طوني فرنسيس

التجربة السويسرية والإتفاق اللبناني الوحيد

20 تشرين الأول 2022

02 : 00

لم ينجح حوار لبناني غير حوار «الطائف». نجاحه كان نتيجة لخراب عميم طال البلاد. أحزاب طائفية تنازعت وتضاربت للهيمنة على بيئاتها، ثم عندما عجزت عن التوسع إلى خارج «اراضيها» ارتدت إلى الداخل. في الأعوام القليلة التي سبقت مؤتمر الطائف، احتلت إسرائيل نصف لبنان و»استردت» سوريا النصف الثاني. تحولت بيروت غرباً وشرقاً إلى غابة اشقياء، اشتباكات الثنائي الشيعي امتدت من بيروت إلى الجنوب، وإلى الشمال دارت حروب الأخوة المسيحيين. كانت الطبخة قد نضجت على نار هزيمة الجميع، فنجح مؤتمر الطائف.

المؤتمرات الأخرى جميعها كانت مجرد جلسات تعارف وتكاذب، إلا مؤتمر الدوحة الذي فرضه «حزب الله» نتيجة اجتياحه بيروت.

كان يفترض بلقاء سان كلو الفرنسي ( تموز 2007) أن يمنع الوصول إلى أيار 2008، إلا أنه لم ينجح في ذلك، وكان يفترض بحوار نبيه بري صيف 2006 أن يحول دون حرب تموز ففشل فشلاً ذريعاً، وفي وقت لاحق كان يفترض بحوار ميشال سليمان واعلان بعبدا أن يضبطا حركة الميليشيات في لبنان وإلى خارجه، لكن الإعلان تمّ غليه وشرب مياهه بأسرع من البرق.

يصحّ في السياق توجيه الشكر لمؤسسة هنري دونان السويسرية على اهتمامها رغم خسارتها عشاء لممثلي أحزاب وتنظيمات وشخصيات، فهذه المؤسسة التي ترعاها الحكومة تجعل من تنظيم حوارات لحل النزاعات مهمتها الاولى، لكن نجاحها ليس مضموناً، خصوصاً في نزاعات معقدة كمثل النزاعات اللبنانية التي تتداخل فيها مصالح أجنبية تلقى في الداخل اتباعاً وميليشيات ودويلات. وفي بيان السفارة السويسرية عن تأجيل حوار العشاء «السري» إشارة إلى هذه المصالح، فالدعوة إلى العشاء تمت بعد اتصالات «اقليمية ودولية «شملت» جميع الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية للتحضير لمناقشات تشاورية وليس لمؤتمر حوار.

سويسرا قادرة على إجراء مثل هذه الاتصالات بسبب حياديتها ولأنها تقيم علاقات جيدة مع كل الدول، ولأنها في إيران تحديداً تتولى تمثيل مصالح الولايات المتحدة، واشارتها إلى مروحة اتصالاتها دليل على إيمانها المسبق بأن مشكلة لبنان هي في خارجه ايضاً.

لكن ذلك لا يكفي، فـ»تعزيز تبادل الأفكار» بين الفرقاء اللبنانيين يمكن أن يتم في مجلس النواب أو الحكومة، ولو تمكن أطراف المجلس من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم ومن دون حسابات وارتباطات لأنجز الأمر ليصبح العشاء تكريمياً ومفتوحاً.

[ ] كانت تجربة مركز الحوار السويسري الأخيرة البارزة في ليبيا. هناك أمضى مندوبوه أكثر من عامين من أجل حوار يتوج بانتخابات رئاسية ونيابية، لكن كل شيء انتهى إلى تجدد الاقتتال والإنقسام، فولاءات بعض الليبيين الخارجية ومصالحهم الخاصة أكبر وأهم من حوار على ضفاف جنيف.

[ ] مرة أخرى يُشكر السويسريون على اهتمامهم، لكن لا دليل في الافق على نضوج حوار لبناني حقيقي وما زال خلاف الأولويات الذي برز في سان كلو بين الحكومة الشاملة أو الرئيس المنتخب، ومن يكون في البداية، يتكرر ويدوم.


MISS 3