كارين عبد النور

دعاوى "إعلان المصارف متوقّفة عن الدفع": كوّة في جدار الأزمة أو تعميق لمأزق المودعين؟

النقابات تتمايز والآراء القانونية تتعدّد... وأوّل المدّعين نقابة المحامين

12 تشرين الأول 2022

02 : 00

مصارف في مواجهة المودعين
نقابة المحامين في بيروت دخلت على خط الجبهة المفتوحة مع المصارف. فقد تقدّمت منتصف الشهر الماضي بدعوى «إعلان المصرف متوقّفاً عن الدفع» ضد مصرف «فرست ناشيونال بنك» بموجب القانون رقم 2/67. كثيرون يرون في تلك الخطوة باكورة حيث إن نقابات أخرى من المفترض أن تحذو حذوها. نقابة المحامين في طرابلس ونقابة الممرّضات والممرّضين، مثلاً، على وشك التقدّم بدعاوى مماثلة خلال أيام. لكنّ نقابتي المهندسين والأطباء أعلنتا عدم رغبتهما في ذلك. فماذا يقول المؤيّدون والرافضون؟





بداية مع القانون 2/67 وحيثيّاته. المتخصّص في أجهزة الرقابة القضائية على المصارف المركزية، المحامي الدكتور باسكال ضاهر، اعتبر في اتصال مع «نداء الوطن» أنه قانون مصرفي ذو فاعلية مهمّة، يسمح لأيّ مودع بأن يقيم دعوى على المصرف أمام المحكمة المختصّة في حين أنّ تطبيقه مناط بالقضاء. ماذا يعني ذلك؟ «هذا يعني أن القانون حمى المصرف كمؤسسة مصرفية من الإفلاس، حمى الوديعة وحمى المؤسسة المصرفية، إنّما حمّل وزر الإدارة الخاطئة للمصرف لأصحاب المصرف والمساهمين فيه ومفوّضي المراقبة ومفوّضي التوقيع والمدراء»، على حدّ تعبيره.



باسكال ضاهر



نسأل عن المسار القانوني لدعوى كهذه ضد مصرف ما، فيُخبرنا ضاهر أنّه يتمّ عزل أصحاب المصرف، ويُعيَّن مدير مؤقّت كما تشكَّل لجنة الإدارة الأولى تحت إشراف ورقابة المحكمة الناظرة في الملف إضافة إلى الجهة المدّعية. وإذ تتشكّل اللجنة من قِبَل قانونيين متخصّصين في إدارة المصارف، تكون مهمة المدير المؤقت تسيير الأمور اليومية للمصرف. كما تؤول الدعوى إلى وضع القيّمين تحت التعقّب من خلال العودة إلى الخلف - أي فترة الريبة ومدّتها 18 شهراً - والتي قد تطول إلى ثلاث سنوات ونصف إذا ما احتُسِبَت فترة إيقاف المهل. من هنا، يمكن للمحكمة المختصّة ملاحقة جميع البيوعات العقارية والتحويلات والهندسات ونقل الأصول، واستعادة ما يمكن استعادته بالوسائل القانونية والقضائية عبر التواصل مع سلطات أجنبية رقابية وقضائية.

في هذه المرحلة، بحسب ضاهر، يتدخّل مصرف لبنان ليشرف على عملية توزيع الأموال المستردّة لأصحابها. فيُصار إلى التحقيق بكل وديعة على حدة: إذا كانت الوديعة ناتجة عن عملية فساد يجب أن تُصادر وتُعاد إلى مالية المصرف لتوزَّع على المودعين، وإلا تُعاد إلى صاحبها. وختم مذكّراً بما حصل في إيسلندا عندما مرّت بأزمة مالية – مصرفية قبل سنوات. فقد جرى تعيين لجان تحقيق للتدقيق وسُجن رئيس الحكومة وبعض الوزراء ومئات الشخصيات المصرفية وأجبروا على إعادة أموال المودعين، لتخرج البلاد من أزمتها منتصرة. فهل اتّجاه كهذا وارد التحقّق لدينا؟

