جاد حداد

Let Him Go... دراما من نوع آخر

1 آب 2022

02 : 01

يدخل فيلم Let Him Go (دعه يرحل) للمخرج والكاتب توماس بيزوشا في خانة الأعمال الدرامية المتماسكة التي تتمحور حول أشخاص ناضجين، ما يعني أنه ليس من النوع الرائج اليوم. في عالمٍ تطغى عليه قصص الأبطال الخارقين، يقدّم هذا الفيلم عملاً سينمائياً لا يمكن حصره في حقبة زمنية معيّنة. هو يتّسم يإيقاعه الهادئ وجمال مناظره، لكنه يتكل أيضاً على أداء تمثيلي قوي وتتخلله لحظات عنف صادمة.

يؤدي كيفن كوستنر وديان لاين أفضل أداء ممكن بدور "جورج" و"مارغريت بلاكليدج": يقيم هذا العمدة المتقاعد وزوجته البارعة في ركوب الخيل في إحدى مزارع "مونتانا" في بداية الستينات. يتعاون المخرج في هذا الفيلم مع مدير التصوير غي غودفري، فيعرض لنا سماءً زرقاء لامتناهية ومليئة بغيوم بيضاء ناعمة. يتقاسم كوستنر ولاين رابطاً قوياً وسلساً، فهما متزوجان منذ وقت طويل ويشكلان ثنائياً نموذجياً من الغرب الأوسط. تسمح لهما تفاعلاتهما اليومية المريحة والبسيطة بالنضال من أجل الطرف الآخر حين تفرض عليهما الظروف خوض هذه المعركة.

في بداية الفيلم، يتقاسم الزوجان "بلاكليدج" منزلهما المتواضع مع ابنهما "جيمس" (راين بروس)، وزوجته "لورنا" (كايلي كارتر التي قدّمت أداءً مدهشاً في فيلم Private Life (الحياة الخاصة))، وابنهما الرضيع "جيمي". لكن حين يموت "جيمس" في حادث ركوب خيل، ينهار ذلك العالم الهادئ سريعاً. بعد مرور بضع سنوات، تتزوج "لورنا" مجدداً من "دوني ويبوي" (ويل بريتين)، لكن سرعان ما يتّضح أنه زواج اضطراري من الحفل المدني الكئيب وموقف المرأة حين يحاول زوجها الجديد تقبيلها، فتدير له خدّها. خلال لقاء عرضي لاحق في البلدة، تلاحظ "مارغريت" وحشية "دوني" وتدرك أن حفيدها بخطر. يتّسم هذا المشهد بقوة هائلة بفضل الأسلوب الذي اختاره المخرج لتصوير هذه اللقطة، فهو يحمل طابعاً مفاجئاً وصامتاً ويُعرَض من بعيد، انطلاقاً من زجاج سيارتها المُحمّلة بالخشب. يسهل أن نشعر بمعالم الرعب على وجه "مارغريت" في تلك اللحظة.

تقرر "مارغريت" إنقاذ حفيدها الوحيد باعتباره صلة الوصل المتبقية مع ابنها الفقيد، فتبدأ التحرك سريعاً. هي تُحضّر قالب حلوى لذيذ بنكهة الحامض وترسم على وجهها ابتسامة دافئة. تقدّم لاين في هذه المشاهد أداءً مبهراً، فتستعمل سحرها وتدرك حجم جاذبيتها لتحقيق ما تريده في جميع المواقف التي تواجهها. في المقابل، يبدو كوستنر رجلاً هادئاً ويقظاً، وهو دور سهل عليه، لكنه يضفي على هذه الشخصية نفحة من الكآبة التي تناسب دوره. تبرز أيضاً مشكلة الإدمان على الشرب في شخصية "جورج"، ويقدّم الفيلم هذا الجانب من دوره من دون أي مبالغة درامية كتلك الشائعة في هذا النوع من القصص.

لكن حين ينتقل الزوجان إلى داكوتا الشمالية لتعقب "جيمي" في المجمع السكني البعيد الذي تقيم فيه عائلة "ويبوي"، يكتشفان أنهما مضطران للتعامل مع امرأة قوية أخرى تجيد التلاعب بالناس عبر الأطباق التي تُحضّرها. تستعمل "بلانش ويبوي" (ليسلي مانفيل) شرائح لحم الخنزير كسلاح اختياري لتحقيق كل ما تريده: إنها ربة الأسرة الفولاذية التي تنتمي إلى عائلة مافيوية معروفة منذ أجيال. تقدّم مانفيل أداءً جامحاً في هذا الدور الاستعراضي، فتضحك بصوت مرتفع، ولا تكف عن تدخين السجائر والتلاعب بالناس، وتطلي أظافرها باللون الأحمر. يسهل أن نشعر بأن مشاهدها مأخوذة من فيلم مختلف بالكامل. من الممتع أن نشاهدها في هذا الدور، لكن قد تصبح مشاهدها أحياناً صاخبة أكثر من اللزوم. كانت مانفيل مؤثرة في الشخصية التي قدّمتها في فيلم Phantom Thread (خيط وهمي)، لكنها جامحة على نحو مبالغ فيه في هذا الفيلم.

يؤدي جيفري دونوفان دور شقيقها "بيل"، لكنه يقدّم أداءً أكثر توازناً لتجسيد شخصيته المخيفة، لا سيما في مشهد مشوّق حيث يقود "جورج" و"مارغريت" إلى خارج مقر إقامة عائلة "ويبوي" المعزول. لا يعرف الزوجان ما ينتظرهما، لكنهما متأكدان من خطورة الوضع. خلال هذه الرحلة، يقابل الزوجان أيضاً شاباً وحيداً من الأميركيين الأصليين (بوبو ستيوارت)، فيظهر أمامهما في الوقت المناسب لإعطائهما توجيهات جغرافية وروحية مفيدة. هو يجسّد مفهوماً بحد ذاته أكثر مما يؤدي دور إنسان عادي.

لكنّ الطابع المخيف في شخصيتَي "بلانش" و"مارغريت" يشتق فعلياً من كونهما ناجيات. تتكل كل واحدة منهما على غريزة الأمومة الشرسة في داخلها حين يقترب الفيلم من نهايته النارية. لا تبدي أي امرأة منهما استعدادها للتخلي عن أحد أو تقديم أي تنازلات، وقد يكون هذا الجانب الأساسي من شخصيتهما العامل الذي يجذب المشاهدين إلى القصة، مع أن السيناريو يخرج عن السيطرة أحياناً.


MISS 3