جولي مراد

نانسي وشمّاعة "العنصرية"

11 كانون الثاني 2020

01 : 30

لا أعرف نانسي عجرم شخصياً ولستُ من المهووسين بأخبارها أو المهتمين بكلّ شاردة وواردة عنها. ولستُ مطلعةً على تفاصيل حيثيات التحقيق القضائي السريّة المتعلّقة بحادثة قتل "سارقٍ" في عقر دارها. وصلني من المعلومات حول قضيتها ما هو منتشرٌ علناً من تقارير واستدعاءات وتفاصيل قانونية غالباً ما تُرافق جريمةً مماثلة. ولكن المستهجن في كلّ ما تابعت وقرأت واطلعت عليه هو هذا الكمّ من الثرثرات الفارغة والافتراء المدروس، وهذا المجهود الحثيث لاستحضار المؤامرات والفرضيات "الشرلوك هولمزية" البالية. لعلّها تخمة المسلسلات التركية فعلت فعلها في العقول أو النزعة البشرية لدى بعض الحاسدين بالاقتصاص ممّن حققت شهرةً لم يكتب لهذا البعض تحقيقها لعلّة من العلل.

منذ اللحظات الأولى للحادثة انبرى البعض يدافع عن السارق، فاستحالت "الضحيةُ" جانيةً و"الجاني" ضحيةً. وشُحذت كلّ أدوات الدفاع عن "السارق"، من استهدافٍ لنانسي برصيدها من الشهرة، وكأنّها أمانةٌ سُلبت ممّن لا يستحقّها وحان أوان استردادها، الى تحريكٍ مقيت لـ"فزاعة العنصرية"، الى نسجٍ لرواياتٍ خيالية عن "دماثة خلق" السارق "المسكين" الذي تحوّل بفعل القهر والجوع الى مجرّد "مطالب بحقوقه" أردي قتيلاً بأيادٍ برجوازية، وأمسى بين ليلةٍ وضحاها شهيداً يختصر بجثته الهامدة "عذابات" اللاجئين السوريين في لبنان.

يلومني البعض على عدم مشاركتي في "جوقة" المتهجّمين على النجمة ناعتاً إياي بالـ"عنصرية" لمجرّد تفنيدي لنقاطٍ بدت لي شديدة المنطق، ورفضي الركون الى فيديوات وأقاويل وتسجيلات مصدرها "المشبوه" سلفاً أهل "السارق" ومحيطه. والبعض المتهجّم يصرّ على نعت "السارق" بالـ"مغدور" مبرّراً أرجحية حكمه باستدعاء القضاء لنانسي وزوجها مجدداً وكأنّ مجرّد الاستدعاء إلصاقٌ وطيد للنيّة الجُرمية بالمُستدعى. لهؤلاء بالذات أفنّد التالي: ليس الاستدعاء دليل جُرمٍ، بل هو مجرّد إجراءٍ قضائي عاديّ، خصوصاً مع اتخاذ عائلة "السارق الجاني" صفة الادعاء الشخصي ما يستوجب إعادة فتح التحقيق والاستدعاء. النظريات المؤكدة للجرم لإصابة الجاني بـ17 طلقة تنقصها المصداقية، فاختصاصيو المسدسات لا يُلغون فرضية انطلاق الرصاصات بطلقاتٍ متعدّدة بفعل الهلع. إصرار عائلة "السارق" على عمل "الجاني" لدى عجرم مع الافتقار الواضح الى دليلٍ دامغ يقطع الشك باليقين، ونشر زوجته لتسجيلاتٍ صوتية لها مرفقةٍ بصورٍ مع أولادها في ثيابٍ بالية تستعطف بها الجماهير لِما أُلحق بها من جرمٍ، محمّلة نانسي مسؤولية "تيتيم" أطفالها ومطالبةً إياها بمبالغ مالية سيناريو فاضح يشي بابتزازٍ مقزّز. ملثمٌ دخل عقر الدار بعد منتصف الليل ملوّحاً بمسدس. سواء كان الأخير حقيقياً أم لعبة لا يغيّر في المعادلة شيئاً. "الجاني" هدّد وتوعّد وطالب بنبرةٍ صاخبة وحركاتٍ نافرة ظهرت في مقاطع فيديو واضحة. ألّا يرديه زوج نانسي فوراً هو نقيض المنطق. أن يتخاذل في عهدٍ قطعه على زوجته وأطفاله بحمايتهم هو سلوكٌ "غير سويّ". استيضاح حيثيات الواقعة للوقوف على الحقيقة أمرٌ مفهوم أما أن يُسهم المرء في حملة تلفيقاتٍ وترّهاتٍ بنكهاتٍ "عنصرية" غير مبنية على أدلةٍ حسية ملموسة ومتلهّفة لاستباق التحقيق بأحكامٍ مُبرمة فتواطؤٌ على فعل ابتزازٍ مقيت بدل الاحتكام الى القضاء ومنطق القانون.