توماس ماهنكين

هل بوسع أميركا الإنتصار في أي حرب عالمية جديدة؟

1 تشرين الثاني 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

جنود حلفاء لأميركا مع أعلام بلادهم في منطقة تدريب في ليتوانيا | ٢٠١٥
كان العام 2022 خطيراً على نحو استثنائي في مجال العلاقات الدولية. في أول شهرَين من السنة، حشدت روسيا آلاف الجنود على طول الحدود الأوكرانية. وفي نهاية الشهر الثاني، أرسلتهم نحو أوكرانيا. في غضون ذلك، أصبحت الصين أكثر عدائية تجاه واشنطن، لا سيما في ملف تايوان. وبعدما زارت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، تايبيه في شهر آب الماضي، أطلقت بكين سلسلة عدائية من التدريبات العسكرية التي تهدف إلى إثبات قدرتها على محاصرة الجزيرة ومهاجمتها. في المقابل، استكشفت واشنطن الطرق التي تسمح لها بتسليح الحكومة التايوانية ودعمها في أسرع وقت.

رغم تركيز واشنطن على بكين وموسكو في آن، لا تتماشى الخطط الدفاعية الأميركية الراهنة مع التحديات المطروحة. في العام 2015، تخلّت وزارة الدفاع الأميركية عن سياستها القديمة التي تقضي بالاستعداد لخوض حربَين واسعتَين والفوز بهما، مقابل التركيز على اكتساب الوسائل اللازمة لخوض حرب واحدة والفوز بها. اتّضح هذا التحوّل في السياسات المعتمدة حينها، وهو لا يزال قائماً منذ ذلك الحين. بدأت كميات كبيرة من المعدات العسكرية الأميركية تصبح قديمة، ويعود جزء كبير من الطائرات، والسفن، والدبابات، إلى حقبة التعزيزات الدفاعية في عهد ريغان خلال الثمانينات. يملك البلد أيضاً كميات محدودة من المعدات والذخائر المهمة لدرجة أن يضطر لإرسال جزء كبير من مخزونه الخاص لدعم أوكرانيا.

قد تصبح هذه المشاكل شائكة خلال الصراعات المتزامنة تحديداً. إذا وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام حربَين في شرق أوروبا والمحيط الهادئ، سيكون التزامها طويل الأمد في الحالتَين على الأرجح. تشير مصالح الصين المتوسّعة وبصمتها العالمية إلى عدم تركّز الحرب مع بكين داخل تايوان وغرب المحيط الهادئ، فقد يمتد هذا الصراع أيضاً إلى ساحات متعددة، من المحيط الهندي إلى الولايات المتحدة نفسها. يجب أن يقتني الأميركيون إذاً احتياطيات من الذخائر العميقة، ويخزّنوا معدات عالية الجودة، ويخترعوا تقنيات مبتكرة لساحات المعارك، إذا أرادوا الفوز في هذا النوع من الصراعات.

يجب أن تبدأ واشنطن استعداداتها منذ الآن، فيسعى صانعو السياسة إلى توسيع وتعميق قاعدة الدفاع الصناعية الأميركية. ويُفترض أن يطوّروا مفاهيم مشتركة جديدة حول العمليات المرتقبة، ما يعني تحديد الطرق التي تسمح بنشر القوات المسلّحة لحل المشاكل العسكرية المُلحّة. كذلك، يجب أن يفكروا جدّياً بالخطوط الاستراتيجية للحرب في ساحات متنوعة، بما في ذلك الأماكن التي يُفترض أن يُركّز عليها الجيش الأميركي وتوقيت اتخاذ هذه الخطوة. تستطيع واشنطن أن تُحسّن أداءها للتنسيق مع حلفائها والتخطيط معهم، إذ يضطلع هؤلاء بدور أساسي وحاسم على الأرجح لتحقيق النجاح المنشــــود في أي صراع عسكري عالمي.

