أصبحت زراعة النباتات من جانب النمل أكثر شيوعاً مما افترض الكثيرون سابقاً، وقد تطوّرت هذه الظاهرة 15 مرة على الأقل.
تشمل الأميركيتان أكثر من 200 فصيلة نمل، وهي تزرع الفطريات لإطعام نفسها، لكن تطوّرت هذه الميزة مرة واحدة فقط منذ فترة تتراوح بين 45 و65 مليون سنة. يعتبر علماء الأحياء زراعة الفطريات من جانب النمل زراعة حقيقية ظهرت قبل الزراعة البشرية بفترة طويلة لأنها تتماشى مع أربعة معايير: النمل يزرع الفطريات، ويعتني بها، ويحصدها، ويتكل عليها لإطعام نفسه.
من المعروف أن آلاف أنواع النمل تربطها شبكة واسعة من العلاقات التكافلية مع النباتات، ومع ذلك لم يوضع أيٌّ منها في خانة الزراعة الحقيقية. لكن في العام 2016، اكتشف غيوم تشوميكي وسوزان رينر من جامعة مينونخ الألمانية أن نملة في فيجي تزرع نباتات عدة بطرقٍ تلبّي معايير الزراعة الحقيقية الأربعة.
يجمع هذا النمل (من فصيلة "فيليدريس ناجازو") بذور النباتات ويضعها داخل شقوق في لحاء الأشجار. تزامناً مع نمو النباتات، تنشأ هياكل مجوّفة يستقرّ فيها النمل.
يتغوّط النمل في أماكن امتصاصية خاصة في تلك الهياكل، فيمنح المغذّيات للنبتة. في المقابل، تعطي النبتة الغذاء على شكل رحيق إلى النمل، بالإضافة إلى المأوى.
هذا الاكتشاف دفع تشوميكي وآخرين إلى تحليل المراجع المتعلقة بالعلاقات القائمة بين النمل والنباتات لرصد أي أمثلة أخرى أغفل عنها العلماء عن زراعة النباتات. يوضح تشوميكي الذي يعمل راهناً في جامعة "شيفيلد" البريطانية: "لم توضع هذه العلاقة يوماً في إطار الزراعة. إنها ظاهرة شائعة جداً".
رصد الباحثون 37 نموذجاً من النمل المقيم في الأشجار، واكتشفوا أنه يزرع النباتات التي تنمو على تلك الأشجار وتُعرَف باسم النباتات الهوائية. تقول لورا كامبيل من جامعة "دورهام" في بريطانيا، وهي واحدة من المشرفين على البحث، إن هذه النباتات تجد صعوبة في تلقّي ما يكفي من المغذيات، ما يعني أنها تكسب منافع كثيرة عبر تطوير علاقتها مع النمل.
من خلال تحليل أشجار عائلات أجناس النمل، تمكّن العلماء من احتساب عدد الحالات التي تطوّرت فيها زراعة النباتات وتوقيتها. يصل العدد التقريبي إلى 15 في الحد الأدنى. تطوّرت جميع الأنظمة في الحقبات الحديثة نسبياً، منذ مليون إلى 3 ملايين سنة.
يتوقف وضع 37 نموذجاً من النماذج التي اكتشفها العلماء في خانة الزراعة الحقيقية على التعريفات المستعملة. لا تتلقّى جميع الأجناس الغذاء من النباتات، لكنها تتكل عليها لإيجاد مأوى، وهو عامل أساسي للنمل المقيم في الأشجار. لهذا السبب، يظنّ فريق البحث أن تعريف الزراعة الحقيقية يُفترض أن يشمل المأوى إلى جانب الغذاء.
يقول تيد شولتز من "مؤسسة سميثسونيان" في العاصمة واشنطن: "أنا أتفق بالكامل مع المشرفين على البحث حول اعتبار الغذاء جزءاً بسيطاً من أسباب الزراعة، سواء أكانت بشرية أم غير بشرية".
