معسكر اليمين يختبر ولاء الجيش الأميركي

02 : 00

جلسة استماع للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي | واشنطن، كانون الأوّل 2021

منذ وقتٍ غير طويل، ما كان أعضاء الحزب الجمهوري ليحلموا يوماً بانتقاد الجيش. لكن أصبح هذا النقد شائعاً اليوم.

في 20 أيار 2021 مثلاً، كتب السيناتور الجمهوري تيد كروز التغريدة التالية: «قد لا يكون الجيش المعاصر والضعيف أفضل فكرة ممكنة». وضع كروز تحت هذه التغريدة رابطاً فيه مقارنة بين إعلان لتجنيد العناصر في الجيش الروسي وآخر للجيش الأميركي: يعرض الإعلان الروسي رجالاً عراة الصدر وهم يقومون بتمارين الضغط وجنوداً يطلقون النار، بينما يعرض الإعلان الأميركي قصة حقيقية عن شابة ربّتها أمّان وانضمّت إلى الجيش الأميركي.



كذلك، يتعرّض الجيش الأميركي لهجوم متواصل من المذيع تاكر كارلسون على قناة «فوكس نيوز»، فهو سخر من جهود الجيش لتجنيد النساء وقال، في آذار 2021، إن الجيش الصيني أصبح «أكثر رجولة» بينما بدأ الجيش الأميركي يصبح «أكثر أنوثة». في غضون ذلك، غرّد بلايك ماسترز، الجمهوري الذي خسر انتخابات عضوية مجلس الشيوخ في ولاية أريزونا في الأسبوع الماضي، ما يلي: «تحوّل كبار جنرالاتنا إلى مسؤولين مؤسسيين يدّعون المعرفة، وقواتنا العسكرية تستحق أفضل من ذلك».



هذا النوع من التعليقات يتجاوز حدود التســييس المعتاد للجيش في السياسة الأميركية. يتجه السياسيون والإعلاميون اليمينيون المتحالفون مع الرئيس السابــق دونالد ترامب إلى إضعاف مكانة الجيـــش في المجتمع، وهم يزعمون في الوقت نفسه أن الشعبية التي يتمتع بها الجيش هي مُلْك لهم. من خلال مهاجمة الجنرالات، يطالب هذا الفريق من الجمهوريين عناصر الجيش بالرضوخ لأجندة ترامب. إذا تحققت أمنية ترامب وحلفائه، قد تُستبدَل أخلاقيات الجيش غير الحزبية باختبار ولاء تجاه أحد أطراف السياسة الأميركية.




إذا نجحت هذه الأساليب، قد تضعف أسس الجدارة في سلك الضباط، حتى أن كفاءة الجيش في الحروب قد تتراجع. تكشف التجارب التاريخية أن الجيوش التي تقوم بتجنيد العناصر وترقيتهم بناءً على مؤهلاتهم تقدّم في ساحة المعركة أداءً أفضل من تلك التي تطالب بولاء الجنود لفئة سياسية معينة. قد يزعم مهاجمو الجيش أنهم يريدون حماية هذه المؤسسة ومنع إضعافها عبر مبادرات التنويع. لكن يُمعن هجومهم فعلياً في إضعاف الجيش عبر زعزعة وحدته الداخلية ومستوى دعمه داخل المجتمع.



للوهلة الأولى، قد تبدو استراتيجية اليمينيين مربكة. يميل الضباط عموماً إلى دعم المعسكر الجمهوري، وهو واقع تثبته استطلاعات الرأي منذ عقود. في الوقت نفسه، لطالما تفاخر الحزب الجمهوري بموقفه الداعم للجيش. ما الداعي إذاً لمهاجمة الضباط العسكريين واعتبارهم يساريين معاصرين، مع أنهم يميلون إلى التعاطف مع رؤية الجمهوريين العالمية أو حتى التصويت لهم؟




يبدو أن الفريق الذي يهاجم الجيش لا يسعى إلى حصد أصوات الضباط، أو لا تقف أهدافه عند هذا الحد على الأقل. بل يثبت هجومه على الجيش أن الولاء لداعمي ترامب داخل الحزب الجمهوري هو شرط مسبق وأساسي للنجاح. إنه عامل ضروري ومناسب ومفيد لمسيرة الضباط العسكريين والمؤسسة التي يقودونها.



