رفيق خوري

ثلاث مهام متناقضة: وصفة لانهيار لبنان

18 كانون الثاني 2020

15 : 12

في بيروت التي لجأ إليها خلال الستينات المفكر عبد الله القصيمي صدر كتابه الشهير: "العالم ليس عقلاً". ولم يكن الرجل يضع لبنان بين البلدان التي ينطبق عليها قوله: "الحكام مرضى يعالجون أنفسهم بتطبيب الشعوب". حتى خلال الحرب ظل في البلد شيء من الإستثناء. لكن ما نراه اليوم بعد ثلاثة أشهر على ثورة شعبية سلمية يثير العجب: سلطة تداوي عجزها عن الحكم بالإنزلاق في القمع. وتهرب من مسؤوليتها عن الأزمات إلى الجدل البيزنطي على حافة الإنهيار. وأخطر ما في العنف أنه ضد النشطاء في الثورة، وليس ضد البلطجية المدسوسين لتخريب الثورة بتشويه سلميتها. فضلاً عن أن العنف السياسي في الدفاع عن لصوص الأثراء مقابل إفقار الشعب يبدو نافراً أكثر من العنف الأمني.

والمشكلة مستمرة، وسط دفع لبنان المأزوم وطنياً وسياسياً ومالياً واقتصادياً إلى القيام بثلاث مهام متناقضة. المهمة الأولى هي تأليف حكومة إنقاد من دون الإتفاق بين أصحابها على برنامج إنقاذي بدل الإكتفاء بلعبة الأسماء. والثانية هي الإنخراط مع "محور المقاومة" بقيادة إيران في معركة لطرد القوات الأميركية من غرب آسيا. والثالثة هي توظيف الشكل التكنوقراطي للحكومة في تغطية الحفاظ على الإمتيازات وقدرة النافذين على ترتيب الصفقات وشفط المال. وهذه وصفة للإنهيار لا للإنقاذ. مفهوم أن المحاصصة هي قدر الحكومات في لبنان. فالمحاصصة هي آلية عمل النظام، ومن دونها يتوقف عن العمل. ولا فرق سواء جاء كل شيء حسب النص الدستوري أو حسب تأويل سياسي للدستور، وهو الأمر الذي كان محل جدل بين أهل السلطة. ولا فرق أيضاً سواء كانت المحاصصة واضحة ومعلنة أو مغطاة بالأكاذيب المفضوحة. ولم تكن المطالبة بحكومة مستقلين سوى حلم ليلة صيف.

لكن اللامفهوم واللامعقول هو أن نأمل في الحصول على مساعدات من العرب والغرب، ونحن نقف في المحور المعاكس. لا بل حين يكون مفتاح المساعدات في يد أميركا المطلوب منا خوض معركة لطردها من المنطقة. ثم كيف يمكن الرهان على استثمارات "سيدر" التي يشترط أهلها التوقف عن الفساد والسطو على المال العام، وسط الصعوبة في "فطم" النافذين عن الفساد والرشوة؟

يقول الجنرال جورج مارشال الذي أنقذ أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية عبر "مشروع مارشال": أنك "تستطيع إنجاز صفقة كبيرة إذا أعطيت الفضل للآخرين". ومشكلتنا، ونحن في حاجة إلى نوع من "مشروع مارشال"، أن كل مسؤول يريد احتكار الفضل لنفسه ولو صنعه الآخرون.


MISS 3