لِمَ يرسم العلماء خطوطاً على الأبقار؟

00 : 00

يذكر تقرير جديد أن مجموعة من العلماء رسمت خطوط الحمار الوحشي على الأبقار، ويستنتج أن هذه الطريقة غير المألوفة قد تحمي الماشية من لدغات الحشرات، ما يعني تراجع الحاجة إلى استعمال المبيدات الحشرية.

لماذا يحمل الحمار الوحشي تلك الخطوط أصلاً؟ يبلغنا روديارد كيبلينغ في كتابه Just So Stories (قصص بسيطة) بأن تلك الخطوط تطورت لأن الحمار الوحشي كان يقف في "ظلال الأشجار المتقطعة". لكن يحمل العلماء أفكاراً أخرى عن هذا الموضوع.لم يؤكد أحد بعد على السبب الكامن وراء هذا التصميم الدقيق والمبهر لدى الحمار الوحشي، لكن تتعلق النظريات المطروحة بالتنظيم الحراري، والتمويه، وإرباك الحيوانات المفترسة، والتواصل مع حمير وحشية أخرى.

تَقِلّ الأدلة التي تدعم هذه التفسيرات، لكن تطرح التجارب مؤشرات متزايدة حول نظرية محددة: يفترض بعض العلماء أن الخطوط السوداء والبيضاء لدى الحمار الوحشي تحميه من لدغات الحشرات!اكتشفت دراسة في العام 2019 مثلاً أن الأحصنة التي تضع معاطف مخططة لا تجذب الحشرات بقدر الأحصنة التي لا يوضع أي غطاء عليها أو تستعمل أغطية غير مخططة.

مع زيادة الأدلة المتاحة، من المنطقي الآن أن تُعتبر خطوط الحمار الوحشي جزءاً من الوسائل الطاردة للحشرات. هذه المعلومة بحد ذاتها مثيرة للاهتمام، لكن ما النفع منها؟

تشكّل الحشرات اللادغة مصدر قلق لأصحاب المواشي لأنها تؤثر على سلوك القطيع وقد تؤدي إلى خسائر اقتصادية. حتى أن هذه الحشرات تُقلّص مدة الأكل والنوم، ما ينعكس على نمو الحيوانات. وعند انتشار تلك الحشرات، تميل المواشي إلى التجمع في مكان واحد لتخفيض احتمال تعرّضها للدغات. هذا السلوك يزيد مستوى الإجهاد الحراري واحتمال الإصابات. حتى أنه يكبح اكتساب الوزن وينعكس سلباً على إنتاج الحليب.تشير تقديرات بعض الباحثين إلى أن الحشرات اللادغة تكلّف قطاع مشتقات الحليب وصناعة لحم البقر أكثر من مليارَي دولار سنوياً في الولايات المتحدة وحدها.

لكن إذا كانت خطوط الحمار الوحشي قادرة على الحد من هجوم الحشرات، هل ستكون أي خطوط مشابهة مفيدة للمواشي أيضاً؟ بدأ الباحثون يستكشفون حديثاً هذا السؤال ونشروا نتائجهم في مجلة "بلوس ون".

اختبار الخطوط


استعان العلماء بست أبقار سوداء يابانية، ورسموا عليها واحداً من ثلاثة أنماط: خطوط سوداء وبيضاء تشبه خطوط الحمار الوحشي، أو خطوط سوداء فقط، أو لم يرسموا أي خطوط (مجموعة مرجعية).

تكون هذه الأبقار في العادة سوداء اللون، لذا لم تختلف الحيوانات التي حملت الخطوط السوداء عن الأبقار العادية بدرجة كبيرة. لكن استُعمِلت هذه الطريقة للتأكيد على عدم ارتباط ابتعاد الحشرات برائحة الطلاء.

في المرحلة اللاحقة، راقب الباحثون الأبقار وقيّموا سلوكياتها الطاردة للحشرات، مثل ضرب الأذن، وهز الرأس، وتحريك القدمين، ونفض الذيل، وتشنج الجلد. كذلك، التقط الباحثون صوراً لمحيط كل حيوان لتسجيل عدد الحشرات اللادغة. أخيراً، وضعوا أغطية شفافة ولاصقة على الأرض، بالقرب من كل حيوان، لحبس الحشرات في المنطقة وتحديد نوعها.

رصد العلماء عدداً أقل من الحشرات على سيقان وأجسام الأبقار المطلية مقارنةً بالحيوانات الأخرى (أي نصف العدد تقريباً). ولم يبرز أي اختلاف بين المجموعة المرجعية والمجموعة التي رُسِمت عليها خطوط سوداء. وحين قيّموا سلوكيات طرد الحشرات، اكتشفوا أن الأبقار في المجموعة المرجعية قامت بما معدله 53 سلوكاً مماثلاً خلال 30 دقيقة، بينما وصل هذا المتوسط إلى 54.4 لدى الأبقار بخطوط سوداء. لكن اقتصر عدد السلوكيات لدى الأبقار البيضاء والسوداء على 39.8 كل 30 دقيقة.

يستنتج الباحثون: "تكشف هذه النتائج أن أعداد الحشرات اللادغة على الأبقار المطلية بالأسود والأبيض كانت أقل بكثير من تلك التي واجهتها الأبقار السوداء بالكامل أو المُخططة باللون الأسود".

قد تسمح هذه التقنية الغريبة والفاعلة بتوفير المال على قطاع المواشي. وبالإضافة إلى المنافع المادية، قد تسهم أيضاً في تخفيف الحاجة إلى استعمال المبيدات الحشرية. تستطيع الحشرات أن تتكيف سريعاً مع المواد الكيماوية التي يصممها البشر للقضاء عليها، فتُطوّر مقاومة قوية لأي نوع جديد من المبيدات خلال عشر سنوات تقريباً من ابتكاره.

يضيف الباحثون: "يطرح هذا البحث خياراً بديلاً عن استعمال المبيدات الحشرية التقليدية لكبح هجوم الحشرات اللادغة على المواشي وحماية الحيوانات وتحسين صحة البشر، كما أنه يساهم في حل مشكلة مقاومة المبيدات في البيئة".