طوني فرنسيس

مات ولم يُدفَن

8 كانون الأول 2022

02 : 00

يصعب القول إنّ تفاهم مار مخايل انتهى، لسببٍ بسيط هو أنّ هذا التفاهم ببنوده العشرة لم يكن إتفاقاً للتنفيذ. كانت البنود الموقّع عليها تحت صورة سيف أحد رؤساء الملائكة السبعة، ومشهد العناق والقبلات بين قائد سابق للجيش وقائد أبدي لميليشيا «المقاومة»، مجرد اتفاق لتبادل الخدمات والمنافع، ينتهي مفعوله بانتفاء حاجة الطرفين إليها. فهل انتفت اليوم الحاجة إلى التفاهم أم هو لا يزال ضرورياً؟

من البنود العشرة التي جرى إنزالها في نص 6 شباط 2006 لم يجرِ العمل بأي بند. فقط أمّن الجانب «المسيحي» في الاتفاق تغطيةً سياسية للسلوك الداخلي والخارجي للجانب «الشيعي»، ووفّر الجانب «الشيعي» المسلّح للجانب «المسيحي» الوصول إلى رئاسة الجمهورية والاستفادة من موقعها.

لم يكن الطموح إلى بناء دولة المؤسسات هاجساً لموقّعي التفاهم، بقدر ما كان التقاسم هدفاً. تحدثوا في البند الأول عن الحوار الوطني فكانت «غزوة أيار» بعد عامين، ورفضوا الديمقراطية في البند الثاني وأحلّوا مكانها الديمقراطية التوافقية لتتم ترجمتها في الدوحة ثلثاً معطلاً وفي المجلس النيابي والحكومات تعطيلاً وفراغاً، أمّا النقطة الحاسمة ففي البند العاشر والأخير: الحفاظ على سلاح «حزب الله»!

تلك كانت أهداف التفاهم الجوهرية، وهو أدّى مهمته على أكمل وجه في «حرب تموز» ثمّ في انتخابات الرئاسة، وتحوّل المنصب الأول في الدولة غطاء لكل سلوكيات «حزب الله»، فيما قاد «الحزب» الحكومات تشكيلاً وتعطيلاً، اعتكافاً وعودةً عن إعتكاف.

في الأساس، لا قيمة للتفاهم في المعنى الوطني، فبنوده «الاصلاحية» يتخطّاها «اتفاق الطائف» الذي سبقه بـ17 عاماً، ولم يجر العمل لتنفيذها أبداً، لكن قيمته الفعلية باقية بمعنى تبادل الخدمات، ما دام موقّعوه يكررون لازمة الاحتكام إلى «السيّد» في تقرير مصائرهم السياسية. بهذا المعنى يتسع التفاهم ليشمل آخرين لم تتسع لهم طاولة مار مخايل، لكنهم يمارسون السياسة بروحية واحدة.

في سوريا يصعب على أي سياسي أن يدلي بتصريح من دون ذكر «الرئيس القائد»، وفي إيران يستحيل بقاء ابراهمي رئيسي رئيساً من دون الإشادة برعاية المرشد صبحاً ومساء، أمّا في لبنان فقد يُدفن تفاهم مار مخايل، لكن الإتكال على الله وحزبه يبقى تعويذةً أبدية.


MISS 3