د. ميشال الشماعي

الأمل بنظام جديد

3 كانون الثاني 2020

02 : 00

ليس مستغرباً ما يحدث اليوم في لبنان لأنّه نتيجة لتراكمات ارتكبتها جماعة كبيرة من اللّبنانيّين آمنت بكلّ شيء الا بكيانيّة هذا الوطن. وكما دفعنا أكثر من ألف وخمسمئة سنة من المقاومة والنّضال لنحقّق الكيانيّة التي طمحنا إلى تحقيقها، لن نستطيع المحافظة عليها إلا بدفع أغلى الأثمان. وذلك كلّه نتج من منظومة شبكة الفساد في البلاد التي باتت أكبر من شبكة الصرف الصحي. من حقّ اللّبنانيّين جميعهم أن يتساءلوا لماذا وصل وطنهم إلى هذا الدّرك من الانحطاط؟ وهل نستطيع أن ننقذ ما تبقّى؟ أم علينا الاستسلام والرّضوخ لإرادة من يعتبر نفسه الأقوى؟

نحن نحصد ما زرعناه، أو على الأقلّ ما زرعه قسم كبير من اللّبنانيّين إيمانًا منهم بأنّ هذا الوطن لا يلبّي طموحاتهم الأيديولوجيّة والعقائديّة، أو ما زرعه أولئك الذين غنموا ثروات الوطن؛ لكأنّه ليس وطنهم بل وطن الأعداء الذي احتلّوه. بغضّ النّظر عن الحالة التي وصل إليها الوطن، لا تجد من يتجرّأ ويعترف لو بخطأ صغير هو مسؤول عنه. يعتبرون بأنّ ما يحدث اليوم هو الذي سبّب الأوضاع المتردّية.

لا يا سادة. الثورة وقعت لأنّكم أنتم أوصلتم لبنان إلى هذه الحالة التي وصل إليها، وليس العكس كما تحاولون الايحاء. الا أنّ المواطن المغلوب على أمره يتحمّل جزءًا لا بأس به من المسؤوليّة، لأنّه تحت ذريعة مواكبة التطوّر والثورة الرّقميّة، غيّرنا نمطيّة عيشنا التي اعتاد عليها آباؤنا وأجدادنا، فباتت أريافنا خاوية تصفر فيها الرّياح، ومعظم أراضينا بور. وذلك كلّه لنعيش في المدائن، وللعمل في الشركات أو في قطاع الخدمات، حتّى بات اقتصاد البلاد كلّه ريعيّاً، يعتمد على الخدمات والسياحة. وبعدما أفُقِدَ لبنان الأمن تحت ذريعة مقاومة العدو، وتحرير الأرض، وامتلاك السلاح على أنف شرعيّة الدّولة وسلاحها الشّرعي، بات البلد غير آمنٍ فاهتزّ قطاع الخدمات فيه، وفقدت فرص العمل.

ناهيك عن نمطيّة البذخ في العيش التي نشّأنا عليها الأجيال الصّاعدة بحجّة مواكبة العصر الرّقمي وثورته التّكنولوجيّة. فصار ابن العاشرة يتباهى بهاتف محمول يفوق ثمنه راتب والده، أو حتّى بلعبة إلكترونيّة تنقله من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي تفوق بقدراتها قدراته الانسانيّة. حتّى لغتنا اللّبنانيّة بعضهم استبدلها بالفارسيّة، وبعضهم ضربها بالانكليزيّة والفرنسيّة.

المطلوب اليوم أن تشمل ثورتنا اللّبنانيّة، إعادة بلورة لمفاهيم عدة تبدأ من العائلة ولا تنتهي بالوطن والسياسة. علينا كلبنانيّين مجتمعين أن نستعيد نمطيّة العيش البسيط الذي يعتمد على مبدأ العودة إلى الأرض. من هنا، لنستطيع النّهوض باقتصادنا يجب مواكبة أيّ خطط اقتصاديّة بخطط اجتماعيّة، نستعيد بموجبها نمطيّة حياتنا البسيطة التي لا تخلو من التكنولوجيا فقط، بل من البذخ والاسراف. كما علينا العودة إلى جذورنا الايمانيّة لنستطيع أن ننقذ ما تبقّى.

أمّا سياسيّاً فيستحيل الاستمرار بالقواعد السياسيّة نفسها. لذلك، نحن بحاجة إلى إعادة صياغة نظام جديد يقوم على اتّحاد الأقليّات المجتمعة، لتتحوّل مجموعة الشعوب اللّبنانيّة التي لم يستطع لا الميثاق ولا الوفاق أن يجعلها شعباً واحداً إلى شعب واحد في أرض موحّدة واقعيّاً وليس نظريّاً. آن الأوان لطرح جريء يتماشى مع واقع المجموعات الحضاريّة لتحافظ كلّ مجموعة على خصوصيّتها، ليبقى أملنا بنظام جديد للبنان الجديد. بذلك، لا الفوضى تخيفنا ولا القويّ بسلاحه. لمَ لا تكون الفديراليّة أو أيّ نظام اتّحادي في العالم، أو لمَ لا يكون النّموذج اللّبناني الفريد من نوعه بحدّ ذاته، نظاماً اتّحاديّاً جديداً يحتذى به؟


MISS 3