"مؤتمر برلين" حول ليبيا يُعقد هذا الشهر

حفتر يُرجئ التوقيع على اتفاق "وقف النار" في موسكو

10 : 48

هدوء حذر يُخيّم على جبهات طرابلس (أ ف ب)

قرّر قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، الواسع النفوذ في شرق ليبيا، إرجاء التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار خلال محادثات في موسكو بالأمس، لكن الحكومة الروسيّة أعربت عن تفاؤلها بأنّ طرفَيْ النزاع الليبي سيُوقّعان قريباً الوثيقة الرامية إلى إنهاء تسعة أشهر من القتال العنيف.

وتواصلت المحادثات في شأن شروط وقف إطلاق النار بين قوّات حفتر وحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السرّاج، لسبع ساعات، من دون لقاء مباشر بين الوفدَيْن، بينما أشارت موسكو إلى أنّها أثمرت عن "تقدّم معيّن".

وأكّد وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف أن السرّاج ورئيس مجلس الدولة (يوازي مجلس أعيان) في طرابلس خالد المشري، وقّعا على اتفاق وقف إطلاق النار. لكن حفتر وحليفه رئيس البرلمان الليبيّ عقيلة صالح "طلبا بعض الوقت الإضافي حتّى الصباح" لدراسة الوثيقة. ووصل حفتر والسرّاج إلى موسكو بالأمس في أوج تحرّكات ديبلوماسيّة لمنع اتساع النزاع المسلّح في ليبيا.

ولعبت تركيا ووزيرا الخارجيّة والدفاع الروسيَيْن دور وسطاء، لكن الوفدَيْن المتخاصمَيْن لم يلتقيا وجهاً لوجه. ونقل حساب تلفزيون "ليبيا الأحرار" على "تويتر" عن المشري قوله: "رفضنا أي لقاء مع حفتر ولن نجلس معه تحت أي ظرف، ومفاوضاتنا تتمّ مع أصدقائنا الأتراك والروس"، في وقت دعا السرّاج الليبيّين إلى "طيّ صفحة الماضي ونبذ الفرقة ورصّ الصفوف للانطلاق نحو السلام والاستقرار"، مشيراً إلى أن "خطوة التوقيع على وقف اطلاق النار، إنّما هي للدفع بهذا الاتفاق إلى الأمام ومنع إراقة المزيد من الدم الليبي".

وتنصّ مسودة الاتفاق على وقف كافة العمليّات الهجوميّة والسعي إلى خفض التصعيد. كما اتفق الطرفان مبدئيّاً على تحديد خط تماس يضمن وقفاً ثابتاً لإطلاق النار، ودعم ذلك باتخاذ الإجراءات اللازمة لاستتباب الاستقرار على الأرض وتطبيع الأمور في طرابلس والمدن الأخرى، والانتقال إلى خفض منسّق للتصعيد. ومن المقرّر تشكيل لجنة عسكريّة لهذا الغرض، بحسب الوثيقة. وتقضي المسودة أيضاً بتشكيل فرق عمل لصياغة شروط التسوية السياسيّة الليبيّة وحلّ القضايا الإنسانيّة وإعادة الإعمار والنهوض بالاقتصاد، وذلك من خلال التفاوض.ودخل وقف هشّ لإطلاق النار حيّز التنفيذ منذ منتصف ليل السبت - الأحد، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شدّد أمس على ضرورة التوصّل إلى وقف دائم لإطلاق النار، بعدما التقى رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، الذي وصل مساء الإثنين إلى القاهرة في زيارة لم يُعلن عنها مسبقاً. كما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى هدنة "ذات صدقيّة ودائمة ويُمكن التحقق منها". وجاء موقف الرئيس الفرنسي خلال مكالمة هاتفيّة مع بوتين، وشدّد ماكرون على "رغبته في أن يُتيح مؤتمر برلين إعادة إطلاق العمليّة السياسيّة برعاية الأمم المتحدة والحوار الداخلي الليبي"، بحسب بيان الرئاسة الفرنسيّة، في حين أطلع بوتين المستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل على سير المفاوضات في موسكو. وجاءت المبادرة الديبلوماسيّة التركيّة - الروسيّة بالرغم من موقفَيْ البلدَيْن المتباينَيْن حيال الفرقاء الليبيين، إذ أرسلت أنقرة هذا الشهر قوّات لدعم حكومة الوفاق الليبيّة، فيما اتُّهمت روسيا بدعم قوّات حفتر، التي تحظى كذلك بدعم من الإمارات والسعوديّة ومصر. وتحدّثت تقارير عن وجود مئات المرتزقة الروس في ليبيا دعماً للجيش الوطني، لكنّ بوتين أوضح مراراً أن لا علاقة لموسكو بأي روس متواجدين في ليبيا.

