مع مرور الحلقات، ويستعمل المسلسل بعض المؤثرات البصرية لإثبات خطورة الوضع، فتغمر المياه ملصقاً مُعلّقاً على أحد الجسور مثلاً.

تذكر عبارة في بداية المسلسل أن صانعي العمل غيّروا بعض تفاصيل القصة. لكن تبقى حريتهم الإبداعية مألوفة لأقصى حد. تكون عالِمة الهيدرولوجيا "جاسمينا تريمير" (أغنيسكا زوليسكا) محقة حين تتوقع مسار تدهور الوضع في المراحل اللاحقة. يهاجمها الرجال من حولها طوال الوقت، ويعتبر أستاذ اسمه "نواك" تحذير "جاسمينا" مجرّد ادعاء سخيف.

كان يمكن تخفيف تداعيات الفيضان لو سمح سكان بلدة "كيتي" للمسؤولين بتفجير أحد السدود. لكن لا يثق الناس بالحكومة وقد تعبوا على ما يبدو من وعودها الفارغة. يكون "أندريه ريباتش" (إيرينيوس تشوب) واحداً منهم، وهو الذي يحرّض الناس على التحرك. يتلقى والده العلاج في المستشفى الذي سيغمره الفيضان قريباً. لكنه لا يفكّر بهذا الاحتمال، بل يتخذ القرارات نيابةً عن سكان بلدته، وتُمهّد أنانيته هذه لمشهدٍ يشعر فيه بالندم والعار حين يضطر لقيادة مركبه لجلب والده.

لا يمكن أن يُركّز مسلسل مؤلف من ست حلقات على الفيضان وحده، بل يجب أن يشمل أحداثاً درامية لمتابعة جذب المشاهدين حتى النهاية. يطبّق المسلسل هذه المقاربة عبر إضافة تعقيدات شخصية إلى حياة "جاسمينا". تركت هذه الأخيرة والدتها، وزوجها، وابنتها، منذ وقتٍ طويل ولم تعد تجيد التعامل معهم الآن. من الواضح أنها تعجز عن مواجهة والدتها، مثلما يعجز الرجال في السلطة (أو جزء منهم على الأقل) عن مواجهة الحقائق المتعلقة بالفيضان المرتقب. تزداد بولندا ضعفاً مع مرور الأيام بقدر والد "أندريه"، ومن الطبيعي أن تُمهّد هذه الظروف للموت.

يتّسم المسلسل بإيقاع سريع، فتنساب الحلقات بسلاسة وتخلو من المماطلة بشكل عام. تبرز أيضاً لحظات متوازية تستحق التنويه، فتشاهد "جاسمينا" في البداية رجالاً وهم يرفعون غرضاً بالحبال، ثم تستعمل التقنية نفسها لرفع والدتها إلى الطابق الأعلى لاحقاً. وعندما يهرع أب إلى المشرحة لتحديد هوية صاحب الجثة، تُذكّرنا نهاية المشهد بمحادثة سابقة حيث يخبر الأب نفسه ابنته بأن الكثيرين يرتدون نوعاً محدداً من السترات. وفي مشهد مريع آخر، تغرق إحدى الشخصيات أثناء تسلق السلالم. إنها لقطة مخيفة لأنها تحمل طابعاً عادياً على نحو مفرط. سرعان ما يتبين أن هذه المشاهد كلها ترتكز على خدعة للتلاعب بالمشاهدين، وهو جانب غير محبّذ.

بالنسبة إلى مسلسل يتمحور حول كارثة مدمّرة، تبقى الأحداث هادئة أكثر من اللزوم. لن نشاهد عدداً كبيراً من الأموات أو المشاكل الناجمة عن وصول ضفادع وحيوانات أخرى. وحتى معاناة الناس تقتصر على صورة تظهر فيها وجوه باكية في خلفية المشاهد. تهدف هذه المقاربة على الأرجح إلى نشر أجواء من التفاؤل، ما يعني أن أي فيضان لن يكون ضخماً بما يكفي لإخماد الروح البشرية. تعمد أعمال أخرى إلى المبالغة في عرض المشاهد المؤثرة، لكن يضع هذا المسلسل المشاهدين على مسافة من الكارثة الطبيعية والأحداث الدرامية، فلا يشاركون فيها بالضرورة. إنه أسلوب جديد ومميز وقد يجعلنا نغفل عن الشوائب الأخرى في العمل. في النهاية، ينجح المسلسل في تقديم رسالته بأسلوب مختلف ويتجاوز بذلك الجوانب التي تُعرّضه للنقد.


MISS 3