قصة انهيار "إف تي إكس"... زلزال في عالم العملات المشفّرة

02 : 00

تنتاب العالم الدهشة وهو يراقب الزلزال الذي أطاح بشركة تداول العملات المشفّرة "إف تي إكس" دافعة بقطاع العملات المشفّرة ككل إلى تكبّد خسائر واسعة، وليصبح هدفاً لانتقادات حادة في ظل تورّط مشاهير في الترويج للبورصة وتساؤلات حول غياب دور الجهات الرقابية والتنظيمية تجاه ما كان يحدث بالشركة التي نمت إيراداتها لتتجاوز مليار دولار، وشكّلت في وقت ما نحو 10% من تداولات سوق العملات المشفّرة العالمية منذ أن بدأت عملها في عام 2019 فحسب.


طلب الحماية

كان مؤسس الشركة "سام بانكمان فرايد" يروّج للشركة بأنها الأكثر تنظيماً في قطاع تعوزه الرقابة. لكنّ الشركة انتهى بها الأمر إلى طلب الحماية من الدائنين في الولايات المتحدة، بعد أن استقال "بانكمان" من منصبه كرئيس تنفيذي عقب أن أدّت أكبر نكبة في صناعة التشفير إلى دعوات لتدقيق أكبر، وفي الوقت الذي محت فيه الأزمة قيمة أصول "بانكمان" لتصل إلى الصفر من ذروة 26 مليار دولار في آذار الماضي في بضعة أيام فحسب، وتركت نحو مليون عميل يواجهون خسائر إجمالية تصل إلى مليارات الدولارات.


تسلسل زمني

استغرقت الشركة عشرة أيام فقط في تشرين الثاني الجاري لكي تنهار. وكان المحرّك الرئيسي لانهيار "إف تي إكس" هو تقرير أصدرته "كوين ديسك" في أوائل تشرين الثاني كشف أن "آلاميدا" الشركة الأولى التي أسّسها "بانكمان" تملك مركزاً بقيمة خمسة مليارات دولار في "إف تي تي" العملة الرقمية التي أصدرتها "إف تي إكس". مثّل ذلك المركز خُمسي ميزانية "آلاميدا" البالغة 14.6 مليار دولار، ما أثار الذعر بين عملاء "إف تي تي" الذين كانوا على دراية بأن أي مشاكل في "آلاميدا" تعني وجود صعوبات في "إف تي إكس". وأثار ذلك مخاوف في القطاع بشأن حجم الاستدانة والائتمان غير المفصح عنه للشركات المملوكة لـ "بانكمان".


في السادس من تشرين الثاني، أعلنت "بينانس"، أكبر بورصة للعملات المشفّرة في العالم، أنها ستبيع كامل مركزها في "إف تي تي"، نحو 23 مليون وحدة بقيمة تبلغ حوالى 529 مليون دولار. وقال "تشانغبينج تشاو" الرئيس التنفيذي لبورصة "بينانس" إن قرار تسييل مركز البورصة في "إف تي تي" يستند إلى إدارة المخاطر عقب انهيار عملة تيرا الرقمية في وقت سابق من 2022.


في اليوم التالي، واجهت "إف تي إكس" أزمة سيولة، وسعى "بانكمان" لطمأنة المستثمرين في "إف تي إكس" إلى أن أصولها مستقرة لكنّ العملاء طلبوا سحب ما قيمته 6 مليارات دولار في الأيام التالية مباشرة لتقرير "كوين ديسك". وسعى "بانكمان" للبحث عن تمويل إضافي من شركات رأس المال الجريء قبل أن يوجّه دفّته صوب "بينانس". وتراجعت قيمة "إف تي تي" 80% في يومين.


في الثامن من تشرين الثاني، أعلنت "بينانس" أنها توصّلت إلى اتفاق غير ملزم لشراء الأصول غير الأميركية المملوكة لشركة "إف تي إكس" مقابل مبلغ لم تفصح عنه ما يعني أن الشركة وافقت على إنقاذ منافستها "إف تي إكس".


لكن "بينانس" انسحبت من الصفقة في اليوم التالي. وفي التاسع من تشرين الثاني، قالت إنها ستلغي الصفقة بعد فحص نافٍ للجهالة أثار مخاوفها بشأن سوء التعامل مع أموال العملاء من بين مسائل أخرى.


في العاشر من تشرين الثاني، أصدرت الجهة التنظيمية للأوراق المالية في جزر البهاما أمراً بتجميد الأصول السوقية الرقمية التابعة لـ "إف تي إكس" ووحدتها التابعة هناك، بعد أنباء عن أن "بانكمان" يسعى للحصول على رأسمال بقيمة 8 مليارات دولار لإنقاذ الشركة. في اليوم نفسه، أعلنت إدارة الحماية المالية في كاليفورنيا عن بدء تحقيق بشأن "إف تي إكس".


