فادي كرم

الفاشية ولعنتها

24 كانون الأول 2019

02 : 00

أمين سر تكتل الجمهورية القوية الدكتور فادي كرم

الفاشية مرض بغيض أصاب عدداً من الشعوب الاوروبية وغيرها من شعوب العالم في القرن الماضي، فهي العصبية المجنونة التي تتغنّى بوقاحتها وتتفاخر بجنسها وتخوّل لنفسها وحيدةً حق قيادة المجتمعات، ولكن في كل مرّة استلمت الفاشية ادارة وطن ادّت الى اسقاط المجتمع والاقتصاد والديموقراطية، وأخطر من ذلك انهت الاتزان الفكري، فهجّرت اصحاب العقول والعلم والفهم، ودفعت الوطن الى الحضيض تحت نير المجانين والمتكابرين، ولذلك تُعتبر الفاشية نقمة للشعوب وعلّة المجتمعات، انها اللعنة التي ان اصابت ودخلت، تملّكت فأهلكت.

الفاشية تبني امجادها على الاعلام الكاذب والحملات الدعائية وترفض العقلانية والصدق، وتعتمد الميكيافيليّة للوصول الى الاهداف الخاصة فتنبذ الصالح العام والقانون. الفاشية لا تحترم الدساتير وعمل المؤسسات لانها تُربّي الشعوب على التبعية والزبائنية والخدماتية. الفاشية تُهمّش المواطنية لصالح تعظيم الزعيم المُلْهم، والفاشية تُحاسب الجميع ولا تسمح لأحد بمحاسبتها، انها التي تسمح لنفسها بكل شئ من دون ضوابط اخلاقية، إنها الدمار الوطني.

الفاشية لا تعترف بتاريخ رسمه غيرها فجميع صفحات النضال التي سبقتها وتضحيات الآخرين للوطن لا قيمة لها، والتفاهمات الوطنية بين ابناء الوطن تعتبرها عوائق امام سيطرتها وتسلّطها، لذا تسعى جاهدةً لمحوِ اثرها. عند الفاشيين لا يجب ان يُذكر اي شئ عن غيرها، فالتاريخ يبدأ معها وتستمر الاحداث معها، وأُشدّد على الاحداث لانه مع الفاشية لا حياة تُعاش ولا مستقبل يُرسم ولا استقرار اجتماعياً اقتصادياً سياسياً يؤمّن، فالفاشية بحاجة دائماً لعدو مُفترض لتواجهه لانها تفتقد للرؤية والقضية الحقيقية، انها بحاجةٍ لابتداع المؤامرات علّها بذلك تُبرّر حجة وجودها، وبحاجةٍ للادعاء بانها الضحية وهدف المتآمرين من الداخل والخارج لانها تسعى لشفقة المواطنين الابرياء. تخوِّن الغير لانه هو فقط "الغير"، وتُحاكم الرأي الآخر لانه هو فقط "الرأي الاخر"، وترفض اي طرح يأتي من الآخرين حتى الذي يأتي لصالحها لانه ليس رأيها، وتدّعي القوة والبطولة بوجه الجميع الا بوجه الذي تخافه فهي عندها جبانة خائفة مهرولة وهاربة، ودائماً هروبها يكون تحت عنوان بطولةٍ ما، إنها دعائية وابداً ليست حقيقية.

الفاشية تستقتل لتُزيل كل ما سبقها من نضالات وتضحيات ومصالحات وتفاهمات، وتسعى لان ترسم التاريخ بدءأً من حاضرها فلا تحترم تاريخ غيرها ولا تُقدّر آلاف الشهداء الذين سقطوا على مذبح الوطن قبل ان تكون موجودة هيَ. تعمل لتغيير الهوية الفكرية لان الفكر الحر عدوّها، ولكن تبقى نقطة ضعفها، جهلها للتاريخ الذي يُحتّم عدم ذكرها في المستقبل الا، بدمارها ومآسيها.

في لبنان معضلة الفاشية ان الحُرّية هي الغذاء اليومي والعقيدة الدائمة التي لم يتخاذل اللبنانيون يوماً في الدفاع عنها، فأضحت الفاشية هي النقيض الواقعي للحرّية في لبنان لانها حليفة الحسابات الخارجية والمشاريع الغريبة عن تراث الحياة اللبنانية الحُرة، إنها بتحالفاتها تمثّل معادلة إلغاء لبنان وسقوط وطن الارز، إنها معادلة تفاهم المعتدّين بعظمتهم مع الهادفين لتغيير هوية لبنان. ولكن الفاشية دائماً ضعيفة وأضعف الفاشيات هي الفاشية في لبنان لانها لا تنتمي للعقلية اللبنانية ولن تصبح من نسيج الشعب اللبناني، فهي تخاف مقالة وتُحاول اسكات الصحافة وتُهدّد الاحرار بالحروب والفوضى وبالتصفية بطريقةٍ او بأخرى، هي التي ترى انتفاضة الشعب اللبناني لكرامته إهانة لعظمتها، إنها لعنة الشعب اللبناني.

عند الفاشية ليست فكرة الوطن اللبناني هي الاساس، بل التمكّن من السلطة هو الهدف، فان لم تكن هي السلطة فتعمل على نشر الفوضى والنعرات وتدمير النجاح، وعند قبضها على السلطة يستمر التدمير، ولكن هذه المرّة لمن يعارضها، فهي لا تؤمن بشيء اسمه معارضة، فالفاشيون بالاساس يعشقون لعبة السلطة والربح والخسارة ولا يهمهم المصلحة العامة وهدفهم ابداً الربح بأي ثمن وبكل السبل، وبالتالي استمرارهم هو انهاء للوطن.

MISS 3