باسمة عطوي

الأزمة المالية تدخل عامها الرابع... وجرائمها تتفاقم

مجلس النواب ورئيسه يكرّسان الإفلات من العقاب

24 تشرين الأول 2022

02 : 00

دخلت الأزمة الاقتصادية والمالية، التي إندلعت في 17 تشرين الأول 2019، عامها الرابع من دون أن يُبادر مجلس النواب، كونه يمثل الشعب اللبناني، إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تدفع في إتجاه معرفة اسباب الأزمة والمتسببين بها ومحاسبتهم. وليس من المبالغة القول إن الرئيس نبيه بري، هو المعني الأول بتشكيل هذه اللجنة، كونه رئيس البرلمان والمحرك الاساسي لأي خطوة تشريعية أو محاسباتية يمكن أن تحصل. هو من يعطي الضوء الاخضر لتحويل أي طلب يتقدم به نواب (أو نائب منفرد) لتأليف هذه اللجنة إلى واقع، وهذا كله لم يحصل! فما الاسباب؟ هل إستبعاد التحقيق البرلماني، هدفه ترتيب عفو عام مالي وإقتصادي، وتجهيل الفاعلين والمستفيدين، على غرار العفو العام الذي صدر بعد إنتهاء الحرب الاهلية؟

هذه الاسئلة تبدو منطقية، بعدما وصّف تقرير البنك الدولي، الذي صدر في بداية العام الجاري، الازمة بأنها «كساد متعمد» وأن «طبقة النخبة في لبنان، التي إستولت على الدولة منذ فترة طويلة، وعاشت من ريعها الاقتصادي، هي التي دبرت الأزمة التي هي بين الاسوأ عالمياً منذ خمسينات القرن الـ19»، محذراً من أن «الإنكار المتعمد يخلق جروحاً طويلة الأمد على الاقتصاد والمجتمع».

من المفيد الاشارة أيضاً إلى أنه خلال السنوات الثلاث الماضية، لم يصدر أي تشخيص رسمي متفق عليه يشرح الاسباب التي أدت إلى الأزمة والمسؤولين عنها. أما تقرير شركة «ألفاريس ومارسال» الخاص بالتدقيق الجنائي، الذي كان يفترض صدوره الشهر الماضي، لم نسمع عنه شيئاً إلى الآن، لكأن هناك من يمعن في تعطيل أي محاسبة.

جلّ همّهم البقاء في السلطة فقط

يؤكد الاقتصادي المخضرم روي بدارو لـ»نداء الوطن» أن «الجميع يعلم أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لا يحبذ تأليف لجنة تحقيق برلمانية لإظهار اسباب الأزمة والمسببين لها». موضحاً أنه «ليس وحده من لا يريد تأليف هذه اللجنة، بل كل الطبقة السياسية تشاركه هذه الرغبة، وبالتضامن مع اصحاب المصارف وحاكم مصرف لبنان ومجموعة من المنتفعين. والسياسيون الكبار هم الذين يؤمنون الغطاء لعدم تشكيل هذه اللجنة».

يضيف: «رأينا ماذا حصل في قانون السرية المصرفية الذي رفضه صندوق النقد، إلى أن تم تعديله في اللحظات الاخيرة. والمشكلة ليست في اللجان أو الافكار للخروج من هذه الازمة، بل المشكلة في الارادة السياسية الغائبة، والجرأة لكشف المسؤولين عما حصل وهذا الكشف مؤلم للطبقة السياسية». مشدداً على أن «جُل همهم ليس مصلحة البلد، بل البقاء في السلطة، وهذا جوهر الموضوع. ليس هناك نقص في الافكار أو الحلول أو الخطط، ولسوء الحظ أن اللجنة التي يترأسها نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، تحاول تدوير الزوايا مع كل الاطراف، وهذا أمر مؤسف».

يرى بدارو أن «ما يهم هذه الطبقة هو الدخول في مرحلة ليلرة الودائع، وليس هناك إرادة سياسية لإختيار الافضل للشعب اللبناني. وفي حال تم إختيار الافضل ليس لديها الجرأة لإعلانه وتنفيذه، أي محاسبة المسؤولين عما وصلنا إليه»، معتبرا أن «ما وضعته شركة «لازارد» كان يمكن البناء عليه وتحسينه، لكن الطبقة السياسية لم تأخذ به، مما زاد من الثغرات الإقتصادية لأن هناك مجموعة سياسية - مصرفية مستفيدة».

ويختم: «الشعب اللبناني يخلط بين النظام المصرفي وبعض المصرفيين الفاسدين، بمعنى أن المطلوب ليس أن نكون ضد النظام المصرفي، بل ضد المصرفيين الفاسدين، لأنه لا يمكننا الإستمرار من دون نظام مصرفي».

