ريتا ابراهيم فريد

الإعلامي جان نخول: الظروف الصعبة محفّزة للإبداع

19 تشرين الثاني 2022

02 : 01

بصمة التميّز ترافقه أينما تواجد. لم يتذمّر أمام الأبواب المغلقة بظروف البلاد الصعبة، بل صنع بنفسه الباب، وشرّعه أمام أملٍ متوهّج بالمزيد من الإبداع. توالت نجاحاته في الفترة الأخيرة، حيث نال جائزة أفضل برنامج ثقافي لمئوية لبنان خلال حفل الموركس دور، كما وقّع كتابه «الديموقراطية المؤجّلة»، فيما يستمرّ برنامج «صاروا مية» بتحقيق النجاحات مع الموسم الجديد الذي عاد به. «نداء الوطن» تواصلت مع الإعلامي جان نخول، الذي خلق هويةً إعلاميةً خاصّةً به، هوية لا تشبه أحداً، ورسمها بأسلوب مميّز في الكتابة ورقيّ في التعابير، ولوّنها بثقافة شاملة، وتواصلٍ لامعٍ مع الذاكرة والزمن الجميل.

بين التحليلات السياسية في فترة الإنتخابات، وكتاب «الديموقراطيـــــــــة المؤجلة» الذي وقّعته الشهر الماضي، وبين الفنّ والأبحاث والوثائقيات، كيف تكاملت لديك كل هذه المواهب؟

منذ صغري كنتُ أهتمّ بأمور متنوّعة، حيث أني أحبّ السياسة وأحبّ الفنّ. وما زلتُ حتى اليوم، حين أشعر بالضغط جراء العمل الصحافي السياسي، أهرب صوب الفنّ، والعكس أيضاً صحيح. بالتالي هو نوع من التوازن مثل أيّ شيء في الحياة. علماً أنّ الصحافي بشكلٍ عام يجب أن يكون ملمّاً في مختلف المجالات، وبالحدّ الأدنى أن يعرف القليل من كلّ شيء.

في أصعب فترة تمرّ فيها البلاد، توالت أعمالك ونجاحاتك. كيف استطعت بين كلّ هذه السوداوية أن تجد المجال أكبر للإبداع؟

أعظم الفنانين في العالم قدّموا أهمّ أعمالهم بعد مرور حدث أليم أو مأساةٍ في حياتهم، مثل الموسيقيين الذين يؤلّفون أروع المقطوعات بعد خسارتهم لأحد أحبّائهم. الظروف الصعبة ليست عائقاً أمام الإبداع، لا بل أحياناً تكون هي المحفّز له. حين بدأتُ ألمس صعوبة الوضع في لبنان، بدأتُ بالتوازي بالبحث عمّا يمكن أن يعيد تعلّقي به وإقناعي بالعيش فيه من جديد. يمكن تشبيه ذلك بالإيمان، فالإنسان يصل الى أعمق لحظات الإيمان بعد أن يمرّ في أعظم لحظات الشكّ.



في حفل الموركس دور



كان التأثّر واضحاً على وجهك خلال تكريمك في حفلة الموريكس دور، ونيلك لجائزة أفضل برنامج ثقافي لمئوية لبنان. كيف تصف شعورك في هذه اللحظة بالذات؟

لطالما كان الهدوء يرافقني خلال إطلالاتي على الهواء. ولم يحدث يوماً أن شعرتُ بالقلق أو التوتّر. لا بل كنتُ أستغرب شعور الخوف الذي يتملّك البعض في هذه الحالة، ولم أفهمه فعلياً إلا ليلة الموركس دور حين شعرتُ به للمرة الأولى. فإعلان اسمي وتقديم الجائزة لي أمام هذا الجمهور الكبير وكل هؤلاء المشاهدين، إضافة الى التصفيق الذي نلته من شخصيات عدّة أحترمها وأحبّها، حفر في داخلي شعوراً رائعاً ترافق مع التوتّر. وكما ذكرتُ حينها في الكلمة التي ألقيتَها، حين بدأت تقام حفلات الموركس كان عمري 10 سنوات، وكنت أشاهدها وأتمرّن على حمل الجائزة مع فرشاة الشعر (ضاحكاً). لكن حين عشتُ هذه اللحظة في الحقيقة، تأثّرتُ بعمق وكان الشعور رائعاً الى أبعد الحدود.