اعتذر "بانكمان" في اليوم نفسه عن أزمة السيولة واعترف على تويتر أن أموال الشركة لا تكفي لتلبية طلبات العملاء. وقال "بانكمان" إن "التصنيف الداخلي السيّئ" تسبب في أن تقوم "إف تي إكس" بحساب خاطئ للاستدانة والسيولة.


عقب ذلك، تقدّمت الشركة والوحدة التابعة لها "آلاميدا للأبحاث" وحوالى 130 شركة تابعة بطلب للسير في إجراءات إفلاس طواعية في ولاية ديلاوير الأميركية.



ما الخطأ؟

أسّس بانكمان شركتين رئيسيتين، الأولى هي "آلاميدا" وهي شركة متخصّصة في التجارة الكمية تقوم بما يشبه عمل صناديق التحوط في وول ستريت، وتعتمد على الأموال المقترضة لتمويل عملها في شراء وبيع العملات الرقمية. وكانت الشركة تجذب المستثمرين عبر وعود بعوائد مرتفعة ومخاطر قليلة.


أما الشركة الثانية فكانت "إف تي إكس" خامس أكبر بورصة للعملات المشفّرة في العالم، وكانت لديها العملة الخاصة بها التي تحمل اسم "إف تي تي"، والتي كانت بمثابة برنامج ولاء للعملاء يمنحهم امتيازات مثل رسوم المعاملات المخفّضة. جرى أيضاً بيع وشراء "إف تي تي" كعملة عادية ووصلت قيمتها في التعاملات أحياناً إلى 80 دولاراً. وقامت "إف تي إكس" بإصدار الآلاف من العملات المشفّرة واستخدمتها كضمان من أجل الحصول على قروض لشركة "آلاميدا". وبالطبع كانت تلك ممارسة خطيرة إذ إن انخفاض سعر "إف تي تي" دون مستوى معين كان يعني أن "آلاميدا" لن تكون قادرة على السداد لمقرضيها.


وعندما تراجعت سوق العملات المشفّرة بالكامل في وقت سابق من العام، شعر الناس بالحيرة لرؤية "إف تي إكس" تنقذ العديد من الشركات الخاسرة، لكن تبيّن أنها كانت محاولة من مؤسس الشركة "سام بانكمان فرايد" لمنع الشركات من بيع "إف تي تي" بسعر منخفض.


تجاوزات وتدليس

تتكشف الأمور شيئاً فشيئاً لتشير إلى سوء إدارة وتلاعب بأموال العملاء وتداولات غير محكمة وتجاهل لإدارة المخاطر في كل من "إف تي إكس" و"آلاميدا"، من بينها استخدام "بانكمان" سرّاً عشرة مليارات دولار من أموال عملاء "إف تي إكس" لدعم أنشطة التداول الخاصة بـ"آلاميدا"، واختفاء ما يقرب من مليار دولار من تلك الأموال.


ليس هذا فحسب، بل إنه في العروض التقديمية للمستثمرين، ظهرت بعض الأصول نفسها في الميزانية العمومية لكل من "إف تي إكس" و"آلاميدا" على الرغم من ادّعاءات "إف تي إكس" بأن "آلاميدا تعمل على نحو مستقل".


فضلاً عن ذلك، قام أحد مساعدي "بانكمان" المقربين بتعديل برنامج المحاسبة الخاص بـ"إف تي إكس" ما مكّن "بانكمان" من إخفاء تحويل أموال العملاء من "إف تي إكس" إلى "آلاميدا". وكشفت أنظمة الدفاتر في "إف تي إكس" أنه حتى بعد عمليات السحب الهائلة للعملاء، ظلّت هناك ودائع بقيمة 10 مليارات دولار، بالإضافة إلى فائض قدره 1.5 مليار دولار، ما قاد الموظفين للاعتقاد خطأ بأن "إف تي إكس" تستند إلى قاعدة مالية قوية.


سددت "إف تي إكس" حوالى 400 مليون دولار في صورة "رسوم برامج" لـ "آلاميدا" على مدى سنوات. واستخدمت "آلاميدا" الأموال لشراء العملة الرقمية التابعة "لإف تي إكس" وهي "إف تي تي"، ما قلّل من معروض العملة ودعم سعرها السوقي.


في الربع الثاني من العام، تكبّدت "إف تي إكس" خسائر بـ 161 مليون دولار، على الرغم من أنه في الوقت نفسه أنفق "بانكمان" حوالي ملياري دولار على عمليات الاستحواذ.