النقيب يوسف بخاش



ليس هذا الحلّ

نقابة الأطباء تمنّعت عن تقديم دعوى مماثلة. نحاول الاستفسار من نقيبها، الدكتور يوسف بخاش، الذي لفت في حديث لـ»نداء الوطن» إلى أن نقابة المحامين هي الوحيدة التي تقدّمت بالدعوى في حين أن نقابة الممرضات والممرّضين تقدّمت بإنذار (وليس بدعوى) لاسترجاع أموالها. وأضاف: «إن كنا نريد تحديد المسؤوليات في حجز أموال المودعين والنقابات، فتأتي الدولة والسياسيون بالدرجة الأولى، يليهما المصرف المركزي ومن ثمّ المصارف. وبالتالي حين نتوجّه بدعوى ضد المصرف نكون قد أعفينا الطرفين الأوّلين الأساسيين من مسؤوليتهما».

أما في ما يخص القانون رقم 2/67، فرأى بخاش في صدوره في العام 1967 إحدى نتائج انهيار بنك إنترا في العام الذي سبق سعياً لاسترداد المودعين أموالهم والتي لم يتمكّنوا من الحصول عليها حتى اليوم. وتساءل: «هل نحن ذاهبون إلى التوجّه نفسه؟ وهل سيفيدنا القانون الذي لم يأتِ بأي نتيجة في العام 1967 بشيء اليوم؟». وإذ أكّد أن العمل على تحرير أموال المودعين والنقابات حق مشروع، دعا لإيجاد الطريقة الأنسب لتحقيق ذلك مع التنبّه إلى حظوظ الربح والتوقيت.

ماذا عن التنسيق مع النقابات الأخرى؟ الاجتماعات الأسبوعية مستمرة منذ سنة تقريباً لكن وحدها نقابة المحامين هي التي اقتنعت بالدعوى على عكس باقي النقابات، من وجهة نظر بخاش. «قد نربح في البداية لكن الملف سينام في محكمة الاستئناف جنباً إلى جنب مع ملف بنك إنترا. المشكلة ليست في المصرف وإنما في السياسة، وأظن أن لدينا فرصة لبناء لبنان المستقبل من خلال ترسيم الحدود البحرية. هذه الدعوى ستُفشل القطاع المصرفي ما لا يخدم مصلحة الوطن حالياً».

عن الحل يشير بخاش إلى أنه لا يتمثّل بقرارات شعبوية تؤدي إلى إغلاق المصارف أبوابها، إنّما في القيام بإصلاحات وعملية إعادة هيكلة كما إرجاع الثقة عبر ترسيم الحدود وإعادة الرساميل ما يساهم في إطلاق العجلة الاقتصادية من جديد. «يجب أن تعمل النقابات بطريقة تدريجية، لا تصادمية، مع الطبقة الحاكمة. فلننتظر تطوّرات ملف الترسيم وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أولاً»، يقول خاتماً.



النقيب ناضر كسبار



الأمل الأخير؟

ننتقل إلى نقيب المحامين، ناضر كسبار، الذي أوضح لـ»نداء الوطن» أن الهدف الرئيسي من تقديم الدعوى هو حماية ودائع المودعين عبر حماية المصارف من القيّمين عليها (رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات) الذين «عاثوا فساداً في الإدارة وأهدروا الودائع عبر سلسلة من الإجراءات غير القانونية». لناحية التنسيق، هو قائم ودائم عبر اتحاد نقابات المهن الحرة والذي يتضمّن 16 نقابة تمثّل أكثر من 120 ألف مهني حرّ. ويتابع كسبار أن نقابة المحامين في بيروت، عبر لجنة حماية حقوق المودعين، قامت بإعداد الدراسات اللازمة والإنذار المتوجب بالإضافة إلى استحضار الدعوى، كما أرسلتها إلى جميع النقابات مكلّفة مكتب الارتباط الذي يضم جميع الوكلاء القانونيين للنقابات، بغرض إدامة التنسيق في ما بينها.

