أكرم حمدان

مناقشة رسالة عون... كرئيس جمهورية سابق!

"عصفورية دستورية" تلقي بكرة النار إلى البرلمان

31 تشرين الأول 2022

02 : 00

فرقة الدبكة التي استقبلت الرئيس عون في الرابية (رمزي الحاج)

بعدما تبلّغ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرسوم الإستقالة، وتسلّم رسالة يدعو فيها إلى عقد جلسة للمجلس النيابي لإتّخاذ التدبير أو القرار أو الإجراء المناسب، تبلّغ رئيس مجلس النواب نبيه بري في كتاب من الرئيس نجيب ميقاتي أنّ الحكومة ستتابع تصريف الأعمال والقيام بواجباتها الدستورية كافة، وفقاً للنصوص الدستورية والأنظمة التي ترعى عملها.

في حيثيات رسالة عون دعوة لمجلس النواب إلى نزع التكليف الذي منحه للرئيس ميقاتي، بينما تضمّن كتاب ميقاتي تأكيداً بأنّ الحكومة ستتابع القيام بواجباتها الدستورية كافة ومن بينها تصريف الأعمال، ما يطرح السؤال: هل دخلت البلاد عملياً في فوضى "العصفورية الدستورية والسياسية"؟ وكيف قرأ خبراء وفقهاء القانون والدستور هاتين الخطوتين؟ مع الإشارة إلى أنّ خطوة ميقاتي هي الأولى من نوعها، إذ لم يسبق أن وجّه رئيس الحكومة رسالة أو كتاباً إلى رئيس مجلس النواب، ولا يوجد نص دستوري بهذا المعنى، كما أنّ خطوة عون وميقاتي رمت الكرة في ملعب مجلس النواب ورئيسه، ما يعكس أهمية ما ينوي القيام به بري بشأن الحوار والدعوة إليه.

مالك: الكباش على أشدّه

الخبير الدستوري والقانوني المحامي سعيد مالك قال لـ"نداء الوطن": "بعد إطلاعي على رسالة الرئيس عون وكتاب الرئيس ميقاتي، وبعد توقيع رئيس الجمهورية مرسوم إعتبارالحكومة مستقيلة، يبدو واضحاً بأنّ الكباش على أشدّه كون رئيس الجمهورية يرفض التسليم بممارسة حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات رئيس الجمهورية، في حين أنّ الملفت في كتاب رئيس الحكومة هو النص الذي يتحدّث عن "القيام بواجباتها الدستورية كافة، ومن بينها تصريف الأعمال".

وهذا يعني، برأي مالك، أنّ "عمل الحكومة المستقبليّ لن يقتصر على تصريف الأعمال، بل سيشمل أيضاً صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة وفقاً لنص المادة 62 من الدستور، لأنّ الصيغة التي ورد فيها النصّ فيه من الحرفية والمهنية التي تؤشّر على أنّ رئيس الحكومة لديه النيّة بتسلّم صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة".

وأكّد مالك أنّ "الأجواء عابقة وتشي بخلافات وسجال دستوري وكباش حقيقي بدءاً من صباح غد الثلاثاء".

مرقص: مرسوم إعلاني

من جهته، رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص قال لـ"نداء الوطن: "من المألوف والمُتعارف عليه دستورياً، وهو الأمر الذي إرتقى إلى مستوى العُرف الدستوري، بأن يعمد رئيس الجمهورية في كلّ مرة تستقيل فيها الحكومة أو تُعتبر مُستقيلة مع إستحقاقات معينة، كبدء ولاية مجلس النواب كما هي حالتنا الراهنة، إلى تكليف رئيس للحكومة بناءً على استشارات نيابية مُلزمة وفق دستور ما بعد الطائف، وبالتالي، وبعد الإتفاق على الحكومة، فإنه يوقّع 3 مراسيم، من بينها مرسومان يوقّعهما مُنفرداً بمقتضى المادة 54 من الدستور، وهما مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء الجديد ومرسوم قبول إستقالة الحكومة أو إعتبارها مستقيلة".

