ريتا ابراهيم فريد

مصوّرو القنوات التلفزيونية... العين التي تواجه الخطر

21 كانون الثاني 2020

10 : 47

يقفون في الظلّ لينقلوا الأحداث نحو الضوء. البعض يطلق عليهم لقب "الجندي المجهول" خلف العدسة. هم العين التي تواجه الخطر لنقل الصورة كما هي أمام أعين الرأي العام. جاهزون لتأدية واجبهم المهني في كل لحظة وفي كل مكان. منذ انطلاق انتفاضة 17 تشرين، أمضى المصوّرون التلفزيونيون ساعات طويلة متواصلة من البث المباشر. تعرّضوا لشتى أنواع الإعتداءات اللفظية والمعنوية والجسدية. واجهوا البرد والتعب والضغوط النفسية. تمّ رميهم بالحجارة. حطّموا كاميراتهم ومعداتهم، وصولاً نحو الاعتداء عليهم بالضرب. البعض أصيب بجروح وأدخل الى المستشفيات. لكنهم رغم كل ذلك مستمرون.



زكريا الخطيب: أحافظ على عدّة عملي كما يحافظ العسكري على سلاحه

تعرّض لاعتداءات عدة أدّى أحدها الى تحطيم الكاميرا التي كان يحملها، وكان آخرها حادثة الضرب المبرح من أيام قليلة في شارع الحمرا. مصوّر قناة "الجديد" زكريا الخطيب يروي في حديث لـ"نداء الوطن" تفاصيل ما حدث تلك الليلة: "كانت أعمال الشغب والإشتباكات بين المتظاهرين والقوى الامنية في أوجها. وأثناء قيامنا بعملنا توجّهت مجموعة من المتظاهرين وطلبوا منّي أن أُبعد الكاميرا محاولين تكسيرها، ثم انهالوا عليّ بالضرب وكانوا أكثر من 10 أشخاص. وحين شاهدوا زميلي المراسل حسّان الرفاعي يحمل لوغو قناة "الجديد" هاجموه هو أيضاً". وتابع:"نحن نقوم بعملنا وعلينا أن ننقل الصورة فقط. ولسنا معنيين بأي طرف، من مع من، ومن ضد من، نحن في الوسط وعلى مسافة واحدة من الجميع، وعلى الناس أن يعرفوا ذلك".


وعن تعرض فريق قناة "الجديد" بالتحديد الى اعتداءات وشتائم وإهانات يقول الخطيب: "الذين ضربوني وشتموني لا أعرفهم ولا يعرفونني. وأنا أحاول في كلّ مرّة أن أنسى وألاّ أردّ على أية كلمة توجّه اليّ، بل أحاول أن أكون متفهّماً، لأنّ الناس غاضبة. لكنّني أقول لكلّ من لا يحبّ هذه القناة أنه يمكنه الإمتناع عن مشاهدتها بكل بساطة عوضاّ عن التعرض لموظفيها بالضرب". وتابع: "هذه مهنتي التي أعتاش منها، ومن واجبي أن أحافظ على عدّة عملي تماماً كما يحافظ العسكري على سلاحه، فمهنتنا هي الأخطر وتتطلب انتباهاً كبيراً".


"اذا أردت أن تكون ناجحاً عليك أن تحبّ عملك" هذا هو الشعار الذي يقتدي به الخطيب لتحمّل متاعب هذه المهنة، ويضيف: "اليوم أصبحت الناس تعرفني بالإسم وتلقي التحيّة عليّ وتتفاعل معي على مواقع التواصل الإجتماعي وهذا الأمر يعطي دافعاً كبيراً للإستمرار والمثابرة". وعن علاقة المصوّر بالمراسل يقول الخطيب: "المراسل هو العين الثانية للمصوّر، هو يرى ما لا تراه الكاميرا. وفي بعض الأحيان يوجّه المصوّر لإلتقاط المشهد الأهمّ، وبذلك نقدّم عملاً ناجحاً، ومن هنا فإنّ التفاهم والتناغم بين المصوّر والمراسل أساسيّ جداً، بحيث يكون كلّ طرف مصدر قوّة للطرف الآخر".





