طوني أبي نجم

"لبنان الكبير"... والمسؤولون الصغار!

3 كانون الثاني 2020

02 : 00

دخل لبنان سنة المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير، يوم أعلن الجنرال غورو باسم سلطات الانتداب الفرنسية، من قصر الصنوبر في العام 1920، ولادة "لبنان الكبير".

كان يُفترض، وبالمنطق الوطني والروح الاستقلالية، أن تكون الـ2020 سنة الاحتفالات الوطنية الكبرى، لكن أداء المسؤولين اللبنانيين، الذين أوصلوا "وطن الأرز" إلى "الانهيار الكبير"، جعلوا من المستحيل القيام بأي احتفالات تليق بالمئوية بفعل ضرورات التقشف بسبب الإفلاس الذي تعاني منه الخزينة.

ليس سرّاً أن الطامة الكبرى التي ضربت لبنان على مدى مئة عام تمثلت في انحدار مستوى المسؤولين فيه كما مستوى الحياة السياسية والحزبية ككل. يكفي أن نستذكر رجالات كالرئيس بشارة الخوري، أول رئيس جمهورية بعد الاستقلال، الذي سقط تحت ضغط الشارع في نصف ولايته المجددة في العام 1952 بسبب فساد أخيه "السلطان سليم"، لتأتي طبقة سياسية بعد 100 عام ترفض مبدأ إسقاط رئيس الجمهورية في الشارع!

يكفي أن نعود بالذاكرة الى الرئيس - الملك كميل شمعون الذي لُقّب بـ"فتى العروبة الأغر"، وكيف أننا بعد 100 سنة على إعلان "لبنان الكبير" أصبحنا منبوذين من الدول العربية والخليجية بفعل أداء مسؤولين وابتعادنا عن الحضن العربي، لا بل انضمامنا إلى المحور الإيراني المعادي للعرب!

وكيف ننسى باني المؤسسات الرئيس الفقير فؤاد شهاب، وأهمها المؤسسات الرقابية من مجلس خدمة مدنية وتفتيش مركزي وديوان المحاسبة، وكيف أن المسؤولين الحاليين، بعد أقل من 70 عاماً على إنشائها، عملوا على تعطيلها وشلّها ومنعها من أداء الدور المطلوب منها!

كيف ننسى الحياة الحزبية اللبنانية العابرة للطوائف والمذاهب قبل 100 عام، وكان أبرزها الصراع والتنافس بين الكتلة الدستورية والكتلة الوطنية، وكيف تحولت الحياة الحزبية بعد 100 عام إلى تنافس على الحصص بين أحزاب طائفية ومذهبية خالية من أي ديموقراطية وتداول للسلطة وبعيدة كل البعد عن البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعيش على وتر تأجيج العصبيات المذهبية!

ومن يعيد إلى الحياة البرلمانية اللبنانية كبار المشرّعين الذين عرفهم مجلس النواب في العقود الماضية وبات يعجّ اليوم برجال مال وأعمال و"ركّاب بوسطات" سياسية لا يفقهون شيئاً في التشريع؟

نعم أخفق "لبنان الكبير" بعد 100 عام في أن يتحوّل إلى دولة مؤسساتية بكل ما للكلمة من معنى، ولم يعد يليق به حتى وصف "المزرعة" بسبب مسؤولين عملوا عن سابق تصوّر وتصميم على إفقار الشعب وتعطيل المؤسسات والقضاء وضرب الحريات، لجعل لبنان الكبير إمارات صغيرة على قياس زعماء أحزاب الطوائف والمذاهب، ما أوصل لبنان إلى الإفلاس الكبير مع دين عام فعلي يتجاوز الـ100 مليار دولار، في مقابل حسابات مصرفية في الخارج لبعض المسؤولين والموظفين بمبالغ يُقال إنها تتجاوز قيمة الدين العام!

إنه قدر لبنان المهدد اليوم بألا يبقى كبيراً بسبب المسؤولين الصغار فيه الذين أوصلوه الى الانهيار الكبير...