فيما يستعد خبراء الدفاع الاستراتيجيون لخوض صراعات متزامنة مع الصين وروسيا، يجب أن يحددوا الطرق التي تسمح لهم بإعطاء الأولوية للتحركات العسكرية الأميركية بناءً على التهديدات النسبية في آسيا وأوروبا، والمعطيات الجغرافية لساحات القتال، وهوية حلفاء واشنطن في كل منطقة. لكن لن تكون هذه العملية سهلة بأي شكل. قد تندلع حرب في مناطق متعددة بطرق مختلفة وتتخذ منحىً فوضوياً. وحتى لو سارت الأمور بالشكل الذي تريده واشنطن، وانتهت أي حملة صاروخية أو غزو برمائي من الجانب الصيني بالفشل، ستتابع بكين القتال على الأرجح. سيواجه الأميركيون والتايوانيون وأصدقاؤهم حينها صراعاً مطوّلاً قد يمتد إلى ساحات أخرى. في غضون ذلك، قد تفترض موسكو أنها تستطيع غزو أجزاء أخرى من أوروبا من دون التعرض للمحاسبة إذا أصبحت الولايات المتحدة عالقة في غرب المحيط الهادئ.

يتطلب التخطيط لهذا النوع من الصراعات المحتدمة تسلسلاً دقيقاً. خلال الحرب العالمية الثانية، ركّزت الولايات المتحدة على ساحة صراع واحدة في لحظات مختلفة، وكان قرارها يتوقف على الساحة التي تفرض عليها أكثر المتطلبات إلحاحاً. في البداية، طبّقت واشنطن استراتيجية تعطي الأولوية لأوروبا وتُركّز على هزم ألمانيا النازية لأنها كانت تطرح أكبر تهديد على الأميركيين وحلفائهم. لكن يجب أن تُركّز الولايات المتحدة اليوم على آسيا أولاً. احتاجت الحرب في أوكرانيا إلى دعم أميركي قوي، لكنها كشفت حدود القوة العسكرية الروسية وفعالية تحركات الناتو المنسّقة. من المتوقع أن تُمعِن الحرب المستمرة في إضعاف الجيش الروسي التقليدي بطرقٍ تعجز موسكو عن إصلاحها. في غضون ذلك، ستتحسن قدرات الناتو، لا سيما بعد انتساب السويد وفنلندا إليه. سيبقى الدور الأميركي أساسياً على الجانب الأوروبي من الحرب، وتحديداً على مستوى التمسك بالردع النووي وأنظمة ردع أخرى. في الحالة المثلى، قد تمنع القدرات الأميركية روسيا من مهاجمة أي بلد من دول الناتو. لكن سيتمكن حلفاء واشنطن في أوروبا من التفوق في مجالات عدة، منها تزويد القوات البرية بالمعدات، وسيحتاجون أيضاً إلى المساعدات والتوجيهات الأميركية في كل مرحلة من القتال.

لكن يختلف الوضع في غرب المحيط الهادئ. تملك الصين جيشاً أقوى من جيش روسيا، وهي تطرح تهديدات أكثر خطورة على النظام الإقليمي القائم. تستطيع الولايات المتحدة من جهتها أن تتكل على حلفاء محليين في أستراليا، واليابان، وكوريا الجنوبية، لكن لا أحد يضاهي حلف الناتو هناك. تتعدد القدرات التي تستطيع الولايات المتحدة وحدها اللجوء إليها، منها الردع النووي، والإمكانات البحرية والجوية والفضائية الأساسية، والدعم اللوجستي الحيوي عبر تأمين الذخائر مثلاً. يجب أن تتعاون واشنطن مع تايوان وجهات أخرى لمساعدة تايبيه على مقاومة الاعتداءات الصينية وتعزيز القوة العسكرية التايوانية. تشمل هذه الجهود قوات تنشط خارج الأراضي الأميركية، مثل غوام، وأخرى تنشط من أراضٍ حليفة مثل اليابان. يُفترض أن تحمي الولايات المتحدة أراضيها وحلفاءها في غرب المحيط الهادئ وأماكن أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة القارية، وتحافظ على شبكاتها المحوسبة وأقمارها الاصطناعية. قد تدوم هذه الحملة لأشهر عدة.