بسام فقها: التعاطي بعنف معنا بدأ قبل أن تبدأ الثورة


حملة عنيفة من الشتائم والاعتداءات المعنوية والجسدية تعرّض لها مراسلو قناة الـOTV بشكل خاص من قبل المتظاهرين، على اعتبار أنهم يعملون في القناة التابعة للعهد الذي ينتفض قسم كبير من المواطنين ضده. وقد كان للمصورين أيضاً حصتهم من هذه المضايقات. «تمّ التعاطي معنا بعنف وقسوة حتى قبل أن تبدأ الثورة، فقط لأننا من قناة الـOTV»، يشير مصوّر القناة بسام فقها الذي غطّى الاحتجاجات في الشارع منذ بدايتها، ولا سيما في ساحتي الشهداء ورياض الصلح ومنطقة جلّ الديب.


يختنق صوته قليلاً قبل أن يبدأ بالسعال، ثم يشرح لـ»نداء الوطن» أنّ رئتيه تضررتا جراء تنشّق الهواء الملوّث حين كان يغطي أحداث قطع الطرقات وحرق الدواليب، ويضيف أنّ الخطر بكلّ أشكاله موجود في كل مكان، «لكن هذه رسالة الصحافة وعلينا أن نؤديها»، ومن هذا المنطلق، ورغم كل التعب والمضايقات يؤكد بسام أنه لم يفكر يوماً بترك عمله لا سيما أنه يعتبر قناة الـOTV بيته.


ولفت الى أنه بادر ذات مرة الى جمع عدد من المتظاهرين وطلب منهم أن يشرحوا له بصراحة عن مشكلتهم معه التي تدفعهم الى أذيته، ويوضح: «أما إذا كانت مشكلتهم مع أحد المسؤولين فليذهبوا إليه. فنحن بالنتيجة موظفون نقوم بعملنا».


بالمقابل أشاد بسام بالمتظاهرين الذين تعاطوا بإيجابية مع فريق الـOTV ورفضوا التعرض له، وإنما قاموا أيضاً بالوقوف الى جانب فريق القناة وحمايته من التعرض لأي اعتداء.





جوزف نقولا: عشْقنا لمهنتنا هو الحافز الأكبر للصمود

«صحافي أنا صحافي ما عم بعمل شي.. إيدي عالصليب سيدنا ما خصني.. صحافي أنا صحافي»، صرخة رددها مراراً مصوّر قناة الـMTV جوزف نقولا حين كان يتعرّض للضرب على يد القوى الأمنية في منطقة ثكنة الحلو منذ أيام قليلة، حيث نقل بعدها الى المستشفى للعلاج بعد أن أصيب بجروح في رأسه وتورّم في عينه اليمنى.


جوزف روى لـ»نداء الوطن» تفاصيل ما حصل معه: «كانت القناة قد أرسلت فريقاً الى المكان وطُلب إليّ أن أقوم بتفقده وأتأكّد مما اذا كانوا بحاجة الى تشريج البطاريات. وعندما كنت أهمّ بالمغادرة كان المتظاهرون قد بدأوا بالركض هرباً من القنابل المسيلة للدموع. حاولت بدوري أن أركض باتجاه سيارتي تفادياً لرائحة الغاز، لكن القوى الأمنية ظنّت أنني أحد المتظاهرين كوني لم أكن أحمل كاميرا، فتعرّضت للضرب بالعصيّ على رأسي».


ويؤكّد نقولا:»على مدى أكثرمن تسعين يوماً على اندلاع الثورة تعاملنا مع الأحداث بكل موضوعية واعتمدنا سياسة نقل الصورة كما هي بكلّ مهنية»، مشدّداً على أن «عشقنا لمهنتنا هو مصدر قوتّنا وهو الحافز الأكبر للصمود على الرغم من كل الظروف الصعبة والمخاطر التي نواجهها». ويضيف: «ها أنا اليوم في عملي وأتابع تنفيذ مهامي بشكل طبيعي». وعن أهميّة وجود المراسل مع المصوّر في مواقف مشابهة إعتبر نقولا أن هذا الأمر مهمّ جداً لأنه «يساعدنا ويوجّهنا ولأنه يملك المعطيات كلها أكثر من المصورين».

أما عن الإعتذارات التي صدرت عن المراجع الأمنية والسياسية المعنية فقال: «تلقيت اتصالاً من اللواء عماد عثمان معتذراً عمّا حصل وواعداً باتخاذ الاجراءات المسلكية بحق العناصر التي اعتدت عليّ». وختم: «نحن مستمرون بإذن الله في نقل الصورة الموضوعية للأحداث التي تجري في لبنان على أمل ان نكون قد اقتربنا من ولادة لبنان أفضل».







MISS 3