آدم شمس الدين

يضيّعون المسؤوليات ويميّعون الحلول ويهربون من المحاسبة

لا هيكلة جدية لمصارف "الزومبي" بوجود رياض سلامة

17 تشرين الأول 2022

02 : 00

يحاولون تضييع المسؤوليات ولا عزاء للمودعين!

6 أشهر مرت على عقد الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي. وتضمن ضرورة «اقرار الحكومة مشروع قانون لاعادة هيكلة المصارف» و»موافقة البرلمان على قانون طارئ لوضع استراتيجية لاعادة هيكلة المصارف» و»اطلاق عملية تقييم من جهة خارجية لأكبر 14 مصرفا في القطاع».

بعد 6 أشهر تواصل السلطة السياسية والمصرفية بالتعاون مع المصرف المركزي البحث في جنس الملائكة. قوانين كان من المفترض ان تكون بحكم الجاهزة فور اطلاق ورشة العمل.

اليوم يمكن الاطلاع على مشروع قانون شبه منجز من قبل الحكومة بعنوان «مشروع قانون لاعادة الانتظام المالي»، ومسودة عن هيكلة المصارف لم تنته من انجازها لجنة الرقابة على المصارف حتى اللحظة وان تسرب الجزء الاكبر منها باللغة الانكليزية وهي في طور الترجمة الى اللغة العربية. مشروع القانون والمسودة يكملان بعضهما البعض، كمقاربتين متجانستين، ولكن حتى هذه اللحظة لا يمكن الحسم برسمية النصين حتى الاعلان عنهما بشكل نهائي.



سمير حمود



حمود: يعالجون الشكل دون الجوهر... فالقطاع انتهى!

رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق سمير حمود يرى أن «مشروع القانون والمسودة التي تسربت عن لجنة الرقابة على المصارف تعالج شكل الازمة في القطاع وليس جوهرها. «نحن نتحدث عن نمط عمل مصرفي انتهى الى غير رجعة، وبالتالي فان المعالجة الدفترية لأزمة القطاع عبر هيكلته بالشكل التقني والدفتري المقدمة في القانون أو المسودة لا تجيب عن السؤال حول الدور الذي يفترض ان يلعبه القطاع لاحقاً، بعد ان انتهى النمط الذي اعتمد عليه سابقاً.

النمط كان بالاعتماد على دولة تستدين من القطاع المصرفي ومصرف مركزي يقدم فوائد أعلى من الفوائد السوقية لجذب الودائع ووضعها كتوظيفات لديه، انتهى هذا النمط بافلاس الدولة والمصرف المركزي، ولا يمكن اعادة التأسيس مجدداً بدون تقديم مقاربة للدور الذي يجب ان تضطلع به المصارف بعد اعادة هيكلتها».

يذهب حمود ابعد من الشكل، ويفند عدداً من البنود الواردة في مشروع القانون ويتوقف عند التصنيفات الورادة فيه للودائع بين «المؤهلة» وتلك التي عدت ودائع «غير مؤهلة».

يعود حمود في التاريخ الى العام 1993 والى الفترة التي حاول فيها جاهداً الرئيس الشهيد رفيق الحريري وحاكم المصرف المركزي الجديد (آنذاك) رياض سلامة تقديم كافة التسهيلات والضمانات والاغراءات لجذب المودعين والمستثمرين للتوظيف بالعملة المحلية بدلاً من العملة الاجنبية.

طمأنوا الناس الى وضع الليرة... ويريدون تدفيعهم الثمن

«رغم كل الجهد الذي بذل آنذاك وعلى الرغم من الربيع السياسي الموعود، لم تتعد نسبة الايداعات بالليرة اللبنانية 30% مقارنة بـ70% للإيداعات بالعملة الصعبة. اليوم يريد واضعو مشروع القانون الايحاء بأن من اقدم على تحويل ودائعه بعد السابع عشر من تشرين 2019 قام بذلك بنية احتيالية.

لكن لا يمكن ان ننسى أن جزءاً كبيراً من هؤلاء تم اغراؤهم بالفوائد العالية التي اعطيت على الليرة اللبنانية، وبالتطمينات الزائفة وحملات الاعلان الترويجية بضرورة الثقة بالعملة الوطنية. فقاموا بتحويل أموالهم الى الليرة اللبنانية.