منظومة سياسية- مالية إقتصادية تمنع المحاسبة

يؤكد وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش أن «الأوان لم يفت لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لتحديد المسؤولين ومحاسبتهم»، وقال لـ»نداء الوطن» أن هذه الخطوة لم تُطرح من أي طرف سياسي. الجميع يعلم أن هناك منظومة متحكمة في البلد تحاول تعطيل أي خطوة إصلاحية أو محاسبة حقيقية». ويرى أن «الدليل هو الوقت الذي إستغرقه إقرار قانون السرية المصرفية، وإلى الآن لم يتم إقرار قانون «الكابيتال كونترول» الذي كان المفروض اقراره في 3 ساعات، لكن مرّت 3 سنوات ولم يُقر. وشخصياً، أنا سعيد بإقرار قانون رفع السرية المصرفية أخيراً».

يضيف: «هناك منظومة سياسية- مالية إقتصادية، مؤلفة من كل القوى من دون إستثناء، وهي متحكمة بالبلد وعابرة للطوائف والاحزاب، وتمنع أي خطوة للمحاسبة»، مشدداً على أنها «ليست ممثلة بفريق واحد. بل في كل فريق سياسي هناك إصلاحيون يريدون حقيقة الكشف عما حصل، مقابل فاسدين ومنتفعين في نفس الحزب السياسي يعارضون ذلك لأنهم جزء من المنظومة. وهذا ما تيقنت منه من خلال تجربتي».

يعتبر بطيش أنه «من الخطأ حصر السياسيين فقط بهذه المنظومة. بل هناك مسؤولون مرتبطون بشبكة من المصالح والغايات تمنع المحاسبة، وهذا الامر مستمر منذ عقود وليس وليد اللحظة»، مشدداً على أن «الاصلاح لا يمر عليه الزمن. وما حصل في قانون السرية المصرفية هو الخطوة الاولى في رحلة الألف ميل، نحو المساءلة لمحاسبة كل من ارتكب. وعلى الاصلاحيين من كل القوى التضامن للوقوف في وجه من يعرقل هذا الامر».

ويختم: «أعتقد أننا دخلنا مرحلة جديدة، لأنه بات لدينا قانون لرفع السرية المصرفية، وهناك الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وقانون الإثراء غير المشروع... ما يعني أنه بات لدينا شبكة أمان قانونية، يمكن أن تكون منطلقاً للمباشرة بالاصلاح الحقيقي».



هل يقف فعلاً الرئيس بري سداً منيعاً ضد قيام لجنة تحقيق برلمانية في اسباب الأزمة وصولاً الى محاسبة المتسببين بها؟


كيف يكون البرلمان قاضياً ومتهماً في آن؟

يقارب النائب جميل السيد الاسباب التي تمنع تأليف لجنة تحقيق برلمانية من زاوية الخلل في النظام اللبناني، حيث كل القوى السياسية ممثلة في مجلس النواب والحكومات معاً، مما يجعل من المتعذر عليها رفع «عصا المحاسبة». ويشرح لـ»نداء الوطن» أنه «حين عقد مدير عام وزارة المالية السابق آلان بيفاني، مؤتمراً صحافياً في أوائل 2019، وتحدث فيه عن التجاوزات المالية، وبناء على الوقائع التي ذكرها تقدمت بطلب للأمانة العامة لمجلس النواب لتحديد جلسة لمناقشة ما جاء في المؤتمر الصحافي وما يُنشر في الصحف، وتأليف لجنة تحقيق برلمانية تُحقق في هذه المخالفات الدستورية والقانونية».

ويوضح أن «تشكيل لجنة تحقيق يحتاج إلى تقديم طلب من نائب أو عدة نواب، لكن لم تتم الاستجابة لطلبه الذي نام في الادراج. والسبب أن القوى السياسية المؤلفة للمجلس النيابي هي ممثلة أيضاً في الحكومة، وبالتالي لن تكون القاضي والمتهم في نفس الوقت»، مذكراً أنه «لم يُحاسب أي مجلس نواب أي حكومة أو وزير، أو ألّف لجنة تحقيق برلمانية بالرغم من أنه يتمتع بصلاحيات واسعة، تشبه تماماً صلاحيات أي قاض عدلي». ولفت إلى أن «الحكومة هي موظف عند المجلس، يتم تكليفها بناءً على ثقة الشعب اللبناني، ويراقبها ويحاسبها على أي إرتكابات تقوم بها».

ويسأل: «صوّت مجلس النواب على إتمام التدقيق الجنائي، أين أصبح هذا الملف؟ بالقانون والدستور، النائب يمكن أن يرفع الصوت ضد الحكومة، أما مجلس النواب مجتمعاً فهو العصا التي ترفع لمحاسبتها».

يرى السيد أن «أي لجنة تحقيق ستتشكل ستكون تضييعاً للوقت. لأنها ستتألف من معظم القوى السياسية التي هي في الوقت نفسه مسؤولة عن وصولنا للأزمة. وإذا كان لا بد من محاسبة الحكومات، يجب فصل النيابة عن الوزارة. أي أن القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب، يجب ألا تتمثل في الحكومات، ويمكن أن تأخذ الثقة منه وفقاً لبرنامجها، عندها يمكن أن تصحح الاوضاع في البلد».

