جواد الصايغ

"الحاكمان"... كابوس ترامب على أبواب البيت الأبيض

16 تشرين الثاني 2022

02 : 01

وجود شخصية كترامب يُشعل السباق الرئاسي مبكراً كما يحدث اليوم (أ ف ب)

مع اقتراب إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ترشّحه للإنتخابات الرئاسية المقبلة، يشعر الجمهوريون بحنين إلى تاريخ السادس من تشرين الثاني عام 1984 عندما تمكّن الرئيس الراحل رونالد ريغن من دخول التاريخ.

يومها استطاع الرئيس الأميركي الأربعون تحقيق رقم يصعُب كسره بعدما تمكّن من اكتساح منافسه الديموقراطي والتر موندايل في كلّ الولايات الأميركية باستثناء مينيسوتا والعاصمة واشنطن وبواقع 525 مندوباً إنتخابيّاً مقابل 13 فقط. ومنذ ذلك الحين ومع كلّ استحقاق رئاسي يمنّي أنصار الحزب الجمهوري أنفسهم بمرشح قادر على تحقيق انتصار يُلوّن أميركا بأكملها بالأحمر، ولكن حتّى اللحظة لم ينجح بوش الأب والإبن، ومعهما دونالد ترامب، في شفاء غليل الجمهوريين، رغم الانتصارات التي حققوها.

وعلى الرغم من أن الانتخابات الرئاسية المقبلة لا تزال بعيدة، غير أن وجود شخصية كترامب يُشعل السباق مبكراً كما يحدث اليوم. فالرئيس السابق عازم على المضي قدماً رغم نصائح حلفائه بضرورة التروي وعدم التسرّع بهذا الشكل ووسط ظروف ضاغطة عليه قبل غيره، خصوصاً لناحية التحقيقات التي تُلاحقه من التهرّب الضريبي إلى اقتحام أنصاره الكونغرس، وليس انتهاء بالنتائج غير المنتظرة التي حقّقها مرشحوه في الانتخابات النصفية.

ولكن رغم كلّ شيء، يبقى ترامب هو ترامب، فالرجل قادر على تصدّر المشهد مع كلّ موقف جدليّ يُطلقه، ولكن طريقه هذه المرّة لن تكون مفروشة بالورود، خصوصاً في حال إقدام حاكم فلوريدا رون دي سانتيس على ترشيح نفسه والصعوبة تكمن في أن الأخير بات يُعوَّل عليه ليكون رونالد ريغن القرن الحادي والعشرين. ويُمكن القول إن دي سانتيس بإمكانه مزاحمة ترامب وبقوة على تمثيل الحزب الجمهوري في 2024 في حال أراد الترشح رغم قوة الرئيس السابق شعبيّاً، فالحاكم السادس والأربعون لفلوريدا يتّكئ على انتمائه للتيار المحافظ الذي لطالما إعتمد ترامب عليه كثيراً في معاركه، بالإضافة إلى حيازته الضمنية دعم شخصيات جمهورية تعدّ حليفة وثيقة للرئيس السابق، وترى فيه إمكانية حقيقية في إعادة الجمهوريين إلى اعتلاء سدة الرئاسة في البيت الأبيض، وأيضاً تربّعه في ولاية أرادها ترامب أن تكون معقله ونقطة انطلاقه الجديدة عقب انتقاله إليها من نيويورك. كما أن انتقادات السياسيين الجمهوريين لترامب في الأيام الحالية فاقت تلك التي خرجت مع بداية مشواره عام 2016 ومسيرته الرئاسية بعد ذلك، فالنائب بيت كينغ الذي يعدّ أحد داعمي الرئيس السابق منذ وقت طويل، قال صراحة بعد النتائج المخيّبة للانتخابات النصفية: "الرسالة التي يجب على الجمهوريين ايصالها إلى ترامب هي أنت مطرود"، معتبراً أن ترامب وفي جميع المهرجانات الانتخابية التي شارك فيها كان يتحدث عن نفسه فقط وانتخابات 2020 ويُهاجم الجمهوريين الآخرين، بينما أشار حاكم أركنساس الجمهوري آسا هاتشينسون إلى أن "دعم ترامب للمرشحين لم يُساعدهم في الانتخابات العامة"، لافتاً إلى أن "تأييد ترامب له ثمن. الكلفة هي أنه يُقلّل من قدرتك على جذب المستقلّين والفوز في تشرين الثاني". ولا يُمكن للرئيس السابق نسب فضل نجاحات دي سانتيس إليه، فيوم دعمه في انتخابات حاكمية الولاية عام 2018 لم يستطع عبور منافسه الديموقراطي أندرو غيلوم سوى بشق النفس وبفارق لم يتجاوز 33 ألف صوت، أمّا في 2022 ومع غياب الرئيس السابق عن دعمه تمكّن من تحقيق انتصار مدوٍ موسّعاً الفارق مع المرشّح الديموقراطي إلى مليون ونصف مليون صوت. خطورة ترشيح دي سانتيس على ترامب لخّصته بشكل موجز زوجة نجل الرئيس، لارا ترامب، التي قالت خلال مقابلة تلفزيونية إنه سيكون من المفضّل أن ينتظر حاكم فلوريدا انتخابات عام 2028 لإعلان ترشّحه. وجدير بالذكر أن استطلاعاً للرأي أجرته "يوغوف" بعد الانتخابات النصفية أظهر أن 41 في المئة من الجمهوريين يُريدون رؤية دي سانتيس كمرشّح لهم في الانتخابات القادمة مقابل 39 في المئة أعلنوا تأييدهم ترامب.

وإذا كان ترشيح دي سانتيس يُربك حسابات ترامب، فإنّ الحديث عن سيناريو إنضمام حاكم فيرجينيا غلين يونغكين إلى الانتخابات الرئاسية كمرشّح أو نائب لدي سانتيس في حملته يُثير مخاوف كبيرة في معسكر ترامب الذي لم يتأخر عن قراءة ما يجري واستشعر الخطر فبادر إلى شنّ هجوم استباقي على حاكم فيرجينيا محاولاً النيل منه عبر السخرية من "اسمه الذي يبدو وكأنه صيني"، بحسب قول ترامب، لافتاً إلى أن "حاكم فيرجينيا لم يكن ليفوز لولا دعمه وهو يعرف ذلك ويعترف به".

ونجح يونغكين في تحقيق انتصار كبير على الديموقراطي البارز تيري ماكوليف في انتخابات فرجينيا عام 2021 رغم كون الولاية من معاقل الحزب الديموقراطي في الانتخابات بدليل أن ترامب خسر الانتخابات الرئاسية عام 2016 أمام هيلاري كلينتون في هذه الولاية بفارق أكثر من 200 ألف صوت، ثمّ وسّع الرئيس الحالي جو بايدن الفارق عام 2020 إلى 450 ألف صوت.

ومع بروز الرجلَين في الوقت الحالي بمواجهة ترامب، يبقى السؤال عن التكتيك الذي سيتّبعه الرئيس السابق في محاولة التخلّص من شبح الحاكمَين، فالأجواء الحالية تؤشر على أن الجمهوريين على موعد مع معركة كسر عظم تمهيدية، خصوصاً أن تكتيك إغراء دي سانتيس بالترشّح لمنصب نائب الرئيس لن يُثير لعاب الأخير، فالجميع شاهد على المصير الذي لاقاه نائب ترامب السابق مايك بينس في نهاية المطاف.


MISS 3