ريتا ابراهيم فريد

عادت إلى الشاشة ببرنامج "راشيل مع الرئيس"

راشيل كرم: على الإعلامي ألّا يتصنّع

6 كانون الأول 2022

02 : 00

رغم أنها غادرت قناة "الجديد" من حوالى سنة و4 أشهر، لكنها بقيت حاضرة في أذهان المشاهدين وكأنها لم تغب عن الشاشة. واليوم عادت الى القناة كي تقدّم برنامج "راشيل مع الرئيس"، الذي تستضيف فيه شخصيات مارونية محتملة لرئاسة الجمهورية وتطرح على كلّ منها 15 سؤالاً خلال 280 ثانية. "نداء الوطن" تواصلت مع راشيل في هذه المقابلة الصريحة والعفوية.

كيف نجحتِ خلال فترة قصيرة بأن تطبعي بصمةً خاصةً بك مترافقة مع شهرة واسعة؟

أنا شغوفة جداً بعملي وأحبّ الصحافة. ولم أخترها عن طريق الصدفة، فمنذ أن كنتُ في الثانية عشرة من عمري قرّرتُ أن أكون صحافية. وهناك مقولة أشدّد عليها دوماً أمام طلابي: Just be yourself أي أن يكونوا أنفسهم وأن يحترموا مهنتهم. فحين تتواجد الشخصية الصحافية في داخلنا، كل ما علينا فعله أن نكون أنفسنا وألّا نقلّد أحداً وألا نتصنّع. فشئنا أم أبينا، لا يمكننا أن نضحك على المُشاهد. وحتى لو حصل ذلك لفترة قصيرة، فالمُشاهد سيكشفنا في ما بعد. وهو قادر على التمييز بين المراسل الصادق وذاك الذي يقوم بالإستعراض. وبتقديري أنّ الناس لمسوا صدقي بالتعاطي. إضافة الى ذلك، لطالما وضعتُ نفسي مكان المشاهدين، بالتالي كل الأسئلة التي يمكن أن تخطر في بالي والتفاصيل التي أرغب في الاطّلاع عليها كمشاهدة، كنت أحاول البحث عنها كصحافية على الأرض.

في برنامج "اقنعني" و2021 show، كانت تتراوح مدة الحلقة بين ساعة وساعتين. أما في برنامج "راشيل مع مين" و"راشيل مع الرئيس"، فهي لا تتعدّى الدقائق الثلاث. هل واجهتِ صعوبة في الانتقال بين هاتين الصيغتين المختلفتين؟

كي أكون صادقة، كان التحدّي كبيراً. مع الإشارة الى أنّ هذه المقابلات السريعة هي جزء من سلسلة "راشيل مع"، وقريباً ستكون هناك سلسلة جديدة. بالعودة الى برنامج "اقنعني"، كنتُ قد قدّمته على الراديو في وقت الذروة خلال زحمة السير. كذلك برنامج 2021 Show عُرض على انستغرام بتقنية المباشر (Live) خلال فترة الحجر جرّاء فيروس كورونا. بالتالي كانت الأجواء مناسبة للناس كي يستمعوا الى مقابلاتٍ طويلة.

لكن اليوم، من منّا يمكنه أن يتابع برنامجاً مدّته أكثر من خمس دقائق على مواقع التواصل؟ خصوصاً الفئة الشبابية. لذلك، انطلاقاً من ضرورة مواكبة التطوّرات والتغيّرات، اخترتُ هذه الفكرة لأنّ الناس ملّوا الاستماع الى المقابلات الطويلة للشخصيات السياسية، في ظلّ أسئلة مطاطة. حتى أنّ هذه الشخصيات نفسها باتت أحياناً تتهرّب من الأسئلة بشكل واضح من خلال الاستفاضة في مواضيع أخرى، بحيث يضيع السؤال الأساسي. كما أن هناك عاملاً نفسياً يجب أخذه في الإعتبار، فحين نضغط على الضيف السياسي ونرغمه على الإجابة ضمن وقتٍ محدّد، فهو باللاوعي سيعطي حتماً الأجوبة الأقرب الى الحقيقة.

في هذا النمط من المقابلات السريعة حيث لا مجال أمام الضيف للإستطراد والتوسّع، هل من خطر أن تصل فكرته ناقصة؟

طبعاً يمكن أن يحصل ذلك. لكن الخطر الأكبر في ألا تصل فكرته أبداً عندما يستفيض بالشرح ويخرج عن الموضوع. إضافة الى ذلك، نحن نستضيف شخصيات تتعاطى بالشأن العام، فيجب إذاً أن تكون مؤهّلة للتعبير عن فكرتها بالشكل الصحيح ضمن وقت محدود والإجابة عن هذا النوع من الأسئلة. علماً أنّ الوقت ليس قصيراً لهذه الدرجة، ويمكن للضيف أن يعيد تصويب الفكرة إذا شعر أنّه عبّر عنها بشكل خاطئ.