نجم ساطع في سماء التشفير

السقوط كان مدوياً لشركة كانت نجماً ساطعاً في قطاع العملات المشفرة، وجمعت الشركة 400 مليون دولار من مستثمرين في كانون الثاني، ما وصل بتقييمها إلى 32 مليار دولار. واستقطبت الأموال من مستثمرين بينهم شركة تيماسيك القابضة المملوكة لحكومة سنغافورة وصندوق معاشات تقاعد المعلمين في أونتاريو ومشاهير ونجوم رياضة.


وتحول بانكمان فرايد البالغ من العمر 30 عاماً من كونه صورة لنجاح قصة العملات المشفّرة إلى بطل الرواية في أكبر انهيار يشهده القطاع.


وقال "توماس هايز" العضو المنتدب في شركة "Great Hill Capital" في نيويورك "كانت الصدمة أن هذا الشاب كان وجهاً لصناعة العملات المشفّرة واتّضح أنّه كان مجرّداً من كل شيء".


الاضطراب فاقم بالفعل مشكلات سوق العملات المشفرة الذي يعاني، ما دفع عملة "بتكوين" الأبرز لأدنى مستوياتها في عامين تقريباً. وتراجعت "البتكوين" بعد إعلان "إف تي إكس" عن طلب الحماية من الدائنين بشكل كبير.


وانهارت عملة "إف تي تي" التابعة لشركة "إف تي إكس" 30% يوم الجمعة إلى 2.57 دولار، لتصل بخسارتها في أسبوع إلى 88%. ( أرقام- رويترز- بلومبرج- ذا نيويوركر)


نظرة على المؤسس

سام المولود في عام 1992 نشأ في كاليفورنيا، وحضر مخيم كندا/الولايات المتحدة للرياضيات، وهو برنامج صيفي للطلاب المتمرّسين في الرياضيات والذي ضمّ أيضاً شريكه المستقبلي "جاري وانغ" بين خريجيه.

وتخرج بانكمان لاحقاً من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بشهادة في الفيزياء. وقام بالتداول في العملات والعقود الآجلة وصناديق المؤشرات لصالح شركة "جان ستريت كابيتال".


بعد أكثر من ثلاث سنوات قضاها في الشركة التي مقرّها نيويورك، انتقل إلى تداول العملات المشفّرة وأسس "آلاميدا للأبحاث" في عام 2017. وإلى جانب تداول العملات المشفّرة الرئيسية، انخرطت الشركة أيضاً في منتجات الأصول الرقمية الأخرى ومشتقاتها".


بعد أكثر من عام ونصف على بدء عمل "آلاميدا"، تعاون "بانكمان" مع "جاري وانغ" وهو مهندس برمجيات سابق لدى "غوغل" وخريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لتأسيس "إف تي إكس". قدّمت الشركة التداول في العملات المشفّرة والمشتقات، وكانت تفتخر بنظامها القويّ لإدارة المخاطر. واستطاع "بانكمان" أن يجلب شركة "بينانس" إلى "إف تي إكس" كأول مستثمر فيها.


كان مقر "بانكمان" في هونغ كونغ، حيث المقر الرئيسي لشركته في وقت سابق. وفي العام الماضي، انتقل إلى جزر البهاما عندما قررت "إف تي إكس" أن تنقل مقرّها إلى الدولة نفسها.


قبل انهيار "إف تي إكس" الذي قضى على معظم ثروة "بانكمان"، كان من بين الأكثر ثراء في قطاع الأصول الرقمية. ووفقاً لتقديرات فوربس، بلغت ثروته ذروتها عند نحو 26.5 مليار دولار وسط موجة التبني المؤسسي التي دفعت أسعار العملات المشفّرة إلى مستويات قياسية مرتفعة العام الماضي.


كشفت البيانات الصادرة قبل انتخابات التجديد النصفي للولايات المتحدة أنه كان سادس أكبر مانح سياسي، بعد أن ساهم بمبلغ 39.8 مليون دولار ذهبت غالبيتها للديمقراطيين.



مشاهير

حصل لاعب مركز الوسط في الدوري الوطني لكرة القدم "توم برادي" وعارضة الأزياء "جيزيل بونديشن" على حصص في "إف تي إكس" العام الماضي. كما وقّعت الشركة عقداً مع نجم الدوري الأميركي للمحترفين "ستيف كاري" ليعمل سفيراً لها.

وفي شباط، كتبت نجمة البوب الأميركية "كاتي بيري" على إنستغرام "أنا أستقيل من الموسيقى وأصبحت متدرّبة لدى إف تي إكس" بعد أن أجرت محادثة مع "بانكمان" في اليوم السابق.             

MISS 3