وعليه جزء ممن قام بتحويل ودائعه الى الدولار بعد السابع عشر من تشرين، انما قام بذلك بفعل الازمة نفسها وبفعل سقوط الهيكل.

واليوم هناك من يريد ان يقول لهؤلاء انه عليهم ان يكونوا أول من يدفع الثمن».

بقاء الوضع على ما هو عليه حتى خروج الحاكم

يرى حمود ان اعادة هيكلة القطاع المصرفي بالمسودة المسربة تحاول قدر المستطاع الحفاظ على حالة المصارف على ما هي عليه الى حين انتهاء ولاية الحاكم. «هذه المصارف لا تزال حتى هذه اللحظة تعمل بفعل تقاضيها الفوائد من المصرف المركزي، والحالة المستمرة على هذا الشكل ستنتهي لحظة انتهاء ولاية الحاكم. اذ لن يقدر اي حاكم جديد أن يستمر في المقاربة نفسها، اذا كان يطمح بتسلم منصب يفترض به ان يشرف على مساهمة القطاع المصرفي بلعب الدور المنوط به وهو تحريك العجلة الاقتصادية. استمرار هذه الحالة الى حين انتهاء ولاية الحكم يعني حكما أنه لحظة الوصول الى هذا التاريخ، الجزء الاكبر من هذه المصارف لن يصمد».

لا مفر من شراكة مصرفية إقليمية تضخ رساميل جديدة

بالنسبة لحمود السبيل الوحيد للخروج من الازمة يجب أن يستند الى شراكة مصرفية اقليمية، تضخ رساميل جديدة، بمقاربة اقتصادية استثمارية وليس بمقاربة توظيفية ربحية فحسب، أي عكس عملية الخروج المصرفي الدولي والاقليمي الكبير الذي بدأ عام 2002. يختم حمود بالقول «لا قطاع مصرفياً من دون كبار مودعين، ولا اقتصاد من دون قطاع مصرفي».



جان رياشي


رياشي: ماذا عن الخسائر الهائلة، ومن يتحملها، وكيف؟

رئيس مجلس ادارة FFA bank الاستثماري جان رياشي يعتبر أن مشروع قانون اعادة الهيكلة والمسودة التي تسربت يعتمدان على مقاربات ومعايير دولية علمية. لكن ايجابية تقييم رياشي لمشروع القانون والمسودة يتقلصان تدريجياً عند الدخول في تفاصيل المشروع والمسودة. «المشكلة الاولى، وربما هي مسألة طبيعية لان ذلك ليس دور القانون والمسودة، هي انهما لا يحددان الخسائر بشكل كلي، بل يتحدثان عن 3 انواع خسائر، الخسائر على سندات الدين، مراكز القطع، مصرف لبنان وأيضاً القروض. كل هذه الخسائر باتت بحكم المشروع والمسودة بحكم الخسائر الواقعة على المصرف المركزي. ولا يتحدث القانون عن حجم هذه الخسائر بل يعيدك الى خطة التعافي».

حتى الـ 100 ألف دولار ليست مضمونة لكل المودعين

يرى رياشي كثيراً من الغموض في تفاصيل عدد من البنود الواردة في القانون. «مثلا بالنسبة لمعالجة الودائع التي هي تحت سقف الـ100 الف دولار، يتحدث القانون عن طريقة معالجتها كل بحسب مصرفه، وما اذا كان قابلا للاستمرار أو هو مقبل على التصفية. ما يعني ان سيئ الحظ الذي تتواجد وديعته في مصرف سيحدد على انه غير قابل للاستمرار، على هذا المودع أن ينتظر مرحلة الانتهاء من تصفية المصرف للحصول على جزء من وديعته، ونحن نتحدث هنا فقط عن الودائع الصغيرة».

سنشهد استنسابية في المعالجة وستعلو صرخات مصارف

غموض آخر يتوقف عنده رياشي هو التصينف بين الودائع المؤهلة وغير المؤهلة. «بعيدا عن ذلك، الازمة لا تزال على ما هي عليه. وهي انك تحاول معالجة أزمة قطاع ومصارف دائنة لمؤسسة خاسرة وهي المصرف المركزي. ولا أستبعد ان تسلك طريق المعالجة واعادة الهيكلة مساراً استنسابياً واتوقع ان تتزايد الصرخات في جمعية المصارف، بين مصارف تعتبر نفسها اقدر على الصمود من غيرها، ولكن سيتم اخضاعها لنفس المسار بفعل عدم قدرة المصرف المركزي على معالجة خسارته وهي الاساس».