سيكون هذا النوع من الحروب مرعباً لأنه سيندلع على وقع تهديدات الترسانات النووية الصينية والروسية والأميركية. يجب أن تُحدد هذه القوى الثلاث الخطوط الحمراء الخاصة بها أمام الأطراف الأخرى لتجنب استعمال أسلحة الدمار الشامل. قد تسمح تلك الخطوط الحمراء بالحد من العمليات العسكرية التي تطلقها كل دولة. قد تدوم الحرب لفترة أطول في هذه الحالة، لكن ستكون أضرارها أقل خطورة على الأرجح. يعني وجود الترسانات النووية أيضاً أن تزيد مخاطر التصعيد. ليس مستبعداً أن تنتج الحرب أول الاعتدءات النووية العالمية منذ العام 1945.

عند تحليل أي صراع محتمل بين الصين وروسيا والولايات المتحدة وحلفائهم، لا مفر من أن يتّضح الشَبَه الكبير مع الحرب العالمية الثانية. حتى أن المحللين لا يحتاجون إلى توقّع أحداث المستقبل لرصد نقاط التشابه. تكثر العوامل الراهنة التي تشبه النظام الدولي الذي كان قائماً في العام 1939. شكّلت قوتان استبداديتان (الصين وروسيا) تحالفاً مبهماً، بناءً على أهداف مشتركة مثل إعادة رسم الخارطة السياسية، بما يشبه ما قامت به ألمانيا واليابان وإيطاليا خلال الثلاثينات. تحاول روسيا غزو الأراضي في أوروبا، وتجازف عملياتها العنيفة بالتمدد إلى أماكن أخرى وجرّ مناطق مختلفة من القارة إلى القتال. وتعني عدائية الصين المتزايدة تجاه تايوان أن الغزو قد يعود إلى آسيا أيضاً. يجب أن يخطط الأميركيون وحلفاؤهم إذاً للفوز بالحروب في آسيا وأوروبا في الوقت نفسه، حتى لو كان هذا الاحتمال غير محبّذ.

في غضون ذلك، يمكنهم أن يدرسوا انتصار قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية. قد لا تبدو هذه المقارنة مُشجّعة للوهلة الأولى، فقد شملت عناصر النجاح الأميركي تعبئة القطاعات العلمية والتكنولوجية والسياسية الأميركية وتطوير أساليب جديدة لخوض الحرب، ما يعني أن الوضع الراهن يستلزم جهوداً كبرى. في ما يخص حشد القطاع الصناعي لدعم الأمن القومي، تبدو الصين اليوم أقرب إلى وضع الولايات المتحدة في العام 1940. لكن يملك الأميركيون احتياطيات واسعة من الطاقة غير المستغلة في قطاع الدفاع والاقتصاد عموماً، وقد تسترجع الولايات المتحدة تفوّقها الصناعي. كذلك، تعجّ القوات المسلّحة الأميركية بضباط وجنود متفانين وأذكياء، وهم يتمتعون بالمهارات اللازمة لمعالجة التحديات المُلحّة في مختلف عملياتهم.

أخيراً، تحمل الولايات المتحدة ميزة أخرى من زمن الحرب العالمية الثانية وهي لم تخسرها يوماً: التحالفات. على عكس الصين أو روسيا، تتعدد العلاقات الوثيقة التي تربط الولايات المتحدة بعدد من أقوى جيوش العالم. ثمة تداخل كبير أيضاً بين واشنطن ومعظم اقتصادات العالم الحيوية. يجب أن تكثّف الولايات المتحدة إذاً تنسيقها مع شركائها في جميع المجالات، بدءاً من الأبحاث الدفاعية وصولاً إلى التخطيط للعمليات، ويُفترض أن تتعاون معهم لزيادة احتياطيات الذخائر والأسلحة. لكن سبق وأقدمت الولايات المتحدة على هذه الخطوات كلها، ولا سبب يمنعها من تكرار المقاربة نفسها الآن.


MISS 3