ويختم: «في الوضع الحالي، لجان التحقيق هي مجرد فولكلور، لأنه لا يمكن لأي طرف أن يحاسب نفسه.

بدعة حكومات الوحدة الوطنية!

يرى عضو تكتل «النواب التغييريين» النائب إبراهيم منيمنة، لـ»نداء الوطن» أن «هذه الخطوة هي من واجبات «النواب التغييريين»، الذين عليهم أن يبادروا للقيام بها في المرحلة المقبلة، كي يتمكن اللبنانيون من معرفة ما حصل». ولفت إلى أنهم « كتغييريين» بإنتظار خطة الانقاذ الاقتصادية من الحكومة، للتمكن من التحرك في هذا الموضوع. لكن المشكلة هي أن الحكومة حالياً، ليست حكومة أصيلة كي نطرح تأليف لجنة تحقيق».

ويرى أن «المشكلة الاساسية تكمن في تداخل المصالح بين مجلس النواب والحكومة، وليس هناك معارضة حقيقية تسمح بالمحاسبة. كل الكتل النيابية ممثلة في الحكومة. وحكومات الوفاق الوطني او الوحدة الوطنية تعطّل دور المعارضة. ولم يحصل مطالبة بلجنة تحقيق من قبل المجلس النيابي السابق، كما أن الكتل التي تعتبر نفسها معارضة لم تطالب بتأليف هكذا لجنة».

ويختم: «لم يفت الوقت لتأليفها، وإلا نكون مساهمين في أداء معين. ومن حق اللبنانيين معرفة ماذا حصل ومن هو المسؤول».

مغنية: البرلمان هو الخصم والحكم... وذاهبون الى مشهد دموي!

يؤكد رئيس جمعية المودعين حسن مغنية أن «الأوان لم يفت لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية، لمعرفة أسباب الأزمة والمسؤولين عنها»، شارحاً لـ»نداء الوطن» بأن «هذا أمر حصل في العديد من الحالات والشواهد كثيرة. هناك قضايا يُفتح التحقيق فيها وقد مرّ عليها عقود من الزمن، بغض النظر عما إذا كانت المادة الفعلية، لهذه القضايا أو الجرائم لا تزال موجودة أم لا، وبالرغم من وفاة المعنيين مباشرة بها، لأن الحقيقة تبقى مطلقة». ويعتبر أنه «إنطلاقاً من هذا المبدأ نحن بحاجة لتشكيل لجنة تحقيق. وكان من المفروض أن تتشكل لجنة برلمانية، أو قضائية أو وزارية منذ بدء فقدان السيولة في المصارف، لتحقق في هذا الموضوع وتشرح للرأي العام كيف فُقدت الاموال». ولفت إلى أن «هذه الخطوة تحصل في بلدان تحترم نفسها، وتتمتع بقضاء مستقل وسياسيين نزيهين، بينما نحن نعيش في مزرعة إسمها لبنان، تحكمها الطوائف والغرائز والقبائل المتناحرة، التي تريد الحفاظ على مصالحها».

ويوضح مغنية أن «البرلمان هو الخصم والحكم للشعب اللبناني. وهناك مصرفيون كثر دخلوا البرلمان، وتولوا مناصب وزارية. ومثلث برمودا حيث إختفت الودائع، يتألف من السلطة السياسية ومصرف لبنان وأصحاب المصارف، وهم معنوياً شخص واحد». مشدداً على أنه «لا يمكن أن تتشكل لجنة تحقيق من أحد مكونات هذا الشخص المعنوي الذي هو متهم، ولذلك لا يمكن تأليف لجنة تحقيق. معظم النواب الذين دخلوا المجلس على مدى 30 سنة ماضية، هم شركاء المصارف في عملية الاحتيال «البونزي» التي حصلت بحق الشعب اللبناني». ويُعطي مغنية دليلاً على هذه الشراكة بالقول:»طالبنا مجلس النواب والحكومة والاقتصاديين بخلية أزمة لمعالجة موضوع الاقتحامات، التي يقوم بها مودعون للمصارف، لوضع سلم أولويات ممن يحق لهم الحصول على ودائعهم، مثل مرضى السرطان. لكن لم يُجب أحد على مطلبنا»، متوقعاً أنه «إذا بقينا على هذه الحال، نحن ذاهبون نحو مشهد دموي بين المودعين والموظفين الذين لا حول لهم ولا قوة سوى تنفيذ أوامر إداراتهم».

ويختم: «ما يحصل أمر مقصود وممنهج، وهدفه إطفاء الدين العام وتذويبه، ورد الودائع للمودعين بحذف 70% من قيمتها وبالليرة اللبنانية، ولذلك لن يضعوا خطة لإعادة أموال المودعين».


MISS 3