نحو ليلرة طويلة ومضنية وغير مضمونة النتائح

يرى رياشي انه على الرغم من أهمية اعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي سيؤدي حكما الى تقليصه، الا ان ذلك لا يعني ان اعادة الهيكلة ستحل المشكلة، لأنه وبكل بساطة فان الموجودات الكبرى هي في المصرف المركزي، والمصرف المركزي غير قادر على اعادتها سوى بالليرة اللبنانية. «المودعون لن يتمكنوا من الحصول على اموالهم بالعملة الوطنية، الا بالتقسيط الطويل والمضني عبر الاستمرار بطبع الليرة، ولا ارى امكانية حصول ذلك ولو كانت النية محسومة سلفاً باعتماد هذه المقاربة الا بعد اصدار قانون للكابيتال كونترول».





غبريل: يقدّمون حلاً تقنياً لا يعيد الثقة بالقطاع المصرفي

مدير الدراسات في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل يعتبر ان اضافات قليلة تم تعديلها على النسخة الاخيرة لمشروع القانون ومسودة لجنة الرقابة على المصارف. «تمت اضافة فكرة انشاء صندوق استعادة الودائع، كاقتراح تقدم به الرئيس نجيب ميقاتي، اضافة الى احتساب الفائض الاولي للموازنة وارباح المصارف للمساهمة في اعادة تكوين الودائع. لكن الخطة المقدمة من الهيئات الاقتصادية تقدم معالجة أكثر وضوحاً من مسودة لجنة الرقابة على المصارف».

يضيف غبريل ان «المسودة ومشروع القانون يقدمان حلاً تقنياً من دون معالجة امكانية نهوض القطاع، فحتى لو انجزت اعادة الهيكلة فهي لخدمة أي اقتصاد؟ اعادة الهيكلة تشهدها كافة القطاعات دون قوانين أو خطط واضحة، بل الازمة فرضت على كافة القطاعات ان تعيد هيكلة نفسها بنفسها بحكم الانهيار».

يصر غبريل على أن «المشكلة هي مشكلة ثقة بالقطاع المصرفي والمصارف. واعادة الهيكلة لن تعيد هذه الثقة. «أي مودع او مستثمر لن يتجرأ على الثقة بالمصارف او القطاع ولو تقلص العدد او تمت اعادة هيكلة المصارف.

فالأساس هو بالثقة التي باتت معدومة في قدرة السلطة السياسية على تأمين الظروف المناسبة لعودة العجلة الاقتصادية. والمشكلة ليست بالقوانين بل هي في قدرة أو رغبة تطبيقها».

أشبه بقوانين لم تمنع التدخين ولم تقمع مخالفات السير

يربط غبريل بين قانون منع التدخين وتطبيقه وأي قانون لاعادة هيكلة المصارف وقدرة تطبيقه، أو حتى يستعين بقانون السير وتطبيقه وقدرة السلطة على تطبيق قانون لاعادة هيكلة المصارف. «يكفي الاطلاع على المؤشرات الصادرة عن البنك الدولي حول الشفافية والحوكمة وقدرة السلطة السياسية في عدد كبير من البلدان على تطبيق قوانينها ومرتبة لبنان في هذه المؤشرات. 80% من البلدان المشمولة في الدراسة تطبق قوانينها بشكل افضل من لبنان. وهذه المؤشرات هي الاساس للوصول الى الخلاصة ومفادها: أن الثقة بمن يدير البلاد هي الأساس لأي معالجة». يذهب غبريل حد انتقاد الشروط المسبقة لصندوق النقد الدولي. «معظم شروط الصندوق تقنية ولو كانت تعنى بالشأن المصرفي. كنت اتمنى ان تتضمن هذه الشروط، انشاء هيئات ناظمة لها علاقة بالحوكمة. المشكلة الاساس هي في الحكومة، وهذا ما يمكن ان يعيد الثقة وليس اعادة هيكلة القطاع».