ريتا ابراهيم فريد

"برّاد الحي"... مبادرة لرفض الواقع: الغذاء ليس امتيازاً!

17 كانون الأول 2022

02 : 01

"برّاد الحي قلبو كبير"
الإصرار على رفض الواقع الصعب الذي فُرض على الإنسان، والسعي الى ابتكار الحلول لمساعدة أخوته في الإنسانية وإضاءة قلوبهم بالقليل من الفرح، هذا بالضبط ما تقوم به مبادرة «برّاد الحيّ»، التي أطلقتها سيدة لبنانية بشكل فردي تحت شعار Food is not a privilege أو «الغذاء ليس امتيازاً» ثمّ انضمّت إليها سيدات أخريات، وتوسّعت اليوم حتى أصبحت جمعية قانونية مع علم وخبر، وباتت تقدّم المساعدة لمئات الأسر في أصعب ظروف تمرّ بها البلاد.


"يلي صالح لاولادك صالح للبراد"


جذور المبادرة تعود الى العام 2008، بحسب ما تشير مؤسّسة الجمعية السيدة نايلة افرام الصايغ وتوضح: "حينها استفزّتني رؤية أشخاصٍ يبحثون عن الطعام بين القمامة. فجهّزتُ سيارتي بأكياسٍ تحتوي على زجاجات عصير وحليب وبسكويت وشامبو وبعض المعلّبات، وكنتُ أقوم بتوزيعها داخل بيروت. لكن مع تأزّم الوضع في السنوات اللاحقة، وبطبيعة تردّدي الى إنكلترا، لفتتني هناك مبادرة Community fridge initiative، فاستوحيتُ الفكرة منها وأطلقتُ مبادرة برّاد الحيّ في لبنان".

وتحت شعار "يلي صالح لاولادك صالح للبراد"، كان المبدأ في البداية مرتكزاً على تأمين وجبات غذائية للأشخاص الأكثر فقراً، بالتوازي مع محاولة الحدّ من هدر الطعام الذي ينتج عن المنازل أو المطاعم، ومشاركته مع الآخرين بدلاً من تلفه طالما أنّه لا يزال صالحاً للأكل. فتواصلت السيدة نايلة مع الأب كابي تابت خادم رعية مار يوحنا المعمدان في الأشرفية، حيث تمّ تركيب برّاد الحيّ الأوّل. وكان عبارة عن ثلّاجة كبيرة وُضعت الى جانبها علب بلاستيكية فارغة، بحيث يمكن لأيّ متبرّع أن يسكب الطعام في علبة ويضعها في البرّاد، فتكون بالتالي هذه الأطباق في متناول كلّ من يحتاج إليها. حينها عمدت سيدات أيضاً الى "تكبير الطبخة" في منازلهنّ أو طهي وجبات خاصة وإرسالها الى الثلّاجة. كما كان البعض يتبرّع بمجامع حليب أو بالخبز أو بموادّ غذائية.

"برّاد الحي قلبو كبير"

مبادرة "براد الحي" باتت اليوم موزّعة على ثلاثة مراكز: كنيسة مار يوحنا المعمدان في الأشرفية، كنيسة مار مخايل في منطقة النهر، وكنيسة سيدة المعونات في حارة صخر (جونيه). وبعد أن تبيّن أنّ معظم الذين يتردّدون الى البرّاد هم بحاجة ماسّة الى أمور أساسية أخرى مثل الأدوية أو إجراء التحاليل الطبية، كان القرار بأن يتواجد شخص مراقب في كلّ مركز مع إختصاصية إجتماعية لرصد الحاجات ودراسة الحالات التي تطلب المساعدة. وهنا تغيّرت هوية "برّاد الحي" الى "برّاد الحي قلبو كبير"، لأنّه لم يعد يقتصر على تأمين الطعام فقط، بل بات يتعدّاه الى تغطية حاجات إنسانية مختلفة.