وأضاف: "لكن رئيس الجمهورية، ومن دون التوصّل إلى إتفاقٍ على الحكومة الجديدة بينه وبين رئيس الحكومة المُكلّف، أصدر مرسوم إعتبار الحكومة مُستقيلةً فقط، من دون صدور المرسومين الآخرين، تكريساً لواقع أن الحكومة الحالية أصبحت مستقيلةً بفعل بدء ولاية مجلس النواب الجديد، وصدور هذا المرسوم بمفرده من دون المرسومين الآخرين، وإن كان من شأنه ترك إرباكٍ سياسي، إلّا أنّه لن يُغيّر من المُعطى الدستوري القائم، إذ إنّ مرسوم قبول إستقالة الحكومة أو إعتبارها مستقيلةً، كما هو الواقع الحالي مع بدء ولاية مجلس النواب حيث تُعتبر مستقيلة وفق المادة 69 من الدستور، هو مُعطى دستوري حُكمي، وبالتالي فإنّ هذا المرسوم لا يُعتبر مرسوماً إنشائياً constitutif بل إنه مرسومٌ إعلاني déclaratif، تنحصر مفاعيله بإعلان المُعطى الدستوري المتمثّل باعتبار الحكومة مستقيلةً أصلاً. ولذلك لن يكون لخيار الرئيس عون مفعول دستوري بذاته بل سيكون له مفعول سياسي يستعمله السياسيون المعارضون، لفكرة إنتقال صلاحيات رئيس الجمهورية بعد الشغور إلى حكومة تصريف أعمال عملاً بالمادة 62 من الدستور، والتي يُفسرّونها على النحو المعطّل لإنتقال الصلاحيات، لذلك نتوقع أن يترك الأمر مجالاً لتدعيم وجهة النظر السياسية هذه أكثر من إستحداث معطى دستوري جديد".

وختم مرقص: "نطمئن بالحدّ الأدنى أنّ ثمة قاعدة تحكم عدم الفراغ في الحكم، ألا وهي إستمرارعمل المرفق العام الدستوري، بمعنى أن لا إنقطاع في الحكم، جلّ ما في الأمر أنّ السلطة الآفلة، وهي هنا الحكومة، عليها إلتزام الحدّ الأدنى من أعمال الحكم الضرورية لتسليم الشرعية إلى من يخلفها، ليس إلاّ".

الآلية المتّبعة

في الخلاصة، لا بد من التذكير بأنّ المادة 145 من النظام الداخلي لمجلس النواب تتحدّث عن الآلية المتّبعة في حال توجيه رئيس الجمهورية رسالة إلى مجلس النواب وهي تنص على الآتي: "عندما يرغب رئيس الجمهورية بتوجيه رسالة إلى مجلس النواب عملاً بأحكام الفقرة 10 من المادة 53 من الدستور، تطبق الإجراءات الآتية:

1- إذا كانت رسالة رئيس الجمهورية مباشرة، يبادر رئيس المجلس إلى دعوة المجلس إلى الإنعقاد خلال 3 أيام من تاريخ إبلاغه رغبة رئيس الجمهورية.

2- بعد استماع المجلس إلى رسالة رئيس الجمهورية، يرفع رئيس المجلس الجلسة لمدة 24 ساعة، وتستأنف بعدها لمناقشة مضمون الرسالة واتّخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب.

3- أما إذا كانت الرسالة موجّهة بواسطة رئيس المجلس، فعليه أن يدعو المجلس للإنعقاد خلال 3 أيام لمناقشة مضمون الرسالة، واتّخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب".

وعطفاً على ما تقدّم، فإنّ الدعوة لعقد جلسة لمناقشة رسالة عون ستكون حكماً بعد أن يُصبح رئيساً سابقاً للجمهورية، كما أنّ التجارب السابقة تؤكّد بأنّ المجلس لا يمكنه أن يتّخذ أي إجراء خارج سياق التوصية أو القرار المعنوي الذي لا يحمل أي آلية تنفيذية أو إلزامية، خصوصاً في ظلّ الإنقسام العمودي الذي يشهده المجلس الحالي.


MISS 3