ريتا ابراهيم فريد

من بلدة نيحا في البقاع وصل إلى العالمية

د. إيلي النجار:أنا مثل عنقود العنب نتاج هذه الأرض

31 تشرين الأول 2022

02 : 01

د. النجار أثناء تقديم الدراسة البحثية في شيكاغو
هو من الشبان اللبنانيين المبدعين الذين يلمعون مثل الضوء. إبن أرضٍ تطفح بالحبّ والوطنية والتواضع، وتصدّر إبداعاً لبنانياً لكلّ أنحاء العالم، وتفيض أملاً بات اللبنانيون بأمسّ الحاجة له في هذه المرحلة الصعبة التي تمرّ بها البلاد. الدكتور إيلي النجار، إبن بلدة نيحا في البقاع، الذي يعمل جرّاحاً في بريطانيا في أحد أهمّ مستشفيات جراحة العظم في العالم، نجح في أن يفرض بحثه كواحد من أهمّ ستة أبحاث لأطباء عالميين في هذا المجال، خلال المؤتمر السنوي الذي تنظمه مؤسسة NASS في شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركيّة. «نداء الوطن» تواصلت مع الدكتور النجار الذي أوضح ما يمكن أن يغيّره هذا البحث في حياة المرضى، مشدّداً على ضرورة التمسّك بالأمل.

ماذا يعني لك كطبيب لبناني أن تدخل هذا الكمّ من الفرح إلى قلوب أبناء وطنك؟

حين يغادر اللبناني وطنه، قد يشعر في بعض الأحيان بأنّه ملزم بإثبات نجاحه للآخرين، وبأنّه لم يأتِ من بلادٍ غير متحضّرة. وقد يدخل في حالة صراعٍ بينه وبين نفسه، وضياع بخصوص النظرة إلى وطنه الأمّ. ربّما ذلك يشكّل الحافز الأكبر للمغتربين كي يعملوا بجهدٍ أكثر من غيرهم، رغم يقينهم بأنّ النجاح الذي يحقّقونه يعود لهم بالدرجة الأولى. بالتالي فالمعاناة التي نعيشها اليوم كلبنانيين، تشكّل في مكان ما حافزاً لنا نحو التميّز والإبداع.



لا شكّ في أنّك تلقّيت الكثير من التعليقات الإيجابية ورسائل التهئنة. هل من تعليقٍ ترك في داخلك أثراً أكبر من غيره؟

خلال زياراتي السنوية الى لبنان، اعتدتُ أن أفتح عيادةً مجانية خلال المدّة التي أقيم فيها هناك. وقد لاحظتُ في الفترة الأخيرة زياراتٍ لمرضى لم يتردّدوا الى العيادة المجانية في السابق، حيث بات يزورني مديرو مصارف وأساتذة. لا أعلم إن كان السبب مادياً أم لا، لكنّ تعليقاتهم لفتتني، إذ كان تركيزهم واضحاً حول الشقّ الإنساني في تعاطيّ معهم كطبيب. هذا الأمر ترك في داخلي أثراً كبيراً، وأكّد لي مجدّداً أهمية الرسالة الأساسية للطبيب، وهي الرسالة الإنسانية.

وبعد النجاح الذي حقّقه هذا البحث، لفتني أيضاً الاهتمام الذي صبّ حول الشقّ الإنساني في الرسائل التي تلقّيتُها، قبل مسألة الأهمية العلمية للبحث الذي قدّمته. فالطبيب يجب أن يكون إنساناً قبل أيّ شيء آخر. حتى العلم هو مجرّد جسر عبور نحو الهدف الأساسي، أي الإنسان.

بالعودة إلى البحث الذي نال الجائزة. ماذا يمكن أن يغيّر في حياة المرضى؟

أحد التعقيدات التي نواجهها خلال العمليات الجراحية للعمود الفقري، هي إصابة النخاع الشوكي. فأعصاب الإنسان يحيط بها غشاء يسمّى «الدورة»، وهذه الدورة هي التي تحمي الأعصاب، والتي تحتوي بدورها على ما يسمّى «مياه الرأس». وأحياناً تتعرّض هذه الدورة الى جرحٍ خلال شقّ الطبيب مجرى الأعصاب، وحينها تخرج ميــاه الــرأس تلقائياً منها، وهــذا بالطبــع يسبّب ضرراً للمريض.

علماً أنّه ما من إتفاق واضح بين الأطباء في العالم حول ما يجب القيام به عند حصول ذلك، إلا أنّ الأكثرية منهم يلجأون الى ترك المريض 48 ساعة في السرير في وضعية الجلوس من دون أن يتحرّك، ويعتبرون أنّ ذلك يساعده على الشفاء.