بعد كلّ حلقة من برنامج «صاروا مية»، تنهال على جان نخول مئات التعليقات والإشادات بعمله. كيف تترجم هذا الدعم الكبير الذي تتلقّاه من المشاهدين؟

لا شكّ في أنّ هذا البرنامج يحمل لي الكثير من ردّ الجميل، الذي ينعكس في كمية الناس الذين يقدّرون ويحترمون العمل الذي أقدّمه. بالفعل أقدّر كل من يرسل لي تعليقاً وكل من يبادر الى كتابة تغريدة. وأحاول دوماً أن أردّ على الجميع، أو على الأقلّ أن أعيد نشر التغريدات. كما أني أشعر بفرح كبير بشكل خاصّ حين أتلقى ثناءً من ممثّلين وكتّاب وصحافيين ناجحين من دون معرفة مسبقة بيننا. وأقدّر كثيراً الجهد الذي تقوم به هذه الشخصيات كي تكتب لي. فحين يكون الإنسان عادةً في دائرة الضوء، ليس سهلاً عليه أن يعطي امتيازاً للآخرين.



أثناء توقيع كتاب الديموقراطية المؤجلة



نجحت بإعادة ترميم علاقة الناس مع البرامج الثقافية والوثائقيات، بعد أن كان الكثيرون يعتبرونها مادةً جامدة. كيف يمكن للثقافة أن تشكّل خطوةً أولى نحو التغيير؟

حين بدأنا بالتحضير للبرنامج، تعامل معه البعض على أنّه «تعبئة هواء»، وبالتالي لن ينال نسبة مشاهدة عالية. علماً أنّ الأستاذ ميشال المر كان منذ البداية مقتنعاً بفكرة البرنامج ومصرّاً عليه. وكان من المفترض أن يقتصر على 12 حلقة نحتفل فيها بمئوية لبنان الكبير، وينتهي العرض. لكن ها هو البرنامج اليوم سينتهي بحوالى 55 حلقة في كانون الثاني المقبل. بالعودة الى موضوع الثقافة، لا شكّ في أنّ الشاشات هي التي تجرّ المشاهدين أحياناً نحو متابعة محتوى ما. وهذا البرنامج هو تأكيد على نفي نظرية أنّ البرامج الثقافية لا تلقى رواجاً في لبنان. بالتالي فالقنوات التلفزيونية تلعب دوراً كبيراً في التحفيز على الثقافة من خلال تقديم المادة المناسبة، والمشاهدون أيضاً يلعبون دوراً في تشجيعها. الشاعر الكبير سعيد عقل كان يقول: «نحن لا نذكر من كان وزير الداخلية في عصر الفنان موزارت، لكننا نتذكر حتماً موزارت». لذلك، فالثقافة هي التي تبقى على المدى الطويل، وهي الأساس في تغيير أسلوب التفكير لدى الشعوب.

في سلسلة «من زمن الكبار» وبرنامج «صاروا مية»، كان لافتاً جسر التواصل الذي بنيته مع الذاكرة. ما سرّ العلاقة المميّزة بينك وبين الأرشيف؟

أنا بطبيعتي شغوف بكلّ ما هو قديم. حتى في منزلي، هناك غرفة تبدو كأنها تعود الى أيام الأمير فخر الدين. أحبّ النوستالجيا وأعشق ذلك الزمن، وأتمنى لو أني ولدتُ في مرحلة الستينات. لكن هذا لا يعني أني منفصل عن الحاضر، بل أنا أستمع الى الإصدارات الجديدة وأتابعها. لكن بما أنّ ذلك الزمن قد انتهى، بات يمكننا تقدير موقعه وقيمته والتعامل معه من وجهة نظر نقدية، وبالتالي يمكننا أن نستمتع به أكثر.

بعد هذه النجاحات المتتالية والتجارب المهنية المتنوّعة، وفي ظلّ الضوء الذي تعيش فيه اليوم، ما الذي تغيّر داخل جان نخول الإنسان؟

لا شكّ في أنّ ذلك منحني قوّة أكبر، وهذا لا يعني أني كنتُ ضعيفاً في السابق. لكن ثقتي بنفسي ارتفعت أكثر، واشتدّت في داخلي المناعة تجاه الأمور السلبية. ففي السابق كانت الانتقادات المزعجة تؤثّر بي كثيراً. لكن من جهة أخرى، بتّ اليوم أشعر بالقلق أكثر أمام كلّ عمل جديد أقدّمه، وباتت المسؤولية أكبر. فبعد أن اختبرتُ النجـــاح، لم يعد بإمكاني العودة الى الوراء.