خضر حلوة

محمد شطح والليالي الظلماء

23 كانون الأول 2019

00 : 33

في الذكرى السادسة لاغتيال محمد شطح وللخسارة الكبرى التي مني بها لبنان كله، ومع الاخذ بعين الاعتبار لكلمات كثيرة عبّرت عنه، ولمواقف عديدة صدرت من قبل محبيه سواء بالسياسة او بغيرها، ومن المعجبين بشخصيته، او من المدركين لاهمية الدور الذي لعبه في العمل السياسي وتصويب البوصلة، خاصة في حقبة صعبة ومعقدة، فان استذكاره ما زال صالحاً بل مستفقداً استفقاد البدر في الليالي الظلماء التي نمر بها. اسمح لنفسي كصديق حميم وليس كقريب له بالدم، بل كقريب بالفكر والرؤية والهدف ان اعبر، باسم اصدقائه الكثر في طرابلس وفي بيروت وفي كل بقعة من بقاع لبنان، عن المٍ ما زال ينتابنا، وعن خسارة ما زالت فادحة لانسان تمتع بذكاء وحنكة وعمق بالتفكير الى جانب رؤية وطنية لبنانية عشناها معه منذ عمر الشباب مروراً بمرحلة النضج وصولاً الى قمة مرحلة العطاء بالعمل السياسي بمعناه الواسع مصحوباً بخبرة مالية واقتصادية شمولية، تضاف اليها قدرة فكرية في ابتكار الحلول الناجعة من نواحٍ عديدة.

وفي ظل ما تمر به البلاد وما يتوجب عمله فان محمد شطح كان ليكون بلا ريب "حلال المشاكل والعقد" متناغماً مع انتفاضة الشعب بكل مطالبه وموائماً بينها وبين اهل السلطة واصحاب القرار، ان لم نقل ملتزماً بالمطالب وباوجاع الناس.

وما نقوله ليس من باب الخيال، بل من باب المعرفة الوثيقة بما كان يفكر به وما يتوق اليه في وطن احبه واحببنا ان ننهض به معه. ويمكنني التأكيد على نهج النقد البناء الذي كان يمارسه مع مختلف الطبقة السياسية الحاكمة، وخاصة مع الجهة التي حسب عليها، لانه كان حر التفكير، جريء الرأي، نزيه الاداء، واضح الكلام، صارماً بتهذيب، مواجهاً بالحجة والمنطق، متعالياً بادب وخفر وظريفاً لطيفاً في مداخلاته حاملاً في تكوينه مزايا اخلاقية وفكرية وسلوكية جعلت من كل من عرفه عن قرب ان يفتقده في هذه المرحلة الشديدة الصعوبة، حتى لو كانوا من خصومه السياسيين.الكلام عن محمد ليس له حدود، وقد اجادت شخصيات كثيرة في ذكرها خلال السنوات الست الماضية، ولم يفسح المجال لمن "خبزوه وعجنوه" من اصدقائه غير السياسيين ان يعبروا عن المهم بفقدانه، وهو دائماً موجود معهم ليس في السياسة وحسب، وانما في الفلسفة التي احبها، او الاجتماع او الدين او الفن والموسيقى او فن العمارة. وفي كل ما يتعلق بالحياة والبشر بدءاً - او خاصةً - في لبنان الذي احب، وصولاً الى ارجاء المعمورة. فاحاديث الاصدقاء والذكريات الشبابية كانت تشدنا الى ساعات وساعات لا نمل منها معه وما كان يمل منها معنا حتى نكاد لا نصدق حتى هذا اليوم ان محمد شطح قد رحل ولن يعود وهو في عز العطاء، بل يمكنني ان اقول، باسم اصدقائه ومحبيه، ان لدينا احساساً قوياً، حين نجتمع سوياً، بان محمد ينقصنا، كما ينتاب الكثير ممن تعاملوا معه او عرفوه، من خلال مناصبه المتعددة، ان محمد شطح ما زال ينقصهم، خاصة وقت الملمات وفي خضم العواصف الهوجاء التي تجتاح البلد بعد مئة عام على اعلانه كدولة، فهل نستطيع ان نهدي محمد شطح في ذكراه السادسة بشرى "لبنان الجديد" بمساحته ذاتها التي تتسع لكل اللبنانيين، وبنظام سياسي واجتماعي كان يبحث عنه دائماً صوناً لحقوق المواطنين الذين ظلموا لعقود؟.

*سفير سابق


MISS 3