ماذا عن تزامن التوقيت مع اعتكاف القضاء؟ «يتطلّب تحضير وإعداد دعوى من هذا النوع وقتاً حرصاً من النقابة على إغلاق جميع الثغرات. كذلك لم نكن نتوقع أن تعتكف العدالة في سابقة خطيرة من نوعها، لذا فإن توقيت تقديم الدعوى لم يكن مرتبطاً بأي شكل من الأشكال باعتكاف القضاء»، كما يردّ كسبار.

الخطوة شعبوية كما يصفها البعض. وإذ نسأله، يعتبر كسبار أن «ليس للنقابة الوقت الكافي للردّ على اتهامات مغرضة من هذا النوع. فالدعوى تُعدّ الأمل الأخير لاستحصال المودعين على حقوقهم، كونها تؤمّن الولوج إلى العدالة من خلال تعقّب وملاحقة جميع المخالفات المرتكبة، أي أنها، وبمعنى آخر، ستُغني عن التدقيق الجنائي».

أما عن المنطق الرامي إلى تقديم دعوى على مصرف واحد فقط، فقد وصّفه كسبار بالتقني البحت، شارحاً: «لقد اتّفقت نقابات المهن الحرة على أن تقوم كل نقابة باختيار أحد المصارف التي تتعامل معها، وبالتالي تكون جميع المصارف عرضة للدعوى نفسها». فنقابة المحامين، كما أردف، تقوم حالياً بمسح شامل للاستحصال على القائمة النهائية للمصارف التي سيجري الادّعاء عليها وذلك تجنّباً لاستثناء أي مصرف.



عبده غصوب



حذار الثغرات

بين نقابات متحمّسة وأخرى متريّثة أو حتى معارضة، يوضح المستشار القانوني البروفيسور عبده غصوب أنه تم تعديل القانون رقم 2/67 بالقانون رقم 110/91، لتنحصر بموجب المادة 2 منه صلاحية الطلب من المحكمة المختصّة تطبيق أحكام توقّف المصرف عن الدفع بحاكم مصرف لبنان. وبالتالي ستُردّ الدعوى لعدم الاختصاص ولعدم مراعاة الشروط الشكلية في تقديمها.

أما الثغرة الثانية، والكلام لغصوب، فهي توجّه نقابة المحامين إلى محكمة البداية (الغرفة الإفلاسية) التي، حين تلاحظ توفّر شروط إفلاس المصرف، ستُعلن بنفسها إفلاسه. وهكذا، إن كان الهدف من قانون التوقّف عن الدفع هو «إبعاد كأس الإفلاس المرّة عن المصرف» فقد ذهب المدّعون مجاناً إلى إعلان إفلاسه.

ويسأل غصوب ثالثاً: «من هو المتوقّف عن الدفع، مصرف لبنان أم المصارف التجارية؟ وإن كان المودع يعتبر أن علاقته المباشرة مع المصارف التجارية، فهذا كلام غير منطقي لأننا في هذه الحال أمام علاقة تقصيرية وليس عقدية. وحين يكون هناك اشتراك بالجرم المدني ويصعب تحديد نسب المسؤولية، تكون كل الأطراف المعنية مسؤولة على قدر المساواة». وهو ما يُترجَم عملياً بأن ثمة مسؤولية تضامنية بين الدولة، مصرف لبنان والمصارف التجارية التي اشتركت في الهندسات المالية للمركزي دون إدراك العواقب.