لنفكر مثلاً بتداعيات هذا الهجوم على مستوى تسييس الجيش. في المقام الأول، تُضعِف هذه الانتقادات شعبية الجيش العامة ومستوى الثقة به، لا سيما وسط قاعدة الجمهوريين، ما يعني إبطال مفعول أي معارضة محتملة لتسييسه من داخل صفوفه. ويصبح الرأي العام الذي يميل أصلاً إلى التشكيك بالمؤسسة العسكرية أكثر ميلاً إلى انتقاد المسؤولين فيها. يمكن رصد نجاح هذه الأساليب في الجهود الرامية إلى تجريد ضباط سابقين ومحترمين من شرعيتهم، بما في ذلك جيم ماتيس، وهو جنرال متقاعد من سلاح البحرية كان أول وزير دفاع في عهد ترامب. في حزيران 2020، قلّل الكثيرون من شأن ماتيس لأنه أدان علناً استعمال قوات عسكرية ناشطة ضد المحتجين على مقتل جورج فلويد في مينيابوليس. تتّضح هذه الظاهرة أيضاً في تراجع شعبية الجيش وسط الناخبين الجمهوريين تحديداً. يكشف «استطلاع ريغان للدفاع الوطني»، في شباط 2021، تراجعاً بمعدل 17 نقطة في مستوى الثقة بالجيش وسط الجمهوريين منذ العام 2018.




هذه التكتيكات قد تُسهّل تسييس الجيش أيضاً عبر إقناع مناصري ترامب بأن تصرّف الجيش كحليف للحزب هو النهج المناسب أو المحبّذ. قد يقنع هذا الوضع الرأي العام بأن الجيش ليس مضطراً للتخلي عن انحيازه السياسي، بل يجب أن يؤيد رؤية حزب سياسي محدد ويتبنى قِيَمه. لنفكر مثلاً بحجم الدعم الذي حظي به العقيد في سلاح البحرية، ستيوارت شيلر، من السياسيين والإعلاميين اليمينيين بعد طرده، في تشرين الأول 2021، لأنه انتقد علناً سلسلة القيادة التي أصدرت أوامر سحب الجيش الأميركي من أفغانستان عبر مجموعة منشورات لاقت رواجاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. دفعته شهرته الآن إلى المشاركة في مدونات صوتية يمينية، حيث يدعو إلى إلغاء تلقين أخلاقيات الحرب في التعليم العسكري.




قد يعطي هذا الهجوم تداعيات أقل وضوحاً لكن خطيرة بالقدر نفسه، فيستنزف المبادئ التي تدعو إلى منع التسييس داخل الجيش. عندما يدعو السياسيون والمحللون الجيش إلى الاصطفاف معهم إيديولوجياً، هم يشككون حينها بضرورة أن يبقى الجيش على هامش الانحياز السياسي. سيكون تفكيك المعايير الاحترافية للحياد ضرورياً لتحويل الجيش، أو أجزاء منه، إلى حليف لحزب معيّن دون سواه.



قد تتوقف قدرة الجنرالات على تجنب هجوم اليمينيين، أو حماية المنظمات التي يقودونها، أو حتى ضمان ترقيتهم مستقبلاً، على مستوى رضوخهم لأجندة ترامب. هذه الضغوط ستتابع التصاعد إذا حصد فريقه نفوذاً متزايداً في واشنطن.




دعا المرشّح لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا، بلايك ماسترز، في مناسبات متكررة مثلاً إلى طرد كبار الضباط الحاليين في البلد لأنهم يدّعون دعم القضايا المعاصرة، وفضّل ترقية ضباط محافظين بدلاً منهم، فقال في آب 2021: «أريد أن أشهد على طرد جميع الجنرالات». بعيداً عن هذا الموقف المبالغ فيه، لنفكر بالرسالة التي يحملها هذا الكلام لأي عقيد في الخدمة راهناً (أو أي ضابط مرموق يرفض الانصياع لهذه الأجندة): على كل من يسعى إلى تحسين رتبته أن يتبنى هذا الخط الإيديولوجي.



لحسن الحظ، تتعدد حواجز الحماية التي لا تزال قائمة حتى الآن لمنع تسييس الجيش. يمنع القانون العسكري استعمال أي كلمات ازدراء ضد الرئيس ومجموعة معينة من مسؤولين تم انتخابهم أو تعيينهم. كذلك، تمنع قوانين وزارة الدفاع الحملات الناشطة أو أي شكل مباشر من التدخّل في جوانب عدة من السياسات الحزبية. بشكل عام، حافظ الجيش على التزامه الاحترافي بمبادئ الحياد السياسي.


MISS 3