دراسة للجامعة الاميركية عن تدابير التعافي الإقتصادي والإجتماعي من جائحة كوفيد- 19

لبنان مكشوف على الأزمات... ونقص المناعة مخيف

02 : 00

العمالة الهامشية دفعت الثمن من حياتها ودخلها

أعدّ قسم الاقتصاد في الجامعة الاميركية تحت اشراف الباحثة الرئيسية الدكتورة ليلى داغر دراسة بعنوان «تدابير شاملة وعادلة للتعافي الاجتماعي والاقتصادي من جائحة كوفيد-19»، أكدت انه كان للجائحة 19 تأثير سلبي على سبل عيش السكان في لبنان. وكان العاملون في القطاع غير النظامي، الذين يشكلون غالبية القوة العاملة في البلد، في وضع سيئ للغاية. وقد أوصلت الأزمات المتزامنة، بما في ذلك الجائحة، والأزمة الاقتصادية والمالية، وانفجار مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020 - إلى تفاقم الوضع وزادت من تأثير تفشي فيروس كوفيد-19، ما أدّى إلى حدوث معدلات فقر وخسائر في الدخل لم يسبق لها مثيل. وفي حين وضعت الحكومة تدابير للتخفيف من حدة جائحة كوفيد-19، فإنهّا فشلت في معالجة الآثار الاقتصادية للجائحة والأزمات المتفاقمة بشكل صحيح. وحتى الآن، وبعد مرور ثلاث سنوات على بداية الأزمة وأكثر من 30 شهراً على تفشي فيروس كوفيد-19، لا يزال البلد يفتقر إلى خطة تعافٍ مالي تسمح للمواطن العادي وللمقيم من غير اللبنانيين بالحصول على الموارد وتحقيق التعافي المالي.

وتظهر النتائج أنّ الافتقار إلى البيانات، وغياب الخطط القائمة بشكل مسبق، وعدم كفاية الخدمات ونظم التخفيف من حدة الأزمات، إلى جانب العجز المالي وانعدام الإرادة السياسية، هي الأسباب الرئيسية وراء فشل الحكومة في التخفيف من أثر الأزمات على الفئات الأكثر ضعفاً، ولا سيما العمال غير النظاميين. وبالنظر إلى الملاحظات التي أبديت والدروس المستفادة من الأزمة الحالية، نوصي باتخاذ الإجراءات التالية حتى تتمكن الحكومة اللبنانية من الاستعداد بشكل أفضل للصدمات في المستقبل:




د. ليلى داغر





1 - ندرة البيانات (العمالة، هشاشة الأسر والمؤسسات غير النظامية)

يشكّل العمال غير النظاميين غالبية القوى العاملة في لبنان. وزادت الأزمة من حجم القوى العاملة غير النظامية من 54.9 في المائة في عام 2019 إلى 62.4 في المائة في عام 2022. ولا تتمتع هذه الفئة من القوى العاملة بالأمن الوظيفي أو الحد الأدنى من إعانات البطالة وتغطية الرعاية الصحية، وما إلى ذلك، وهي بالتالي شديدة التعرض لجميع الصدمات التي لها آثار اقتصادية.

علاوة على ذلك، لم تعكس السياسات والإجراءات الحكومية خلال الأزمة الوعي الكافي بشأن آثارها على القوى العاملة غير النظامية أو على المؤسسات غير النظامية، ويعزى ذلك جزئياً إلى نقص البيانات. في الوقت الحالي، لا يمتلك لبنان قواعد بيانات شاملة موثوقة، كما أنّ قواعد البيانات الجزئية الموجودة، مثل بيانات «نظام الضمان الاجتماعي»، تستثني العمال في القطاع غير النظامي. وعلى نحو مماثل، لا توجد معلومات كافية عن المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، التي تقدر بأكثر من 90% والتي تشكلّ بجزئها الأكبر منشآت غير رسمية.

- التوصيات قصيرة الأجل

* إجراء إحصاء للقوى العاملة في البلد (العاملون الفعليون والعاطلون عن العمل) وتحديثه دورياً بحسب القطاعات التي تشمل القطاع غير النظامي، على أن يتقيد هذا الإحصاء بأنظمة خصوصية البيانات ولا يتم تقاسمه بين الجهات الحكومية، بل يستخدم فقط لدعم الأزمات. وينبغي أن يشكلّ إجراء مسح سنوي عن القوى العاملة على الصعيد الوطني، مبنيا على سجل إجتماعي وطني، أولوية لتوجيه السياسات في المستقبل. وبحسب ورشة العمل لمناقشة نتائج البحث الميداني، لا حاجة للبدء من الصفر؛ فبإمكان الحكومة الاعتماد على بيانات إدارة الإحصاء المركزي أو قاعدة بيانات منصة IMPACT التي تحتوي بالفعل على بيانات عن أكثر من 500 ألف أسرة، أي حوالى 50% من الأسر اللبنانية. ويمكن لسجل إجتماعي واحد وموحد ومتكامل يحدّد معلومات الأسر حول قابلية التأثر، يجمعها ويخزنّها، أن يسهّل جهود الحكومة لتوفير المساعدة الملحة للفئات الضعيفة من السكان.