لكنّ البحث الذي قدّمته أثبت العكس. وأنه ينبغي تحريك المريض منذ اليوم الأول بعد العملية. فإذا نهض ومشى قليلاً، ستنخفض نسبة التعقيدات الصحية لديه. لهذا السبب نال البحث جوائز عدة. فهو ساهم بتغيير إحدى الممارسات الطبية المتعارف عليها، وخفّف على المريض عبء البقاء 48 ساعة من دون أي حركة. مع الإشارة الى أنّني نلتُ جائزةً في بريطانيا أيضاً. وحينها اتصلوا بي من أحد المستشفيات الكبيرة، وأخبروني أنّهم قرّروا تغيير الممارسة لـ29 طبيباً في المستشفى بعد البحث الذي قدّمته. بالتالي فالأهمية العالمية للبحث أنّه يتيح للأطباء من مختلف أنحاء العالم أن يطّلعوا عليه، لأنّ ذلك يعود بالإفادة على المريض.

كيف استوحيت فكرة العمل على هذا البحث بالذات؟

في الوقت الحالي أنا أعمل على 21 بحثاً، وتسعة منها باتت جاهزة. معظم أبحاثي يتمحور حول الميكانيكية الحيوية للعمود الفقري، حيث نحاول أن نغيّر مفهوم علاج الكسور في الظهر، وهذا البحث هو واحد منها. فأنا أحاول دوماً من خلال أبحاثي أن أعود بالفائدة على الممارسة وطريقة التعاطي مع المرضى.



في ظـلّ التخبّـط والصراعـات الإقتصادية والسياسية التي يمرّ بها لبنان اليوم، برأيك أية مسؤولية تقع على المغتربين وخصوصاً المبدعين منهم؟

قبل أن تبدأ الأزمة في لبنان، كانت النظرة الى اللبنانيين في الخارج مختلفة. لكنّ اللبناني اليوم بات بالنسبة للبعض مجرّد شخص يعمل فقط من أجل الحصول على المال كي يعيش. فهو قادمٌ من بلد منكوب، وبالتالي سيرضى بالقيام بكلّ ما يطلب منه حتى لو كان الأجر زهيداً وأقلّ ممّا يستحق. من هُنا، على اللبناني أن ينتبه وألا يسمح بحصول ذلك معه، «ما حدا يبيع حاله رخيص»، فهو لم يُعط هذا المنصب كحسنة، بل بفضل كفاءته. لا سيّما أنّ اللبناني يمكنه أن يقدّم الكثير أينما تواجد، لأنّه يعمل بكدّ ومن كلّ قلبه. بالتالي عليه ألّا يشعر أنه مستضعف أو أقلّ من غيره لمجرّد أنّ بلاده تمرّ اليوم في أزمة.

بعد النجاح الذي حقّقته، هل من رسالة الى الشباب اللبناني؟

أظنّ أنّ أحد أسباب نجاحي، هو أني إبن بلدة نيحا البقاعية. ورغم أنّ والدي محامٍ وكان رئيس بلدية، ووالدتي معلّمة، لكنّ حين كنت أعود من دراستي في الجامعة الأميركية، كان والدي يصطحبني معه للعمل في الكروم. فجدّي فلّاح ونحن أبناء أرض.

في البداية كنتُ أستغرب الفكرة. فأنا تلميذ طبّ، كيف سأعمل في الأرض؟ لكن حين كبرتُ فهمتُ قيمة ذلك. وأدركتُ أنّ الذي يعمل في الأرض عليه أن يكون متواضعاً، لأن الأرض تعلّم التواضع. واليوم حين أنظر الى يدي والدي، أتذكّر أنّ كلّ ما يمكن أن أبلغه من مراتب ونجاحات، هو بفضل التراب الذي حفر هاتين اليدين.

هذا الأمر علّمني المثابرة. فالعلم يعتمد بشكلٍ كبير على أن يكون الإنسان خلّاقاً، وأن يمضي خلف فكرته الى آخرها. وأنا أينما ذهبت، أشعر أني مثل عنقود العنب، نتاج هذه الأرض: بلدة نيحا. وللشباب أقول: لبناننا ليس هؤلاء الزعماء الفاسدين. بل أهلنا الطيبين، وهذا بحدّ ذاته يشكّل لنا حافزاً للإبداع. والمهمّ ألا نفقد الأمل.


MISS 3