د. عماد شيّا

إستقلال الدولة العالق في شِباك الدويلة!

24 تشرين الثاني 2022

02 : 00

جرت العادة منذ العام 1943 أن يحتفل اللبنانيون في الثاني والعشرين من تشرين الثاني من كل عام بذكرى الاستقلال. وقد طبع هذا اليوم في ذاكرة اللبنانيين سير رجالات الاستقلال الذين التقوا في لحظة تاريخية مشهودة على رفض استمرار الانتداب الفرنسي، والمطالبة معاً بالاستقلال عنه بعدما توافقوا في ما بينهم على تسوية رسمت معالم وطن بقي استقلاله معلّقاً بين المصادرة والإنجاز، ودائم القلق على المصير.

أبرز المسائل الخلافية بين اللبنانيين في مرحلة ما بعد إعلان الاستقلال، كانت مسألة علاقة لبنان مع محيطه العربي والإسلامي ومع دول العالم شرقاً وغرباً. والمسألة الثانية كانت النظام الطائفي والامتيازات والأعراف الطائفية في بلد متعدد الطوائف والمشاريع والانتماءات.

شكّل قيام الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين عام 1948، ولجوء إعداد من الفلسطينيين إلى لبنان تحدياً كبيراً للدولة الفتية. والتحدي الثاني كان نظام الامتيازات الطائفية الذي جعل شرائح وفئات واسعة من اللبنانيين تشعر بالتهميش السياسي والاجتماعي والانمائي.

ظلّت التجاذبات بشأن موقف لبنان من الصراع العربي الإسرائيلي والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتبعها الدولة، تتحكم بالحياة السياسية وتؤدي أحياناً إلى اهتزازات سياسية وأمنية، كانت تحرص القوى السياسية في كلّ محطة على تجاوزها، انطلاقاً من التزام الجميع بسقف الدولة ومؤسساتها الشرعية بالرغم مما كان لدى البعض من مآخذ تجاهها.

قادت التشنّجات غير المضبوطة بين اللبنانيين وتداخل المسائل الأساسية لا سيما الوجود الفلسطيني المسلح والسياسات الاجتماعية للدولة من جهة ثانية، إلى اندلاع الحرب الأهلية وتفسّخ مؤسسات الدولة ومصادرة عناصر الاستقلال من قبل قوى الأمر الواقع.

لكن بالرغم من الحروب الأهلية الطائفية وويلاتها والخسائر البشرية والمادية الهائلة على مدى 15 سنة، بقيت عناوين الصراع بين المتقاتلين مضبوطة تحت سقف لبنان الدولة والوطن الذي صادر فريق منهم بلون طائفي معين بعض مقوّماتها ليعزز وضعيته في الصراع من أجل «إصلاح النظام الطائفي»، و»تثبيت موقع لبنان الوطني العربي المتفاعل مع القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية»، وفريق بلون طائفي آخر وضع يده على مقوّمات الدولة في مناطقه ليعزز وضعيته أيضاً في الصراع والمواجهة «لتحرير لبنان من السلاح الفلسطيني المتفلّت» و»الحفاظ على الامتيازات» الموروثة من أيام الانتداب الفرنسي و»تثبيت موقع لبنان المحايد والمنفتح».

اللافت أنّه في خضّم الحرب المستعرة والخطابات النارية على مدى 15 سنة، بدا المتقاتلون حريصين على حفظ خطّ الرجعة إلى الوطن الجامع والدولة المرجعية الشرعية. وهذا ما حصل بالفعل مع اتفاق «الطائف» وعودة القوى المتحاربة إلى كنف الدولة وأحضان الشرعية، وإعادة ما تمّت مصادرته إليها وإن كان بعضها مقابل ضمانات تكفل وجوده ضمنها.

الأمر الجوهري المختلِف بين قوى وأحزاب المصادرَة الموقتة لمقومات الدولة واستقلالها بين 1975 والـ1990. وتحديداً بين القوى التي صادرت مقومات الدولة واستعانت بالخارج لتعزيز موقعها بالصراع من أجل تحقيق ما يراه كلّ فريق منها الأفضل للبنان، والقوى المهيمنة حالياً والتي راكمت بشكل منهجيّ واستراتيجيّ مقوّمات مشروع دويلة باتت أقوى من الدولة، وتلعب أدواراً مفصلية محلياً وهامة إقليمية وحتى دولية، وهو أنّ قادة هذه الدويلة لا ينكرون لا بالسرّ ولا بالعلن تبعيتهم لولاية الفقيه، وحرصهم على تغليب مصالح إيران الاستراتيجية محلياً وإقليمياً ودولياً.

من هنا يبدو أنّ لبنان واستقلاله اليوم، يعاني من معضلة غير مسبوقة في تاريخه، فلبنان الدولة والمؤسسات الشرعية الأساسية، التشريعية منها والتنفيذية أو القضائية والأمنية، إمّا محدودة الصلاحيات وإمّا مشلولة أو معطلة، وجميع الاستحقاقات المرتبطة بها بما فيها استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، رمز الدولة والشرعية وضامن السيادة والاستقلال، عالقة في شِباك الدويلة القوية الممسكة بالسلاح وبكل عوامل التأثير، فإمّا تسير هذه الاستحقاقات وفق ما تشتهيه هذه الدويلة ومصالح مرجعيتها الاقليمية وإمّا مصيرها الشغور والتعطيل والشلل.

(*) أستاذ بالاعلام والتاريخ العام


MISS 3