مايز عبيد

عيّنة عن معاناة عائلة كاملة

خمس حالات من ذوي الاحتياجات الخاصة في أسرة واحدة

13 كانون الثاني 2020

02 : 00

تغيب الدولة ووزاراتها المعنية عن متابعة أوضاع المواطنين بشكل عام، فما بالك بذوي الإحتياجات الخاصة، الذين يحتاجون إلى عناية خاصة من دولتهم ولا يلقونها... لو بحدها الأدنى.

على الطريق يجلس مصطفى رشيد الطحش يفكّر بوضعه وبعائلته والهمّ يشغل باله. يقترب خالد الطحش منه محدّثًا إياه. لا يمكن أن تفهم ما قاله أو يقوله. فقط الوالد هو من يفهم ما قاله إبنه الذي يعاني من إعاقة عقلية وجسدية.

هنا في بلدة القرقف العكارية، لمصطفى رشيد الطحش خمسة أولاد (صبيان و ثلاث بنات)، وكلهم من ذوي الإحتياجات الخاصة. والأولاد الخمسة جميعهم يعانون من إعاقات عقلية وخُلقية، يجيدون التحدث ولكن بالكاد تفهم ما يقولونه. تتراوح أعمارهم بين العشرين والخمسين عاماً، فيما قلّة الإدراك هي السِمة الغالبة عند الجميع. أما الوالد السبعيني المُتعب من هموم الحياة وقساوة العيش، فهو يعاني من قلّة المال وضعف الإنتاجية.

لديهم أخ سادس إسمه جهاد وافته المنيّة وبقي الأولاد الخمسة وهم: فؤاد، خالد، سميرة، سمر ونور. وتعيش العائلة حياة إنسانية واجتماعية صعبة للغاية، ولا شيء من مقومات الحياة الإنسانية اللائقة، فيما أوضاعهم يُرثى لها. عائلة بأكملها تعيش في بيت لا يتخطى الغرفتين وهو بيت متصدّع وخالٍ من أي أثاث منزلي أو أدوات.

وإذا كانت مثل هذه الحالات بحاجة إلى رعاية إنسانية واجتماعية واهتمام، فإنها بالمقابل تعيش أصعب الظروف المعيشية في منزلها الذي لا يصلح لأي شكل من أشكال السكن ولا يليق بإنسان ان يعيش داخله.

يتحدث الوالد رشيد الطحش الرجل السبعيني عن نفسه وعن عائلته شارحاً الوضع في حديث إلى نداء الوطن: "نحن كعائلة نعيش على همّة الأجاويد الذين يتبرّعون لنا بأمور عينية للمعيشة اليومية، ولكن هذا لا يكفي ولا يفي بالغرض. إنها عائلة مكتملة الأوصاف والشروط من حيث المتطلبات الحياتية الأساسية ولو كانوا ذوي إعاقة إنني أخاف عليهم وإذا مرضوا لا أستطيع تطبيبهم".

ويضيف: "أنا رجل مسنّ، كنت في السابق أشتغل عاملاً يومياً لأصرف على أفراد أسرتي فقط للأكل والمشرب. الآن أنا كبرت ولم أعد أقوى على العمل وهناك مصاريف كثيرة للبيت والعائلة".

ويختم الوالد بالقول: "الآن نريد من يقف إلى جانب هذه العائلة اجتماعياً وصحياً وإنسانياً خصوصاً أنه لا مؤسسات ضامنة ولا من يهتم بأحوالنا، وليس لنا إلا الله".

حاجة إلى التبني

وتشدد الخبيرة في العلوم النفسية سمر البرؤمي في حديث إلى "نداء الوطن" على أنّ "هذه الحالات بحاجة في الأصل إلى تبنّي الدولة والمؤسسات التي تُعنى بالشؤون الإجتماعية وأصحاب الإحتياجات الخاصة. وهذه العائلة بالذات تحتاج إلى عناية إضافية لكونها ذات أوضاع اجتماعية ومعيشية صعبة، وتحتاج بالتالي إلى اهتمام مضاعف. ولو وجِد هذا الإهتمام لساعدهم ذلك على تخطّي جزء من الصعوبات الحياتية وأشعرهم أن هناك من يفكّر فيهم وبحياتهم".

وتضيف: "في الدول المتطورة والتي تحترم الإنسان وحقوقه فإن لذوي الإحتياجات الخاصة معاملة خاصة تأخذ في الحسبان أنهم أشخاص لم تسعفهم الظروف من كل النواحي ليمارسوا حياتهم بالشكل الطبيعي، ولذلك يأتي الإهتمام بهم ليعوّض النقص الحاصل لديهم في مجالات أخرى، وبالأخص الإعاقات التي يعانون منها".وتخلص إلى القول أنه: "لا بدّ للمؤسسات الإنسانية أن تلعب دورها مع مثل هذه الحالات، وبالأخص كحالة عائلة مصطفى رشيد الطحش، التي لا تستطيع متابعة أي علاج عيادي كما أنها لا تتلقّى مساعدات إنسانية".

قضية إنسانية حساسة

من جهته، تحدث رئيس بلدية القرقف الشيخ يحي الرفاعي إلى "نداء الوطن" عن هذه الحالة وعن دور البلدية حيالها فأكّد أنّ "القضية التي نحن في صددها حساسة جداً وهي تندرج من ضمن حالات الإحتياجات الخاصة، وهذه الحالات تغيب عنها الدولة تماماً".

أضاف: "أما عن قضيّة مصطفى الطحش، فإنها صعبة للغاية، اذ لديه في البيت خمسة أبناء معوقين وهو المعيل الوحيد لهم وهو من دون عمل".

وتابع الرفاعي: "في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة الراهنة والتي أثّرت على الجميع في لبنان، حيث تخطت البطالة الـ70 % في العديد من القرى والبلدات العكارية ومنها بلدتنا، فيما الناس تعاني وتئن من الضائقة الإقتصادية، نحن تعاطينا كبلدية في السابق مع هذه القضية من جانبها الإنساني ضمن المستطاع. الآن الحِمل كبير على البلديات في ظل الأوضاع المالية الصعبة والتأخر في دفع مستحقاتها وعدم تحويلها بالكامل منذ سنتين. وفي ظل غياب الجباية أيضاً، فإن البلديات لم تعد قادرة على متابعة الكثير من الأنشطة والبرامج التي كانت تقوم بها".

أضاف: "نحن هنا أمام حالة يرثى لها، ولها مصاريف كبيرة أقله 1000 $ بالشهر كمستلزمات معيشة، لإنسانٍ فقيرٍ معدوم. لقد كان من ضمن برنامجنا التواصل مع الجمعيات الإنسانية والإغاثية لصالح هذه الحالات في بلدتنا، غير أن الجمعيات والمؤسسات التي كانت تدعم حالات من هذا النوع، أوقفت مساعداتها أو جزءاً كبيراً منها. نحن الآن لدينا إحصائية اجتماعية لكل هذه الحالات في البلدة، وكنا قد قدّمنا حصصاً غذائية وتموينية ومن ضمن خطتنا لهم، تأمين المساعدات الشهرية، ولكن تعرفون الآن أين أصبحت أوضاع البلد والناس لا سيما المادية منها، والتي انحدرت بشكل دراماتيكي.. لذلك فإننا نناشد الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان وكل من يُعنى بهذا النوع من المساعدات، التطلّع لمثل هذه الحالات في القرقف وفي غيرها من مناطق عكّار وما أكثرها في مناطقنا ومن ضمنهم حالة مصطفى الطحش وعائلته، ودعمها قبل أن تحلّ بها الكارثة".


MISS 3