- التوصيات طويلة الأجل

* إعادة النظر في قانون الضمان الاجتماعي الوطني ليشمل العمال غير النظاميين والمهاجرين، ولضمان توسيع خطط الحماية الاجتماعية لتشمل جميع العمال في لبنان، والعمل على تحسين تنفيذ مواد قانون العمل الحالي. إنّ لبنان، بصفته أحد الأطراف الموقعة على إتفاقات منظمة العمل الدولية، ملتزم بضمان ظروف عمل لائقة لجميع العمال على أراضيه. وقد فشلت قوانين العمل الحالية، كما يتضح من الأزمات المتزامنة التي حدثت في السنوات الثلاث الماضية، في توفير حماية معقولة وظروف عمل لائقة للعمال.



2 - الإفتقار إلى الحماية الإجتماعية

لا تدعم برامج الحماية الاجتماعية في لبنان اللاجئين، والمهاجرين، والعاطلين عن العمل، والعاملين في القطاعات غير النظامية، والعاملين في بعض القطاعات بما في ذلك قطاع الزراعة. وفي حين أنّ هذا الأمر كان يشكّل على الدوام خطراً على أغلبية السكان في لبنان، إلا أنّ تأثير انعدام شبكات الأمان تفاقم بسبب الأزمة، حيث لم يجد العديد ممن فقدوا دخلهم ووظائفهم أي دعم آخر. وفقد العمال دخلهم بسبب الإغلاق الشامل، والإغلاق المؤقت أو الدائم للشركات، وانخفاض قيمة العملة. وبالنسبة إلى كثيرين، امتدت فترة فقدان الوظائف لفترة طويلة. وقد تطور إتجاه جديد من الطابع غير النظامي للعمالة: فقد انتشرت على نطاق واسع الوظائف غير النظامية ذات الأجور الأكثر تقلباً والتي تفتقر إلى أي معايير للسلامة في مكان العمل. وشهد العمال تدهوراً في مستويات المعيشة وتكيفاً لآليات التأقلم القاسية. وشملت المخاوف الرئيسية توفير الغذاء والرعاية الصحية والسكن. وعلاوة على ذلك، تأثرت المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بشكل كبير أيضاً بسبب انقطاع أعمالها لفترات طويلة وتعطلها. ولم يتمكن العديد منها من إستئناف النشاط حتى بعد مرور موجات كوفيد-19 الكبيرة.

- التوصيات قصيرة الأجل

* إستناداً إلى السجل الاجتماعي المتكامل الشامل، يمكن توجيه التدابير المتخذة خلال الأزمات، وينبغي أن تأخذ في الاعتبار وبشكل واضح أوجه الضعف المختلفة لدى مختلف فئات القوى العاملة، ولا سيما العمال غير النظاميين.

* توفير تحويلات نقدية للتعويض عن الأجور المفقودة. وفي حين أنّ الحكومة اللبنانية تبنت هذه الإجراءات في نقاط مختلفة، إلا أن عمليات المساعدة النقدية كانت متقطعة وغير مستقرة، ولم يكن الأساس الذي إستندت إليه هذه العمليات واضحاً. يجب التركيز على الخصائص التالية: الشفافية، حسن التوقيت والإجراءات المؤقتة، بالإضافة إلى صياغة إستراتيجية واضحة للخروج من الأزمة.

* تقديم إعانات مالية لأصحاب المشاريع الصغيرة. ويبيّن عملنا الميداني أنّ عدداً كبيراً من أصحاب الأعمال التجارية هم من النساء اللواتي كان دخلهنّ التجاري يوفر جزءاً كبيراً من دخل الأسرة. وقد أدت خسارة الدخل خلال الأزمة إلى عبء كبير على أسر هؤلاء النساء. ويعدّ تقديم الدعم للأعمال التجارية التي تملكها النساء أمراً حاسماً للتعويض عن أي أثر غير متناسب عليهنّ.