الحل بالنسبة إلى غصوب يشترط استخدام القانون 2/67 المعدّل بالقانون رقم 110/91 كوسيلة لتعويم المصارف وليس للاقتصاص منها، حسب الغاية التي وُضع هذا القانون أساساً لها. وهو ما يتطلّب الاستعانة باختصاصيين ناجحين في علومهم وتجربتهم لإعداد خطة تعافٍ اقتصادية شاملة تكون مسألة إعادة تأهيل المصارف وتسهيل دمجها إحدى نقاطها الأساسية للنهوض مجدّداً بالبلد.

واصف الحركة



«الإفلاس الإحتيالي» أجدى

دعوى «التوقف عن الدفع» أو دعوى «الإفلاس الاحتيالي»؟ أي منهما يخدم مصلحة النقابات أكثر وينتقل بنا إلى نظام مصرفي مستقبلي مستقل؟

عن هذا السؤال يجيب عضو الهيئة التأسيسية في المرصد الشعبي لمكافحة الفساد، المحامي واصف الحركة، في اتصال مع «نداء الوطن» لافتاً إلى أن قانون التجارة البرية اللبناني وصف المفلس بالفرد أو المؤسسة التي تتوقّف عن دفع ديونها. والإفلاس ثلاثة أنواع: العادي الناتج عن أزمة عادية؛ التقصيري وسببه ارتكابات كان يمكن التنبّه إليها؛ والاحتيالي نتيجة ارتكاب أفعال احتيالية، وهذا ما عالجته أيضاً المادة 689 عقوبات. ويضيف: «القانون الخاص رقم 2/67 الذي صدر في العام 1967 أقرّ نظاماً قانونياً خاصاً بالمصارف هدفه إنقاذ تلك المتوقّفة عن الدفع من الإفلاس. حينها كانت المصارف تمارس دورها على أكمل وجه، لكنها اليوم مرتكبة ووضع البلد غير طبيعي هو الآخر. فهذا القانون الخاص لا يمنع تطبيق المادة 689 عقوبات خاصة وأنه لم يتم تعديله منذ صدوره».

وفي مقارنة بين الدعويين، يرى الحركة أن تأثيرات التوقّف عن الدفع تبدأ لدى صدور الحكم، فترفع إدارة المصرف يدها عن أعماله وتتوقّف الإجراءات الفردية فيصبح المودع غير قادر على تقديم دعاوى خاصة، كما تسقط آجال الديون وينشأ التأمين الإجباري. ويأتي ذلك في محاولة لتأمين استمرارية المصرف وتسديد أموال المودعين وإلا يجري بيع المصرف أو تصفيته. هذا إضافة إلى أن القانون يمنع ملاحقة الفاعل المرتكب ومحاسبة المصارف المرتكبة. من هنا ضرورة اللجوء إلى الإفلاس الاحتيالي.

لماذا؟ لأن إجراءاتها أسرع ويُحاسَب المرتكب فيها جزائياً بالسجن، كما يُسمح فيها لكافة الأفراد بتقديم الدعاوى فتكون المحاسبة على الأفعال أقوى. أضف إلى ذلك أن الدعاوى المماثلة تعيد الثقة للمودع اللبناني والأجنبي من خلال محاسبة جميع المرتكبين. لكن الحركة يبدي تخوّفاً من أن «تؤدي دعاوى التوقّف عن الدفع إلى إطالة الأمد وتكون نوعاً من الهروب من العقاب، في حين أن دعاوى الإفلاس الاحتيالي كفيلة بملاحقة كل فرد من الثالوث المتحالف، أي السلطة السياسية، أصحاب المصارف - ومعظمهم سياسيون - وحاكم المصرف المركزي».

مرجع قانوني متابع استغرب ختاماً عدم جمع النقابة للمحامين الباحثين لاستمزاج آرائهم. كما نبّه إلى حالة عدم الوضوح لناحية الصلاحيات والقانون واجب التطبيق وإن كان القضاء المدني أو الجزائي المرجع المختص في هذا الصدد. أما الأهم في نهاية المطاف، فيبقى وقوف سلطة الملاحقة، أي النيابات العامة، على الحياد لاحقاً من عدمه.


MISS 3