هيل يُهادن 8 آذار... وإعادة هيكلة الدَّين باتت "على الطاولة"

الفتنة نائمة... ودياب أيقظها!

02 : 00

كباراً وصغاراً نزلوا إلى الشارع عند تقاطع طريق الجديدة - كورنيش المزرعة رفضاً لتكليف حسّان دياب (فضل عيتاني)

كلمة حق تقال، نجحت قوى السلطة، ونجاحها كان باهراً، في حرف مسار المشهد المتأزم وتحويره، من ثورة وطنية مطلبية عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق ضد الطبقة الحاكمة ومنظومتها الفاسدة، إلى انتفاضة سنّية بحتة رافضة للسطو على مقام الرئاسة الثالثة وتولية أمر السراي الكبير إلى شخصية هزيلة لا وزن لها في ميزان قيادات الطائفة. فالفتنة التي لطالما حيكت وسادة نومها بعناية بغية إبقائها في حالة سبات عميق، باغتها تكليف حسّان دياب عنوةً وغصباً عن الشارع السنّي فأيقظها ودفع البلاد إلى حافة فتنة مذهبية من شأن نيرانها، في حال اكتملت عناصر اندلاعها بين الشوارع المضادة، أن تحرق ما تبقى من أخضر ويابس في هشيم الاستقرار الهشّ بمختلف عناصره الاقتصادية والاجتماعية... والأمنية.

وأمام حالة الغليان في الشارع السنّي، وقد بلغت حدة الهيجان ذروتها أمس على مختلف محاور المناطق ذات الأغلبية السكانية السنّية لا سيما عند تقاطع طريق الجديدة – كورنيش المزرعة، يتصرف الرئيس المكلّف بكثير من الاستعلاء والمكابرة إلى درجة الظهور بمظهر الفخور المعتدّ بالنفس متعامياً عن حقيقة كونه منبوذاً من بيئته غير الحاضنة لتكليفه... ورغم ذلك صال دياب وجال على صهوة لقب دولة الرئيس "المبهبط" على قامته النرجسية متباهياً بقماشته الرئاسية الطارئة على نادي رؤساء الحكومات من دون أن يرفّ له جفن حيال صرخات وهتافات بني جلدته في مشهد بدا معه من بني طينة "أنا ومن بعدي الطوفان".

ولعلّ جرعات الإشادات التي انهالت عليه من إعلام قوى الثامن من آذار بوصفه "يجيدُ القيادةَ في الزحمة"، كما عبّرت قناة "المنار"، ساهمت أكثر فأكثر في ارتفاع منسوب "الأنا" في شخص الرئيس المكلف ليطل عبر منابر صحافية عدة داخلية وخارجية متحدثاً عن فتوحاته الموعودة في دنيا المال والاقتصاد والإصلاح وإنجازاته المؤكدة في حل أزمة البلد. في حين بدت قوى 8 آذار نفسها كمن يتجرع جرعة اطمئنان لخطوة تشكيلها حكومة من لون واحد ربطاً بكلام المبعوث الأميركي السفير ديفيد هيل التهدوي المهادن لهذه الحكومة، إنطلاقاً من تشديده على أنّ واشنطن "ليس لديها أي دور في قول من الذي ينبغي أن يتولى رئاسة الحكومة وتشكيلها أو أي حكومة" تتشكل، وهو تصريح أميركي يثلج بطبيعة الحال قلب العهد ويبدد مخاوفه من حصار أميركي وغربي محكم عليه وعلى حكومته، فسارعت قناة "أو تي في" بدورها إلى التنويه بـ"مضمون كلام هيل ومحوره أنّ الأهم من شخص رئيس الحكومة أن تكون الحكومة فاعلة". أما رئيس الجمهورية ميشال عون، فاعتمد في مخاطبته هيل سياسة تسويق "بضاعة" دياب الحكومية في السوق الأميركي، عبر إشارته إلى أنّ الحكومة العتيدة "ستتألف من فريق عمل منسجم قادر على مواجهة الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان، سياسياً واقتصادياً"، ليحمّل ضيفه رسالة تمنى فيها أن "تشارك الولايات المتحدة مع المجموعة الدولية لدعم لبنان للاتفاق على النقاط الإصلاحية الضرورية"، آملاً في رسالة أخرى على المقلب الحدودي "إقناع إسرائيل الالتزام بترسيم الحدود البحرية بهدف تثبيت الهدوء والاستقرار في الجنوب".

وكما الولايات المتحدة، جاء موقف باريس غير تصعيدي في مواجهة حكومة "اللون الواحد"، من خلال اكتفاء الخارجية الفرنسية رداً على سؤال حول تسمية حسان دياب رئيساً مكلفاً بالقول: "ليس لنا أن نقرر في تشكيل الحكومة اللبنانية المستقبلية، هذا الأمر يُترك للمسؤولين اللبنانيين للقيام به مع مراعاة المصلحة العامة لجميع اللبنانيين، ويجب أن يكون المعيار الوحيد كفاءة هذه الحكومة في خدمة هذه الإصلاحات التي ينتظرها الشعب".

إذاً، وبينما من المتوقع أن تشكل المواقف الأميركية والفرنسية عنصراً دافعاً لقوى 8 آذار نحو المضي قدماً في مسار التكليف والتأليف في سياق يهمّش اعتراضات الشارع الثائر ويدحض نظريات "المؤامرة الأميركية" التي تقف خلف ثورة 17 تشرين... يمضي على خط موازٍ مؤشر الانحدار الاقتصادي والمالي قدماً ويواصل شق طريقه نحو قعر الانهيار، بحيث لم تعد عملية "إعادة جدولة الدين" مجرّد زلّة لسان من وزير المال، ولا هاجساً يحاذر الداخل والخارج مقاربته، بل أصبحت واقعاً موضوعاً "على الطاولة" تجاوز مرحلة التداول به في الكواليس ليصل إلى مستوى المجاهرة بحتمية حصوله في تقارير المؤسسات المالية العالمية، وأبرزها "غولدمان ساكس".

وفي هذا المجال، باتت إعادة الهيكلة (ص 8) تعتبر جزءاً من حلّ متكامل لإنقاذ الوضعين الاقتصادي والمالي لا سيما وأن مستحقات لبنان للعام 2020 تفوق 4 مليارات دولار، وليس للبنان في وضعه المالي أي إمكانية للتسديد... وحتى لو تمّ التسليم جدلاً بتوفّر هذه الأموال فهل ينفقها لبنان بسداد التزاماته أم يضطر إلى توفيرها لتمويل الخبز والدواء والحاجات الاساسية؟


MISS 3