د. فادي كرم

حوار أو دستور؟

31 تشرين الأول 2022

02 : 00

لم يكن الحوار يوماً ليحلّ مكان الدستور، فلكلّ منهما الدور الداعم والمُفيد للاستقرار السياسي وللسلم الأهلي وللمساواة بين الفئات المكوّنة للوطن. هذا إن لم يكن المقصود من طرح الحوار تجاوز الدستور. ولأنّ لا شيء يعلو على دستور البلاد ولا تعديل يُصلح الا بالالتزام بمندرجات الدستور المعمول به، فلا حوار يأتي بديلاً عن الدستور. أمّا تغيير الدساتير فيأتي، إمّا بانقلاباتٍ أو بحروبٍ أو نتيجة نزاعاتٍ داخلية وحواراتٍ دستورية - سياسية تتبعها بين مكوّنات الوطن، لتُنتج دستوراً جديداً، يحمي الجميع في حاضنة الوطن ويضمن الشراكة والاستقلال والمواطنية الصحيحة، ويمنع القلاع الداخلية والدويلات والزبائنية والسلطوية. دور الدستور حماية المؤسسات، ورسم العلاقات بين المواطن والدولة، وردع النيات السلطوية لدى الطبقة الحاكمة ومنع الاستنسابية في الحكم بدل تحمّل المسؤولية.



الحوار قد يكون تحايلاً على الدستور، تطرحه السلطات الجائرة والفاشلة للهروب من المحاسبة التي تُخرجها من الحكم، وتحاول تحويله من حوار في خدمة الاستقرار السياسي والدستوري والاجتماعي الى حوار في خدمة الاستنسابية السلطوية القاتلة للوطن والمُدمّرة للمجتمع. وبهذه الحالة، فبدل أن يتكامل الحوار مع الدستور، ليسهّل احترام الطبقة السياسية له، يُصبح الحوار هو التوازن السلبي ضدّ القوانين. شهد لبنان عدداً من الحوارات انعقدت تحت شعاراتٍ توافقية، أخفت النيات الخبيثة التي غلّبت منطق الدويلة والمحاصصات على دستور الدولة والمصلحة العليا للبلاد، فأتت العواقب وخيمة جدّاً، حيث تشرعن السلاح غير الشرعي وتفرعن الفريق غير القانوني وتوسّعت المنهجية غير الشفّافة. تجربة اللبنانيين مع الحوارات كانت كافية للخروج بخلاصة أنّ الحوار عدوّ الدستور والسلطة خارقة للقوانين.الحوار المطروح حالياً ليس مختلفاً عن سابقاته، فالتشاطر مستمرّ والهدف منه ضرب التوازنات السياسية التي أفرزتها الانتخابات النيابية وقد أرخت بثقلها على تسلّط الفريق المُمانع على القرار اللبناني، ويُضاف اليها خسارته موقع رئاسة الجمهورية لصالح الفراغ مرحلياً. ذلك كله يدفع هذا الفريق للدعوة الى حوارٍ يهدف من خلاله الى عقد صفقةٍ رئاسية جديدة تُريح استراتيجيته، وتُثبّت له معادلته الذهبية «الحوار هو المسار والدستور هو العائق، فالحوار هو الخلاص من الدستور». يُبقي فريق المُمانعة البلاد رهينةً لحواراته وصولاً الى تعديلٍ للدستور، يسمح له بفرض توازناتٍ جديدة تحت تأثير السلاح غير الشرعي الاقليمي. ما يُطرح من حوار هدفه جرّ الجميع تحت ضغط المآسي المعيشية الى تسويةٍ رئاسية جديدة تُشكّل السقف الحامي للوضع الشاذّ الذي يعيشه لبنان تحت حكم الدويلة. إنّ عقد هذا الحوار سيؤدّي حتماً الى الابتعاد عن الخطوات اللازمة لمعالجة المرض الحقيقي للبلد، وهو تهميش للدستور وللقوانين، ولدور المجلس النيابي وسلبُ لصلاحياته لاختيار رئيس للبلاد. من يُحاول وضع الحوار بوجه الدستور، يُشكّل اصطفافاً أوصل البلاد سابقاً الى الفوضى العارمة، ومن يُحاول الحفاظ على مندرجات الدستور برفضه للحوار «الملغوم»، يُشكّل اصطفافاً مقابلاً هدفه الحفاظ على الوطن والدستور والنظام الديمقراطي والشراكة بين أبنائه. إنّ أنصار الحوارات الرافضة للدستور هم التلاميذ الذين لم يتتلمذوا على يد سقراط الذي نقل تلاميذه من ذهنية «السلطة على شيء أو على الآخر» الى «السلطة على الذات»، إنّهم فئة من الطبقة السياسية «المنظومة» التي تسعى دائماً للتحرّر من الضوابط القانونية والدستورية والأخلاقية والانسانية والسيادية والوطنية والعلمية، لأنّها تؤمن بأنّ الحوارات الدجلية تضمن الاستمرارية لها في الحكم، وتُدرك أنّ الكثير من الفئات الشعبية والسياسية ترتاح للمنهجية ذاتها المرتكزة على التسويات التحاصصية الرخيصة، كما تعرف أنّ تجهيل الدستور والقوانين يؤدّي الى اضطراب المجتمع، وأنّ تعليق الاستحقاقات الدستورية يؤدّي الى ضرب الديمقراطية، وأنّ الاستنسابية في تنفيذ القوانين تؤدّي الى ضرب العدالة، وأنّ الحوار حول الدستور على أبواب الاستحقاقات الدستورية يُلغي مفعول الديمقراطية والدستور. «الوطن فوق الجميع»، أعلنها رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري، ومن حينه تتردّد على ألسنة الكثيرين من السياسيين والمحلّلين والاعلاميين، ولكنّ هذه المعادلة ليست كلاماً شاعرياً بل ممارسة دستورية ومؤسّساتية وسيادية، وإنّ خرق إحدى هذه الركائز أو تجهيلها أو ضربها يعني، إمّا عملاً ارهابياً أو انقلابياً أو اجرامياً، وبكلّ الأحوال خروجاً عن القانون. إنّ محاولة تطوير الدستور لتغيير الموازين على أبواب الاستحقاقات الانتخابية أمرٌ غير صحّي وغير وطني، ويدلّ بوضوح على عدم القناعة بالشراكة، ويدفع بالتالي الأفرقاء الداخليين للتحصّن خلف العصبيات العمياء وخلف الروح الانتقامية، وخلف المخطّطات الهادفة لقلب الدستور، مرّةً وثانية وثالثة، فتصبح العلاقة بين أفرقاء الوطن عكس التشاركية والتعاونية، بل علاقة اقتناص فرص وانتهازية ولجوءاً للخبث وللسلاح الفئوي لتغيير الدستور كلّما تغيّرت الموازين.



إنّ فريق السلاح غير الشرعي المانع لتطبيق القوانين والدستور يهدف الى مصادرة القرار اللبناني الحرّ من خلال طاولة حوار مشبوهة، فهل نُعطيه طاولة حوار تُقدّم الشعب اللبناني له رهينة؟؟؟




(*) عضو تكتّل «الجمهورية القويّة»