سامي الهاشم

النصاب القانوني في جلسة انتخاب رئيس الجمهوريَّة

النصاب القانوني في جلسة انتخاب رئيس الجمهوريَّة اللبنانية هو ثلثا عدد أعضاء المجلس النيابي في الجلسة الأولى لأن الدستــور ينصّ في المادة 49 على ما يلي: «يُنتخب رئيس الجمهوريَّة بالاقتراع السرّي بغالبيّة الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى ويُكتفى بالغالبيَّة المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي». أكثريّة الثلثين هي أكثريَّة خاصّة وهي مفروضة في الجلسة الأولى، أمّا واعتباراً من الجلسة الثانية فتصبح الأكثرية المطلقة أي نصف عدد أعضاء المجلس النيابي زائداً واحداً هي الأكثرية المطلوبة، وهذا هو النصاب القانوني وليس أكثر (65 نائباً). ونحن نجزم ونؤكِّد أنّه لو كان في نيَّة واضعي الدستور نصاب خاص بشكل قاطع ونهائي أي الثلثان (86 نائباً) لكانوا اكتفوا بالفقرة الأولى من المادة 49 ولم يكونوا بحاجة إلى القول: «ويُكتفى بالغالبيّة المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي». هذا ما يحصل في كلِّ الحالات المطلوب فيها أكثريّة خاصّة، ونُعطي مثلين على ذلك:

- الأوّل: في تعديل الدستور، ينصّ القانون على أكثريّة الـ4/3 عدد أعضاء المجلس النيابي ويقف عندها، أي أنّه لا يُعدِّل الدستور إلّا بهذه الأكثريّة.

- الثّاني: في انتخاب البطريرك الماروني، لا يفوز أيُّ مطران بالبطريركيَّة إذا لم يَنَل أكثريَّة الثلثين من عدد المطارنة وذلك في كلِّ الدورات حتى ولو بلغ عددها المئات.

وعليه نقول إلى كلِّ الذين يعتقدون أنَّ حضور ثلثي أعضاء المجلس النيابي إلزاميّ كي تجري انتخابات رئيس الجمهوريَّة: أنتم لا تريدون أن يُنتخبَ رئيس جمهوريَّة، لأنَّ التقاء 86 نائباً على رأي واحد في بلدٍ مثل لبنان متعدِّد المشارب والمذاهب والأحزاب والميول الداخليّة والخارجيّة، أمرٌ مستحيل. وعليه نناشدهم جميعاً أن يخرجوا من هذه الدوّامة المفرغة لأنّها ستدور وتدور ونبقى في مكاننا، وأن يجتمعوا وينتخبوا رئيساً بالأكثريّة المطلقة وبحضور 65 نائباً، وفي مثل هذه الحالة على الـ65 نائباً أن ينتخبوا شخصاً واحداً.

وبعد الانتخابات، على المجلس النيابي أن يلتئم فوراً ويُعدِّل مادتين في الدستور:

الأولى: المادة 49 وفيها تُعتمد الفقرة الثانية أي: «يُكتفى بالغالبيّة المطلقة». حضوراً وانتخاباً وفوزاً، باعتبار أنَّ هذه الأكثريّة تعني أكثر من نصف عدد النواب وبالتالي أكثر من نصف عدد اللبنانيين.

الثانية: المادة 53 التي تنصّ على كيفيّة تشكيل الحكومة. فعلى المجلس النيابي أن يستبدلها بمادّة صريحة وواضحة لا تقبل أيّ نقاش أو جدل أو اجتهاد، يُعطى فيها كلّ من رئيس الجمهوريّة والرئيس المكلّف دوراً محدداً وواضحاً ومعلوماً.

وإلّا سنقع في لعبة النصاب عند انتهاء ولاية كل رئيس جمهوريّة وبلعبة التعطيل عند تأليف أيّة حكومة. فتصبح البلاد من دون رئيس جمهوريّة، ومن دون حكومة مكتملة الصلاحيات، ومجلس نيابي منقسم على ذاته أي بحكم المشلول العاجز عن العمل، وشعب مقهور يرزح تحت حمل مئة مصيبة ومصيبة، وبلد مهدَّد بالانهيار والزوال.

وهنا يحضرني قول لمونتسكيو عن سقوط بيزنطية فهو يقول: «العجب ليس في كيفيّة سقوط الامبراطوريّة الرومانيّة سنة 1453، بل العجب كيف بقيت قائمةً إلى تلك السنة»، نظراً إلى ما كانت تشكو منه من فساد وقصر نظر وأحقاد وضغائن وتخلّف ديني وسياسي واجتماعي وعسكري ومالي... وشعارات وخلافات حتى على جنس الملائكة، واستطراداً نطرح السؤال ذاته عن لبنان: كيف بقي حيّاً إلى اليوم والعيوب الهدّامة تتآكله من كلِّ حدبٍ وصوب والأمراض السرطانيّة أصابت منه الدماغ قبل سائر الأعضاء!

نجّانا الله من الأوضاع التي نتخبّط فيها وألهم ذوي الشأن لإصلاح ما يمكن إصلاحه قبل فوات الأوان .

(*) نقيب أسبق للمدارس الافرادية الخاصة