600 إلى 800 طبق يومياً


في البداية كان أهالي الحيّ وأبناء الرعية يهتمّون بتحضير أطباق الطعام، أو يخصّصون حصّة من طبختهم في المنزل ويتبرّعون بها. لكن حين بدأت الأزمة الاقتصادية في العام الـ2019، ارتفعت أعداد الأشخاص الذين يحتاجون الى المساعدة. وفي هذا الإطار تقول السيدة نايلة: "قبل فترة قصيرة من انفجار مرفأ بيروت، كنا قد قرّرنا أن نستعين بمطبخ مجهّز في رعية مار يوحنا كي يكون متفرّغاً للطبخ لـ"برّاد الحي". وبات هناك فريق مختصّ كان في البداية يتألّف من متطوّعين، ثمّ تثبّتوا في ما بعد. واليوم نحن نحضّر في هذا المطبخ حوالى 600 الى 800 طبق في اليوم الواحد، إضافة الى الطعام الذي يصلنا من ربّات البيوت والمتطوّعين الذين يرسلون يومياً بين 50 طبقاً الى 100 طبق. كما أنّ البعض يرسل لنا الفاكهة والخضار من المواسم، فضلاً عن المونة والخبز والحلويات".


إعادة الفرح إلى أحياء بيروت


هذا وباشر "برّاد الحي" بإطلاق برامج إجتماعية مختلفة. من بينها برنامج Meals on wheels، الذي يتمّ فيه توزيع حوالى 1000 وجبة طعام أسبوعياً لمؤسّسات إجتماعية أخرى، تقوم بدورها بتأمين الأدوية أو تقديم المساعدة لبرّاد الحي. وتتحدّث السيدة نايلة عن "برنامج آخر يحمل اسم Fill their lunchboxes، حيث تبيّن أنّ هناك طلّاباً يصلون الى مدارسهم جائعين أو مع سندويش فارغ. فكان القرار بأن نوزّع أسبوعياً حوالى 700 علبة طعام على التلاميذ في ثلاث مدارس". وتضيف: "من بين البرامج أيضاً، "ترويقة زهر" الشهرية، التي نرسل فيها للأسر صندوقاً يحتوي على مواد غذائية متنوّعة مع مونة ومعلّبات. ونعمل أيضاً على موضوع الصحة النفسية بالتعاون مع جمعيات أخرى مثل "كفى". كما أقمنا مخيّم الحي الذي شارك فيه 116 طفلاً، وأعدنا فيه الحياة الى أحياء بيروت التي كان غارقة في الحزن".

علاقة عائلية وبيئة حاضنة

إذاً، يمكن تعريف مبادرة "برّاد الحي" بأنّها مجموعة أشخاص متضامنين مع بعضهم البعض: "يلي عم يعمل طبخة لعيلته، إذا شال منها حصة أو حصتين، بيعملوا فرق كبير"، وركيزتها الأساسية هي المجموعة التي تقدّم المساعدة. وتقول السيدة نايلة في هذا الإطار: "الجميع يشعر بالمسؤولية ويثابر على العطاء، وهذا أمر رائع". هذا ولفتت الى أنّهم يحاولون أن يخلقوا فرص عمل للأسر التي تنضمّ إليهم، وأن يكونوا سنداً لها على مختلف الصعد، حيث باتت تجمعهم علاقة عائلية في ظلّ بيئة حاضنة بين هذه الأسر، ونوع من التضامن كي لا يشعر أفرادها أنّهم وحدهم في هذه الظروف الصعبة. وتختم بالقول: "برّاد الحي هو لهذه الأيام بالذات. والرب هو من يمنحنا القوة كي نستمرّ".



دعـــونا نـــحـــتـــفـــل بـــتـــضـــامـــنـــنـــا



تحت شعار "دعونا نحتفل بتضامننا"، أطلقت جمعية "برّاد الحي" مبادرة ميلادية خاصة بالتعاون مع Little Melly لتأمين 200 وجبة طعام إحتفالية ومشاركتها مع العائلات عشية عيد الميلاد، ودعت المحبّين للمشاركة والتبرّع بوجبة. كما تنظّم الجمعية في 17 كانون الأول الجاري يوماً خاصاً للأطفال بدعم من مؤسسة Krystel El Adem في قرية قرنعون. وأخيراً وليس آخراً، تدعو الجمعية الى زيارة مراكزها في 22 كانون الأول الجاري لحضور حدث خاص بعيد الميلاد.


*للتبرّع أو التطوّع مع "براد الحي"، يمكن زيارة الموقع الإلكتروني عبر هذا الرابط: https://berradelhay.org/