خضر حلوة

جمعية المصارف... قديسون وأبرياء

11 تشرين الأول 2022

02 : 00

لفتني مقال المفكر الاستاذ محمد علي مقلد عن بيان جمعية المصارف الاخير الذي وصفه ببيان حزب سياسي اكثر مما هو تقني- مصرفي لاؤيده بقوة لهذا التوصيف حين كشفوا عن انفسهم، وبلسانهم انهم فعلاً كانوا وما زالوا حزب المال ورأس المال السياسي اكثر مما يفترض ان يكونوا جمعية تقنية - مهنية - رقابية تتمتع بمناقبية اخلاقية بالحد الادنى وذات تأثير ودور يرفع مقيمة المصارف من خلال السمعة والثقة والمصداقية بدل ان تظهر بمظهر الميليشيا المالية والنقدية.

اما النهج المتبع فهو استعمال المال المودع لديها كسلاح ضد المودعين واصحاب الحقوق الذين استُعملت اموالهم وادخاراتهم لتمويل واقراض «زبون»غير مليء وغير اهل للاقتراض مما كان يستدعي التوقف عن اقراضه، الأمر الذي لم يتم بحجة ضرورة تمويل «الدولة»، في حين ان المقترض هي السلطة الميليشياوية التي تركت السلاح الحي واستخدمت سلاح المال الذي لا تمتلكه ونهبت ما نهبت من مليارات تراكمت من خلال الفوائد غير المشروعة، وحققت منها المصارف أرباحاً خيالية كانت تتباهى بنشرها في ميزانياتها عاماً بعد عام من دون ان تكف عن تمويل السلطة وتهريب الارباح لخارج البلاد.

اما ادعاؤها، اي المصارف، بتمويل قطاعات انتاجية فلم تكن تتجاوز العشرين بالمئة من مجموع التسليفات من باب ذر الرماد في العيون.

مما يعني ان استعمال الامانات من ودائع الناس ذهب هدراً الى جيوب المهربين والسارقين المزروعين عبر السلطة في الدولة، بدءاً من الكهرباء الى الموارد الضريبية والمرافئ والجمارك والبلديات والصحة والتربية والاتصالات… والى كل زاوية زرعوا فيها افراد ميليشياتهم القديمة واتباعهم الذين أثروا عبر السرقات والنهب التي لا تعدّ ولا تحصى.

لنعود الى بيان جمعية المصارف «السياسي» الذي من خلاله يحاولون التبرّؤ من مسؤولياتهم في الوقت الذي كانت غالبية منهم تلهث نحو مناصب وزارية ونيابية وادارية تحت جناح السلطة المسماة «دولة»، وذلك للامساك بزمام القرار السياسي او اقله المشاركة فيه بما يؤمن مصالحها ومصالح الميليشيات القديمة - المتجددة بحلة جديدة. اما الادلة فكثيرة، واما الاسماء فمعروفة، واما الانهيارات المصرفية فما زالت عالقة في الاذهان والتي حاول حاكم البنك المركزي «ضبضبتها» من خلال الدمج والبيع والشراء وحتى التصفية للفاضح منها.

اما وان جمعية المصارف واصحاب المصارف يحاولون التهرب من مسؤولياتهم واقناع المودعين بأن دولتهم هي وحدها المسؤولة فإن هذا جزء من الحقيقة، لان الحقيقة الكاملة تكمن في تواطؤ غالبية المصارف مع السلطة المسماة «دولة»، ومع ميليشياتها «المدنية» المزروعة في قلب هذه الدولة العفنة والمنخورة.

لأنهي بالتذكير بفترة الحرب الاهلية والاقتتال الطائفي والمناطقي والسلاح المتفلت بأيدي الاحزاب والمجموعات الفلسطينية والسورية وغيرها، كانت المصارف تعمل من دون خوف او وجل، والناس تقصدها لحفظ ودائعها، بل ان الناس كانت تحافظ على المصارف وترتاح اليها رغم التقاتل والتفلت الامني، لان الثقة كانت ممنوحة، والمصداقية في التعامل سارية واموال الناس بقيت محفوظةً، سواء في الداخل او الخارج رغم التدهور والتعثر. اما ما يحدث اليوم فهو بمثابة وضع اليد على المال «الحلال» والامانات، وتهريب المال «الحرام» الذي تجمّع في المصارف لتسديد فواتير متبادلة بين الميليشيات «المصرفية» والميليشيات «المالية» تحت شعار «الدولة هي المسؤولة وحدها»، اما «هم»، فقديسون وابرياء.

(*) سفير سابق ومصرفي سابق


MISS 3