- التوصيات طويلة الأجل

* توسيع الاستثمار في المؤسسات العامة وزيادة الإنفاق الاجتماعي. ضمان جاهزية المؤسسات مثل المستشفيات العامة، والدفاع المدني، وغيرها من وكالات خدمات الطوارئ التي من المرجح أن تكون خط الدفاع الأول في الأزمات الناشئة. ولا بد أن يكون الاستثمار في المدارس العامة أيضاً على رأس الأولويات. وشهدنا في العقود الماضية زيادة اعتماد الحكومة على القطاع الخاص في توفير الرعاية الصحية، الأمر الذي لا يعتبر مشكلة طالما تتوفر برامج التأمين الإجتماعي للعموم وغيرها من خطط الحماية الاجتماعية لتغطية تكاليف الزيارات الطبية والاستشفاء مع المستشفيات التي يتم التعاقد معها. وقد أظهرت التجربة من الأزمة الحالية ضعف النظام كما هو الحال في لبنان، مع الاعتماد الشديد على تقديم الخدمات الضرورية من القطاع الخاص. وكان هذا النهج ضاراً بصفة خاصة بالسكان الأكثر عرضة مثل العاملين في القطاع غير النظامي. وينبغي أن يساعد توفير الضمان العام للرعاية الصحية والتعليم في تخفيف حدة الفقر بين السكان الأكثر عرضة وفي توفير الحد الأدنى من الحماية ضد الصدمات في المستقبل.

* تطبيق البرنامج الوطني للحماية الاجتماعية الذي وضعته وزارة الشؤون الاجتماعية. وفي إطار برنامج الحماية الاجتماعية، إنشاء صندوق للتأمين ضد البطالة يتولى توفير إعانات البطالة وبرامج تدريبية للعمال العاطلين عن العمل.

كذلك، كجزء من البرنامج الوطني للحماية الاجتماعية، تنفيذ خطة التغطية الصحية الشاملة.

* وضع وتنفيذ خطط الاستدامة المالية لتوفير الحماية الاجتماعية الشاملة وتوفير التمويل الكافي من خلال الميزانيات الحكومية السنوية بدلاً من الاعتماد بشكل أساسي على المنح والدعم المالي الدولي. ويعدّ اعتماد خطة للإنعاش الاقتصادي خطوة أولى حاسمة نحو تحقيق أي هدف من هذا القبيل.

* تطبيق الضرائب التصاعدية والضرائب على الثروة لتأمين الموارد التي يمكن للحكومة إعادة توزيعها. وهناك حاجة ملحة إلى إصلاح النظام الضريبي الحالي الذي يركز أساساً على ضريبة الدخل، والضريبة غير المباشرة بدلاً من الضرائب التصاعدية والضرائب على الثروة.


3 - ضعف إستجابة الحكومة

لم تكن إستجابة الحكومة للأزمة كافية ومتوازنة. ويظهر العمل الميداني، ولا سيما المقابلات مع الخبراء، أنّ إستجابة الحكومة للوباء ركزت في معظمها على الجانب الوبائي للجائحة متجاهلة العواقب الاقتصادية. وكان من الواضح أنّ مؤسسات الدولة لم يكن لديها خطة عمل موجودة مسبقاً لتفعيلها في وقت الأزمات. فكان على صناع القرار أن يرتجلوا. وغالباً ما لم تتجسّد الأفكار التي طرحت في سياسات أو إجراءات فعالة. وعانت الاستجابة العامة من محدودية الموارد، والتنافس على الاختصاص، وعدم كفاية عدد الموظفين المدربين.


- التوصيات قصيرة الأجل

* وضع إستراتيجية وطنية محدّثة وفعالة لإدارة الكوارث. ويجب مراجعة هذه الاستراتيجية وتحديثها دورياً، ويجب أن تضمن أن يكون اللاجئون والعمال المهاجرون جزءاً من أي إستجابة طارئة.

* تعبئة الوكالات والسلطات المحلية وتوفير الموارد الكافية من قبل الحكومة المركزية لدعم دورها. وعلاوة على ذلك، ينبغي حل النزاعات في الاختصاصات والسلطات بين مختلف مستويات الإدارة. إعداد خطط العمل الخاصة بإدارة الازمات، وتمتين التخطيط المتكامل، وتدريب الموظفين والكوادر على كافة مستويات الإدارة اللبنانية، بما في ذلك أجهزة الحكومة المحلية، لتنفيذها عند الحاجة.

* إعادة النظر في الاستجابات السابقة للكوارث وتقييمها بهدف التعلم من التجارب السابقة وإرشاد الاستراتيجية الوطنية لإدارة الكوارث.

- التوصيات طويلة الأجل

* تخصيص موارد كافية لبناء الهياكل الأساسية والقدرات اللازمة لوضع الخطة الوطنية لإدارة الكوارث موضع التنفيذ عند الحاجة.


MISS 3