وفي هذا السياق، لفت الخبير الروسي في مجال الدفاع أليكسي مالاشينكو إلى أن موسكو تدعم حفتر باعتباره الأقوى عسكريّاً وتؤيّدها حليفتها مصر في ذلك. وقال: "ترغب موسكو بالحفاظ على تواجدها في ليبيا من خلال حفتر، بما في ذلك الحفاظ على مصالحها النفطيّة". وفضلاً عن المكاسب الجيوسياسيّة والحصول على امتيازات الوصول إلى النفط الليبي، تأمل روسيا في أن تستعيد في ليبيا سوقاً مهمّاً للسلاح والقمح، كما يطمح بوتين بالحصول على موطئ قدم في أفريقيا.

ولتركيا أيضاً أهداف نفطيّة تأمل في تحقيقها من خلال اتفاق مثير للجدل مع حكومة الوفاق الوطني، توسّع فيه تركيا جرفها القاري بشكل يسمح لها بالتنقيب عن مصادر الطاقة في أعماق المتوسّط. ورأى مالاشينكو أيضاً أنّه "إذا نجحت عمليّة السلام هذه، فستُعزّز روسيا دورها كصانع للسلام وستنجح بالحفاظ على حفتر". لكن يُشكّك المحلّلون في الوقت نفسه بإمكان أن تدوم هدنة ما في ليبيا، بحيث يعتبرون أن لحفتر هدفاً وهو السيطرة على العاصمة عسكريّاً، ما يسمح له أن يفرض ما يُريد على طاولة المفاوضات.

وتخشى الدول الأوروبّية تدويل النزاع الليبي وتفاقمه، خصوصاً مع وصول عسكريين أتراك إلى البلاد، وفي ظلّ الاشتباه بوجود مرتزقة روس فيها، إلى جانب العديد من المجموعات الجهاديّة الموجودة هناك أصلاً، مع مهرّبين للأسلحة والمهاجرين. كذلك تخشى أوروبا من أن تتحوّل ليبيا إلى "سوريا ثانية". وهي تُريد خفض ضغط المهاجرين على حدودها، بعدما استقبلت في السنوات الأخيرة آلاف المهاجرين القادمين من ليبيا وسوريا.

في غضون ذلك، أكد المتحدّث باسم الحكومة الألمانيّة شتيفن زايبرت أن المؤتمر الدولي حول ليبيا يضمّ طرفَيْ النزاع والدول الفاعلة فيه، سيُعقد فعليّاً في برلين في كانون الثاني، مشيراً إلى أنّه قد يحصل في 19 من الشهر الحالي. وبموازاة ذلك، أعلنت الرئاسة التركيّة عن زيارة مرتقبة للرئيس التركي في اليوم نفسه لبرلين، من دون أن تُحدّد خلفيّات الزيارة. ويُفترض أن تُشارك في هذا المؤتمر 10 دول على الأقلّ، هي الدول الخمس الدائمة العضويّة في مجلس الأمن الدولي مع ألمانيا وتركيا وإيطاليا ومصر والإمارات. على صعيد آخر، استأنفت شركات الطيران الليبيّة تسيير الرحلات من مطار معيتيقة الدولي في العاصمة طرابلس وإليه، بعد إغلاق استمرّ لأيّام نتيجة تعرّضه للقصف، وبعد مرور أكثر من 24 ساعة على وقف إطلاق النار.