راشيل خلال إحدى التغطيات الميدانية



في العام 2014 تعرّضتِ مع زميلك المصوّر لمحاولة قتل من مسلّحين خلال إحدى التغطيات. ماذا يتغيّر داخل الإنسان حين يقترب من الموت ثمّ ينجو؟

هذه الحادثة لم تكن الوحيدة التي اقتربنا فيها من الموت. ولا أعني هُنا أننا كنا فقط تحت الخطر، بل بالفعل كنا على وشك أن نموت. حينها قلتُ للمصوّر الذي كان معي إننا كنا سنتحوّل الى مجرّد صورتين على مبنى القناة، وينتهي الموضوع. بالتالي مع الخبرة ومع مرور الوقت وبعد هذا النوع من الحوادث، لا بدّ من إجراء مراجعة ذاتية، وهل يستحقّ الأمر أن نخسر حياتنا من أجل تطرّف ما أو طيش أحدهم؟ بالطبع لا. شغفي في الصحافة يمكنني أن أترجمه في أمكنة عدة، وليس بالضرورة أن أموت لأجل أخطاء ناتجة عن أحد المتطرّفين أو الجهلة، علماً أنّ الحديث هُنا يختلف عن موضوع الإغتيال بالطبع.

بين المراسل الإنسان والمراسل الذي يفرض عليه واجبه المهني أن يبقى متماسكاً. أين يُسمح له أن يبكي ويتأثر خلال التغطيات الميدانية؟

بالنسبة لي، ما من قواعد تفرض سلوكاً معيّناً في هذه اللحظات. فإذا شعر أنّه غير قادر على منع نفسه من البكاء، فليبكِ. لا أن يبكي لأنّه يجب عليه ذلك، وبالطبع هناك فرق كبير بين الحالتين. وهُنا نعود الى السؤال الأول، أي أنّه على المراسل أن يكون نفسه.

هل تذكرين حادثة معيّنة حصلت معك في هذا الإطار؟

خلال إحدى التغطيات في جرود عرسال، كنتُ برفقة والدة أحد الشهداء التي عثرت على ثياب ابنها في المغارة. وكانت لحظات مؤثّرة جداً أبكت الجميع. حينها لم أبكِ على الهواء، بل تمالكتُ نفسي كي أستمرّ في نقل الحدث بكلّ تفاصيله. فالمشاهدون يتابعون الحدث من خلال عينيّ، وإذا كانتا مليئتين بالدموع، فلن أتمكّن من نقله لهم بالشكل الصحيح. لكن حين أنهينا التغطية وركبنا السيارة، انهرتُ بالبكاء.




راشيل خلال إحدى التغطيات الميدانية



لطالما ظهرتِ أمام الكاميرا أو على مواقع التواصل الإجتماعي بصورة المرأة القوية. على صعيد شخصي، متى تشعر راشيل كرم بالضعف؟

أنا شخص مليء بالأحاسيس. أتأثّر بسرعة حتى أمام الأمور البسيطة. فإذا كنت أشاهد مباراة لكرة القدم مثلاً وسجّل أحد الخاسرين هدفاً، قد أدمع. كما أتأثّر بشكل خاص أمام الأشخاص المستضعفين. وقد ظهر جزء من هذا الجانب أيضاً في إطار عملي، بشكلٍ خاصّ خلال فترة الإنتفاضة حين توجّهنا الى حيّ التنك في طرابلس، وهو أحد أكثر الأحياء فقراً في المدينة وأضأنا على معاناة السكّان هناك. وأعتقد أنّ المشاهدين لمسوا الصدق في التعاطي والتفاعل وأسلوب طرح الأسئلة، وهي من الصفات التي قرّبتني أكثر من الناس.

عملتِ كمراسلة وأستاذة جامعية ومقدّمة برامج ومارستِ أكثر من مهنة في الوقت نفسه. ماذا تقولين للشباب اللبناني الذي يشعر اليوم بأنّه عاجز أمام الأبواب المقفلة؟

أنا أؤمن بمقولة "من جدّ وجد"، أو "من أراد فعل". لا شكّ في أنّ الأوضاع والظروف صعبة، وهذا واقع. لكن أمام هذا الواقع هناك خياران: إما أن نرمي المسؤولية على الآخرين وعلى عوامل أخرى، وهي ثقافة نشأنا عليها للأسف، وإما أن نحاول خلق الفرص بأنفسنا. أنا عملتُ في مؤسّسات عدّة، ولم أسمح يوماً بالاستعانة بأي وساطة كي أصل. لا شكّ في أنّ سوق العمل في لبنان محدودة، لكن علينا بالدرجة الأولى أن نبادر ونقوم بالجهد اللازم للبحث بدلاً من تمضية الوقت "بالنقّ".