رفيق خوري

قلة "نباتيين" بين "أكلة" المال والسلطة

28 كانون الأول 2019

01 : 30

تغيّرت الدنيا في لبنان، وبقيت الحسابات السياسية ثابتة. ما كان حاجزاً قوياً تحت عنوان حكومة "تكنوسياسية" اختفى بعدما دفع الرئيس سعد الحريري ثمن حساباته وحسابات سواه. وما كان جداراً مسدوداً بلا نوافذ اسمه "الميثاقية" صار باباً مفتوحاً بضعف الغموض في الموقف وقوة القابضين على طوائفهم. حين سئل الرئيس ميشال عون في مقابلته التلفزيونية عن المطالبة بحكومة "اختصاصيين مستقلين" جاء جوابه لافتاً وساخراً: "هل تأتي بهؤلاء من القمر؟". كان التعليل أن اللبنانيين مسيّسون بامتياز ويواجهون أزمات وتحديات تتطلب حكومة تكنوسياسية. قبل أيام قال الرئيس المكلف حسان دياب في تغريدة أن الحكومة ستكون حكومة "اختصاصيين بامتياز". ويوم عيد الميلاد تحدث الرئيس عون في بكركي عن حكومة "اختصاصيين" لا حكومة تكنوسياسية. وليس واضحاً إن كان ما دفع الذين اختاروا الدكتور دياب إلى قبول مثل هذه الحكومة هو القراءة في رياح الداخل والخارج أم شيء آخر. لكن الظاهر أن تعبير "اختصاصيين" من دون صفة "مستقلين" يسمح بأكثر من ترجمة لنوعية الوزراء. وفي الأساس، فإن كثيرين تساءلوا عن مدى "استقلالية الرئيس المكلف وعلاقة اختصاصه الهندسي بإدارة الحكومات. فضلاً عن أنه لم تكن للرجل مواقف سياسية معلنة معروفة.

ذلك أن من المفارقات انتقال التركيبة السياسية من زحام المشاركة في حكومة الثلاثين المستقيلة إلى "الصوم" عن المشاركة في الحكومة العتيدة. فلا أجنحة الملائكة ظهرت فجأة على أكتاف أمراء الطوائف. ولا في السياسة، إذا استعرنا قول وزير الخارجية الألماني السابق زيغمار غابرييل أن أوروبا اليوم "نباتية" في عالم من "أكلة اللحوم"، سوى قليل جداً من "النباتيين" على الرغم منهم بين "أكلة" المال والسلطة في لبنان. وليس حديث داعمي الدكتور دياب عن حاجة الحكومة إلى "غطاء سياسي" سوى تعبير ديبلوماسي ملطف عن الإصرار على التمسك بالمواقع في السلطة. ولا فرق سواء تولى التمثيل في الحكومة سياسيون من الصف الأوّل أو من الصف العاشر أو تكنوقراطيون يحركهم السياسيون مثل الماريونيت. ألم تكن الحكومة المستقيلة الفاشلة عملياً حكومة "تكنوسياسية"؟ وماذا تفعل الحكومات عندما يكون البلد ممسوكاً لا متماسكاً، ومحكوماً بدور أكبر منه في محور إقليمي، وسط صراع إقليمي – دولي خطير؟

الواقع أن ما ينقذ لبنان ليس حكومة تحتاج إلى "غطاء سياسي" بل حكومة تمارس سياسة مختلفة عن سياسات الحكومات والعهود التي قادت إلى أعمق أزمة وطنية وسياسية واجتماعية واقتصادية ومالية ونقدية. ومن أجل هذه الحكومة نزل الشعب إلى الشارع. وليس صدفة، وسط حاجة الشعب والبلد إلى استعجال الإنقاذ، أن يتصرف أهل السلطة على طريقة أوغسطوس قيصر القائل "إجعل التعجل بطيئاً".


MISS 3